بقلم- ماهر ميشيل
إذا تخيلت التاريخ أنه عبارة عن قطعة أرض، وهذه الأرض لها أسوار عالية تحدها من الأربع جوانب، ولها بوابات وحراس ومداخل ومخارج، وهذه الأسوار بدلاً من أن تقاس بالأمتار تُقاس بالزمن، وعندما تدخل إلى هذه الأرض ستجد لوحات مختلفة الحجم، الضخم الكبير والصغير وفي كل لوحة من هذه اللوحات تجد صورة ومكتوب تحتها إسم صاحب الصورة وإنجازاته التي قدمها للبشرية، وإستفادت بها إلى يومنا هذا، وكلما زادت هذه الإنجازات كلما كبر حجم وضخامة اللوحة، هؤلاء من نقدر أن نطلق عليهم اسم "داخل التاريخ".
وفي داخل نفس هذه القطعة من الأرض سنجد صناديق كبيرة مكتوب عليها عبارة "مزبلة التاريخ"، وعندما تنظر بداخلها ستجد بعض الملفات وعلى كل ملف صورة وإسم صاحبه، وبداخل الملف أعمال هذه الشخصية وما قدمه من أعمال للبشرية ولكن البشرية لم تستفد بهذه الأعمال أو النظريات شيئاًَ فوضعت أعماله في هذا الصندوق الكبير المسمى ب "مزبلة التاريخ".
أما خارج هذا السور المسمى "بالتاريخ" ستجد أشخاصاًَ كثيرين جداً عبروا على هذا السور من خارج ولم يدخلوه نهائياً فعاشوا حياتهم وماتوا وهم "خارج التاريخ" كبخار ظهر قليلاً ثم إضمحل.
فهناك أشخاص يصنعون التاريخ فينقسم التاريخ نصفين، قبل عهد (فلان) وما بعده مثلما نقول قبل الميلاد، وبعد الميلاد إشارة إلى ميلاد السيد المسيح، وبالتالي يصنعون أحداثاً تغير في البشرية فتضيف إليها لمسة جديدة أو مشروعاً جديداً أو إكتشافاً جديداً أو نظرية جديدة.
وإذا بحثنا في المجالات المختلفة كالعلوم، والطب، والموسيقى وغيرها، سنجد شخصيات أثرت كثيراًَ في زمانها وتركت هذا التأثير بعد موتها بنظرياتها وإختراعاتها فعلى سبيل المثال:
مخترع القلم الحبر هو "لويس وترمان" عام 1884م، مخترع ماكينة الخياطة هو "بارتليمي تيموني" عام 1829م، مخترع المصباح الكهربائي هو "توماس أديسون" عام 1879م، مخترع السماعة الطبية هو الطبيب "رينيه ريناك" عام 1818م، مخترع النظارة الطبية هو "روجر بيكون" عام 1268م، مخترع آلة التصوير الملون هو "جبريل ليمان" عام 1891م، مخترع الدراجة هو "كيرك باتريك ماكميلان" 1839، مخترع الآلة الحاسبة "بليز باسكال" 1639م، مخترع المكواة الكهربائية "سيلي" عام 1882م، مخترع طفاية الحريق "ألكسندر رولان" 1905م، مخترع الكاميرا "جورج اٍيستمان" 1888م، مخترع الآلة الكاتبة "كريستوفر شولز" 1868م، مخترع الكمبيوتر "هوارد أيكن" 1944م، مخترع التليفون "جراهام بل" 1867م، مخترع التكييف "كارير" 1911، مخترع القلم الرصاص "كونتي" 1792، مخترع فرشاة الأسنان "ويست" 1938، مخترع السخان الكهربائي "لارج" 1923، مخترع الخلاط الكهربائي "هاملتون" 1901، مخترع كاميرا الفيديو "مازوريكين" 1923، مخترع آلة تصوير المستندات "بدلير" 1903، مخترع السيارة "كارل بنز" 1886م، مخترع الراديو "جو جليلمو ماركوني" 1894م، مخترع التليفزيون "بيرد" 1926م، مخترع الأوكورديون "داميان" 1829، مخترع الطائرة "الأخوان رايت" 1903م، مخترع الثلاجة "كاريه" 1858، مخترع الغسالة "هاملتون سميث" 1858، مخترع المكنسة "بيل" 1876، مخترع المروحة الكهربائية "هويلر" 1882، مخترع الغسالة "فافيشر" 1901( المصدر http://www.shuika.net/vb/showthread.php?p=62256 ) .
ومن الطريف أنه تم عمل إستطلاع رأي بريطاني موضوعه:
ما هو أفضل إختراع في العالم في خلال القرن العشرين؟؟ وكانت نتيجة الإستطلاع هو أن "مقعد التواليت" هو أفضل إختراع تم في هذه الحقبة الزمنية.
