بقلم: القس سامى بشارة
ميلاد طفل لهو حدث رائع فى العائلة اذ يبعث على الامل والفرح والابتسام فهناك ابن جديد اووافد حفيد يمنى ببداية جديدة ويعطى فسحة رجاء لامنيات سعيدة. وكلما كان الانتظار طويلا زادت فرحة القدوم جمالا وكلما كان الليل باردا وسواده شديدا كانت شمس الصباح دافئة مؤملة لنهار مديد. فبعد عهد عتيق ملىء بالفرائض والطقوس والالتزامات الشكلية والناموسية وبعد انقسام مملكة داود وتشرذمها ودمار الهيكل وضياع الرسالة وتحطمها يسدل الستار على عهد قديم بلعن. وبعد فترة صمت للوحى تلوثت صفاتها وخلت صفحاتها من الطهر والنقاء حبلت عذراء اشعياء ونبتت كرمة يعقوب وبسطت خيمة داود واينعت ذرية ابراهيم ولد المسيا وبزغ فجر جديد واشرقت شمس البر والشفاء باجنحتها ونبت رجاء ارميا الباكى وحملت كروم حبقوق الشاكى وتحقق حلم البشر الراضخين تحت ثقل الخطية والغارقين فى ظلام العبودية ورد الرب سبى شعبه الراجين رحمته والمنتظرين نعمته والعاملين مسرته. وكثيرة هى الرموز التى ملئت العهد الاول والتى جميعها تحققت وتمت فى شخص المسيح الوليد المجيد وولى العهد السعيد وغصن دافيد والعليقة التى اندهش امامها موسى كليم الله والذبيح العظيم وحمل الله وعزاء اسرائيل والكرمة الحقيقية والحية اللحمية فى مقابل الحية النحاسية ورئيس كهنتنا الاعظم والفادى والمعلم ونبى الانبياء وملك الملوك ورب الارباب. وكم كان ميلاده عجيبا فهو مشيرا والها قديرا وابا ابديا ورئيس السلام وملىء ايضا بالرموز المباركة التى تحمل فى طياتها نغمة ملائكية ونسمة سمائية وبشارة طوباوية تستحق الاعزاز والامتياز وجديرة بالاكبار والاقرار ومن هذه الرموز:
1.شجرة الميلاد:
ان الشجرة تعنى الحياة والخضار والنماء والثمر والظل والايواء والنمو والنجاح فالشجرة غنية بالرموز التى تحكى قصة التجسد فالبذرة تتخذ هيكلا اخضرا ولكن سر النمو فى العصارة فالكلمة صار جسدا وحل بيننا ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الاب مملوءا نعمة وحقا. فالشجرة حياة والحياة سر والسر فى المسيح فهو الحياة وهو معطى الحياة وهو النماء والروح القدس هو روح الثمر وثمر الروح عمل الهى فريد لا يصدقه الا من يختبره ولا يختبره الا من يؤمن بابنه يسوع. وشجرة الميلاد تذدان بالنور ويسوع هو النور الحقيقى الذى جاء العالم لينير لمن هم فى الظلمة وظلال الموت. وشجرة الميلاد ثابتة لان لها جذور وبسوع هو اصل داود واصوله منذ القديم ولكن الله كلمنا فى هذه الايام الاخيرة فى ابن الذى جعله وارثا لكل شىء. والشجرة هى الظل والظل ايواء فشجرة الموت بلا اوراق ولكن شجرة الحياة ورقها لشفاء الامم وكل من يؤمن بالابن فله حياة وسيشرب من نهر الحياة ولن يعطش بل تجرى من بطنه انهار ماء حية ولن يرى الموت الى الابد بل يحيا الى الابد وسيكون مع المسيح حيث يملك.
