الأقباط متحدون - السلفية في ميزان العلم والشرع والإنسانية 4
  • ١٦:٤٢
  • الخميس , ١٤ نوفمبر ٢٠١٣
English version

السلفية في ميزان العلم والشرع والإنسانية 4

إسماعيل حسنى

على هامش الثورة

١١: ٠٧ ص +02:00 EET

الخميس ١٤ نوفمبر ٢٠١٣

إسماعيل حسني 
 
تغير مفهوم الدين عند كثير من الناس في الثلاثين عاما الأخيرة، وأصبحوا يتصورون أن التدين يعني الالتزام بكل ما ورد في القرآن والسنة من آيات وأحاديث وكل ما اشتق منهما من أحكام شرعية مهما تناقضت أو تنافت مع قيم وروح العصر الذي يعيشون فيه.
 
انسحب هؤلاء من عصرهم، وتخاصموا مع الأعراف والقيم الحديثة التي تسود مجتمعاتهم، وانهمكوا في تحضير أراوح نماذج قديمة للحياة، فأطلقوا اللحى، وارتدوا الملابس القديمة من جلابيب وعمائم وحجاب ونقاب، ومارسوا عادات القدماء في المأكل والمشرب وتعدد الزوجات وضربهن وختان البنات وتزويجهن صغيرات ومنع المرأة من العمل ومنع الإختلاط بين الجنسين وغيرها، حتى وصلنا إلى العلاج بالحجامة وبول البعير وماء المطر، بعد أن زين لهم البعض هذا الإرتداد والانسحاب باعتباره عنوانا للتدين الصحيح،  وأنه الطريق الوحيد للنجاة من عذاب الآخرة ودخول الجنة.
 
هذا المفهوم المغلوط للتدين الذي لا يعترف بأن تطور المجتمعات لابد أن يتبعه تطور في الفكر والأخلاق والقيم، والذي يوهم الناس بإمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والذي يعطي للنص الديني أهمية تفوق قيمته الحقيقية في الدين لا يتفق مع الإسلام كما بينه الرسول (ص)، وكما فهمه الصحابة، ولكنه وليد النظرة السلفية التي تختذل الدين في مجموعة من الأوامر والنواهي تتسلط بها على الناس، لهذا فتحت لها الدولة المصرية أبواب البلاد في سبعينيات القرن الماضي بناء على نصيحة أمريكية لتحويل الناس إلى قطعان من الغنم تسمع وتطيع، حتى تتمكن الدولة من القضاء على الاتجاهات الإشتراكية والتحول إلى النظام الرأسمالي. ونجحت الخطة. 
 
ولكي ندرك الفارق الكبير بين الدين السلفي وصحيح الدين الإسلامي، ولكي نتعرف على الوزن الحقيقي للنصوص في أي دين وفي الدين الإسلامي خاصة، يجدر بنا أولا أن نتعرف وفي عجالة على أهم المذاهب أو المدارس الإسلامية، فكما يختلف برنامج أي رحلة باختلاف الهدف من الترحال، تختلف النظرة إلى الدين باختلاف الهدف من التدين، ومن هذا المنطلق لدينا في الإسلام وفي جميع الملل والأديان الأخرى ثلاثة مدارس رئيسية هي:
 
1-     الصوفية: التي تهتم بالسمو الروحي من خلال تعميق مفهوم الحب الإلهي، فهي تهتم بتحقيق المقاصد الشرعية أكثر من اهتمامها بالنصوص، وتسمح بتعدد الرؤى والتوجهات مما قد يصل إلى حد الشطط في بعض الأحيان. 
 
2-     الأشعرية: التي ارتضت منذ البداية التحالف مع السلطة وليس منافستها، فهي تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتوازن في المجتمع من خلال تحقيق المقاصد الشرعية للدين من حفظ الدين والنفس والعرض والمال بما لا يتعارض مع النصوص القطعية الثبوت والدلالة في القرآن والمتواترة في السنة، وتسمح بالاجتهاد والاختلاف حول ما دونها من النصوص الظنية والأحادية، ومن ثم فهي لا تقوم بتفكير المخالفين والخصوم. 
 
3-     السلفية: التي تسعى منذ نشأتها إلى الوصول إلى السلطة، فهي ترى الدين مجموعة من الأوامر والنواهي التي يجب أن يلتزم بها الجميع في كل زمان ومكان، ولكي تزيد من نطاق تسلطها على البشر فهي تقحم في دائرة المقدس كل ما ورد من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وآراء فقهية بشرية، ولا تفرق بين القطعي والظني، ولا بين المتواتر والأحادي، بل تشتق منها جميعا أحكاما تلزم بها الناس، ولا تهتم بالمقاصد الشرعية إلا حين تتفق مع هذه النصوص. وأخيرا فهي لا تقبل بتعدد الآراء والاجتهادات ومن ثم فتكفير المخالفين يعتبر من أهم أدواتها في السيطرة والتسلط. (يتبع)