"الحاجة أم الإختراع"، فكلما وقعت عين المفكر على "إحتياج" وفكر فيه وبحث ودرس كيف يسدد هذا الإحتياج لنفسه وللبشرية، ستأتي الإختراعات والنظريات والكتابة والإبداع والرسم، والموسيقى، لكن إذا رأى الإنسان إحتياجه وإنتظر غيره يسدده – كما نفعل جميعاًَ في مجتمعنا الشرقي ننظر للغرب ليسدد لنا إحتياجاتنا العلمية والإقتصادية وحتى السياسية - فلن يتقدم هذا الإنسان ولن يصنع فرقاًَ في تاريخ حياته ولا تاريخ المحيطين به.
يمكننا أن نكتب ونغير التاريخ إن إستخدمنا قدراتنا الكامنة فينا من فكر ودراسة وعلم، وإن كنا أمناء في أعمالنا فسنغير وجه التاريخ، "السمك الحي هو الذي يسير ضد التيار" هذه المقولة تعلمنا أنه إن كنا أحياء ولنا إرادة فيمكننا أن نسبح مع أو ضد التيار، لكن إن كنا كالسمك الميت فلا إختيار لنا إلا وأن نسير مع التيار، لأننا مفعول بنا ولسنا فاعلين.
الشباب الذي يتعرض للإضطهاد في الجامعات لأنه مسيحي، كما يحدث في معظم الكليات وخاصة كليات الطب، والتقديرات التي تنخفض من إمتياز لجيد جداًَ حتى لا يطالب هذا المسيحي ليكون "معيداًَ" في الجامعة، كل هذه الأحداث تجعل أن المطلوب من شبابنا المسيحي بذل الجهد أكبر لأنه يعيش في ظل إضطهاد مستتر، وليس معلن، وعليه أن يثبت للعالم إجتهاده وتميزه وتفوقه بالعلم والأبحاث، "د. مجدي يعقوب" عندما تعرض للإضطهاد بسبب دينه، إضطر أن يكمل دراساته خارج مصر، والطريف أنه قام بعمل عملية "قلب مفتوح" لهذا الأستاذ الذي إضطهده وكان مرعوباًَ منه، لكنه قال له نفس العبارة التي قالها يوسف لإخوته "أنتم قصدتم بي خيراًَ، أما الرب فقصد به خيراًَ" فيمكننا أن نصنع ونغير التاريخ بإجتهادنا وعلمنا وتقدمنا.
ولا يقاس التاريخ بما صنعته من ثروة وممتلكات ولا بإمتلاكك للذهب والفضة، ولكن يقاس بعطائك النابع من حبك للبشر فقد يكون هذا العطاء علماًَ أو تربية أولاد صالحين لأنفسهم وللمجتمع أو عطف على فقير أو الإعتناء بالمسنين والعجزة وأصحاب الأمراض.
التاريخ الذي تحدثنا عنه سابقاًَ يمكننا أن نطلق عليه "التاريخ الأرضي"، ولكن هناك تاريخ آخر بإسم "التاريخ الإلهي" والذي تسجله الملائكة في سجل خاص لكل فرد منا وهذا الأخير – الإلهي – له قواعد تختلف عن قواعدنا الأرضية فستجد من دخل هذا التاريخ من لم يُذكر نهائياًَ في التاريخ الأرضي والعكس.
من قواعد التاريخ الإلهي أن كل عمل يقوم به أي شخص سيمتحن بالنار – ليست نار جهنم لكن النار التي تنقي الذهب وتخرجه خالي من الشوائب – فإذا كان العمل المصنوع من القش أو العشب أو الخشب ستحرقه هذه النار ويصير رماد ويطير في الجو ويصبح لا وجود له، أما إذا كان ذهب أو فضة، أو حجارة كريمة، فسيثبت هذا العمل ويعطى عليه الشخص المكافأة الإلهية.
يا له من تاريخ مختلف كل الإختلاف عن التاريخ الأرضي، لكن أستطيع أن أقول إن من سُجلت أعماله في هذا التاريخ الإلهي، بكل تأكيد أثر في التاريخ البشري سواء في فرد غيره، أو جماعة صغيرة، أو مجتمعه، أو العالم كله.
فقد يسجل لك التاريخ الأرضي أعمالك العظيمة، لكن الأهم هل نفس هذه الأعمال إن مرت في إختبار "النار" هل ستجتازها وتصبح أكثر نقاوة ولمعان؟ أم ستحترق بنار النقاء؟؟
وليس مهم أن يسجل التاريخ الأرضي أعمالك في سجلاته، فقد تكون خارج التاريخ الأرضي، لكنك دخلت التاريخ السماوي، فمقاييس المؤرخين الأرضيين تختلف إختلافاًَ كبيراًَ مع المؤرخ الأعظم في السماء.
إفحص ما تصنعه في حياتك، هل ما تقوم به سيسجل "داخل التاريخ" أم في "مزبلة التاريخ" أم "خارج التاريخ"؟؟، وهل هو "قش وعشب وخشب" أم "ذهب وفضة وحجارة كريمة"؟؟
أحب في النهاية أن أختم رسالتي لنفسي أولاًَ، ولك عزيزي القارىء بعبارة قرأتها لعالم أراد أن يقول لتلاميذه أكبر نصيحة تفيدهم في حياتهم وتصنع منهم أناساًَ مختلفين وبعد أن شوقهم لها قال: "البداية نصف العمل"!!!.