2.نجمة الميلاد:
النجمة بيضاء مما يعنى النقاء والطهر فطوبى للانقياء القلب لانهم يعاينون الله وطهارة القلب تتطلب مهارة اليدين والديانة النقية هى ديانة الداخل والنجمة لاتظهر الا فى سواد الليل الشديد فكلما زاد سواد الايام وعمت دياجير الظلام تظهر نجمة الميلاد تعطى املا وتزرع طهرا فالكلمة نجمة بيضا فوق السحاب والكلمة روح والكلمة نور والكلمة حياة ويسوع هو الطريق والحق والحياة ولنا اذا امنا باسمه حياة اذ ليس باحد غيره الخلاص فليس اسم اخر اعطى بين الناس به ينبغى ان نخلص. والنجمة تعنى اننا نحتاج الى هداية والى رعاية فيسوع هو الراعى الصالح وهو راعى الرعاة العظيم وهو يهدى اقدامنا الى سواء السبيل اذ يرسل روحه بعدما ارسل الله ابنه ليعزينا ويهدينا ويقوينا وليقودنا فى موكب نصرته فى المسيح يسوع. فيا من انت بعيد ويا من انت تائه تعالى الى يسوع واقترب الى قلبه الشافى والى حضنه الدافى تنعم بالوجود وتحظى بالخلود. واذا النجم الذى الذى رأوه فى المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف فوق حيث كان الصبى فاسمح لنجم المسيح ان يبدد حلكة ليلك ويقودك فتصل الى بر الامان وتحصل على سلام الله وتتمتع بمحبة الله وتتمتلىء من فرح الله. فلما راوا النجم فرحوا فرحا عظيما جدا فهذا الفرح فرح سماوى وهو فرح عظيم وهو فرح كثير لانه عظيم جدا وليس لعظمته استقصاء. فهل ترى الان نجم يسوع يشرق فى قلبك وهل تنظر الى الى نجمة يشرق فى ظلمات حياتك وهل تاتى لتسجد له كما فعل المجوس.نجمة داود تناديك وصوته يعلو عليك وشوقه يدنو اليك اننى من قلبى اصلى ان ترى نجمه وان تفتح قلبك له وان لا تعبد غيره وان تحيا امينا خاضعا له ولتكن لحظة ميلاده العجيب ونجمه السكيب ميلاد نجمك وميلاد ميلادك فهل تستجيب؟
3.مذود الميلاد:
ان التحقيق يأتى من التطبيق وفى المسيح كمال التحقيق وجمال التطبيق اذ نرى فى الميلاد كمال التواضع وجمال الاتضاع فملك الملوك لم يولد فى قصر كعادة الملوك ولكنه ولد فى مذود وهذا جل التواضع وكل الاتضاع والمذود هو مكان اطعام الماشية فالخطية نزلت بنا الى مستوى الحيوان ولكن فى ملء الزمان جاء ابن الانسان لعيد مكانة الانسان وليزيد انسانية الانسان وليجعل لانسان السقوط كرامة تفوق حدود المكان وتمتد الى عمق الزمان اذ ارسل الله ابنه مولودا من امراة وفى ذلك رفعة للمراة ودفعة لمكانة المراة ومولودا تحت الناموس لان بالناموس معرفة الخطية ولكن ليفتدى الذين هم تحت الناموس من الموت والهلاك الى الحياة والى النور والى ميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل. وفى ثقافة المذود اعلاء لثقافة انكار الذات وازكاء لثقافة اخفاء الذات فى عصر الانانية والتعالى وفى بشر مشحونون بمحبة الذات التى قد تصل الى عبادة الذات وفى وقت تتعالى فيه صيحات تحقيق الذات اتى وليد المذود ليعلى ةيلن ان اجمل تحقيق للذات هو كما عمل وعلم يسوع بالذات حين احب خاصته الذين فى العالم احبهم الى المنتهى ولاجلهم اخلى نفسه اخذا صورة عبد صائرا فى شبه الناموس واذ وجد فى الهيئة كانسان اطاع حتى الموت موت الصليب. فنحن بالمسيح فى فكر جديد مجيد فكر اخلاء الذات فقد اخلى المسيح نفسه واخلى ذاته وقدم نفسه وقدم ذاته. ياليتنا ناتى الى مذود الميلاد ونتذود بموت الذات وصلب الذات حتى نتحرر من جلد الذات وحب الذات واثرة الذات الى ايثار الاخرين حتى نختبر موت البذرة كى تنبت الشجرة شجرة الميلاد وتأتى اوكلها محبة وفرح وسلام.
4.هدايا الميلاد:
الاساس فى الكريسماس ليس الاخذ بل العطاء فقد قدم المجوس للمسيح ذهبا كونه ملكا ولبانا كونه كاهنا ومرا كونه متالما وهديا العيد ان نعطى مما اعطانا الله وجوهر تعليم المسيح انه بميلاده اعطانا حياة واعطانا بداية جديدة واعطانا الله فى المسيح ابن وابن وحيد. ياله من منظر مثله لم ينظر ان نرى شجرة الميلاد وارفة وان نرى تحتها وعلى اغصانها هدايا الحب وعطايا المحبة وبين جنباتها كلمات الشكر لله على اجمل عطاياه وعلى اكمل هداياه وعلى حفظة لرعاياه وما احسن ان يجتمع الكل فى مذود الميلاد يتبادلون هدايا الميلاد فى شركة وشكر والفة وطهر ومودة وبر ففى الميلاد روح وفى الميلاد حياة وفى الميلاد حب وصفاء. واجمل انواع الاهداء هو ان نهدى حياتنا للمسيح وان نعطى ذواتنا لاخوة المسيح وان نقدم الغالى والثمين وليس البالى والرث لعائلة المسيح فالمسيح جائع طالما هناك جاءعون والمسيح مسجون طالما هناك محبسون والمسيح مريض طالما هناك مرضى لا يشفون والمسيح غريب طالما هناك من هم الخيام ساكنون والمسيح مهمش طالما اعداد اطفال الشوارع كل يوم يذدادون والمسيح مريض طالما مرضى النفس ومرضى الروح ومرضى الجسد لا يستطبون. القضية ليست قضية مجتمع وليست قضية حكومة لكنها قضية ثقافة وقيم ومبادىء فنحن فى مجتمع الرشوة والمحسوبية والوساطة والتدين الظاهرى والاثرة والغش وقمع الحريات ومنع العبادة والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه ان يعارض او يحتج او يقول رايه. ان ما يريد ان يقدمه لنا وليد المذود اليوم من هدايه فى صورة هدايا لهو جدير بالقبول وجدير بالحبور فهو يريد ان لنا فرصة لكى نخرج عن انانيتنا وان نحرر من عقمنا وان نحطم قيود ذواتنا فننطلق الى حرية مجد اولاد الله وننمو فى النعمة وان نحب بلدنا وان ننتمى الى الارض التى ولدنا فيها وان نتعلم السخاء فى العطاء فرسالة الميلاد هى رسالة السخاء فى العطاء وليس مجرد العطاء فلنحب كم احب المسيح ولنقدم كما قدم المسيح ولنهدى كما اهدى المسيح.
5.شموع الميلاد:
شمعة فوق ربوع العتمة وسمعة فوق جبال الظلام وشمعة وسط جموع العمى وشمعة وسط دموع المساكين فبدلا من ان يلعن الله ظلام الجهل اضاء المسيح شمعة العلم فلما راى الجموع فتع فاه وعلمهم ولما راى المرضى مهملين شفاهم ولما راى عمى القلب والبصيرة انار لنا الحياة والخلود ولما راى تخبط الكتبة والفريسيين ارسل المبشرين والرسل والتلاميذ واطلقهم فوق الجبال وبين التلال ليشروا رسالته وليرعوا رعيته وليقدموا نموذجا فريدا لانهم تعلموا منه واكلوا وشربوا معه ثلاث سنين وهذا ما يريدنا يسوع ان نعمله ان نضىء شمعة لبلدنا وان نضىء شمعة لمصرنا وان نضىء شمعة لاهلنا وان نضىء شمعة لاولادنا بدلا من ثقافة الجهل والتذمر والسلبية وسكب الدموع على الماضى التليد وذرف الدماء على الامس الشهيد. ان تجارة الامل لا تبور لكن تجارة الموت خسارة ودمار وضمور فالغد امانة واليوم امانة فعلينا بالاجتهاد وعلينا بنشر ثقافة الحياة وعلينا بالابداع بدلا من روح الابادة وقتل التطور ووأد العلم فنحن فى عصر الابتكار وعصر الجزء من الثانية. ان شموع الميلاد تعدعمونا للامل كما تعونا للعمل فلقد خطط الله ودبر ولقد راى الله وفكر وقد نفذ الله واخبر والله على استعداد الان ان ينير شموع فوق جبال عتمتنا وان يرسل روحه ليفتح عمق دواخلنا فنرى بنوره نورا فلكم ايها المتقون اسمى تشرق شمس المسح شمس البر والشفاء فى اجنحتها. الشمعة تولد لكى تموت وتموت لكى تحيا وتحيا كى تنير وتنير كى نرى نحن ولا نتخبط وتنير كى نتحرك فلا نركن للسكون ولا نرضخ للكمون. ان رسالة الشمعة هى رسالة العطاء ورسالة العطاء هى رسالة الفداء فلقد ولد المسيح ليموت ومات لكى نعيش نحن وعاش كى نراه شمسا لا تغيب وقمرا فى السواد الكئيب وشمعة فى كل قلب سكيب وحبا على عود الصليب.
6.اجراس الميلاد:
تتعد رسالة الاجراس فى حياتنا وتتنوع اشكالها واصواتها فهناك جرس اخبار وجرس انذار وجرس فسحة وجرس كنيسة لكن اجراس الميلاد تستحق ان نقف وان نتوقف امامها فهى ليست مجرد منبه او محذر او مؤذن او فرصة لالتقاط الانفاس لكنها رسالة حياة او موت موضوع بركة او لعنة ومصير ابدى لابد ان نعمل له الف حساب وان ندرك خطورته ونعى اهميته. اجراس الميلاد تسالنا هل ولدنا من جديد ام لا؟ وهل اختبرنا ميلاد المسيح فى قلوبنا ام لا؟ وهل قبلنا المسيح مخلص لنا ام لا؟ ليس هذا من باب التدر او التفكه وليس هذا من باب الواجب لكنه قرار يصنع مسار ويحدد نهاية ابدية ويشكل حياة ابدية اما فى الخلود واما العدم واما النور او الظلام. الازمة ليست اقتصادية فحسب ولكنها ازمة روحية والانبعاث الحرارى ليس مشكلة بيئية وكفى لكنه افراط فى الاعتماد على الميكنة فحتى الانسان اصبح الة فى ركب عصر التكنولوجيا واصبح من ولد المسيح لاجلة ترس فى طاحونة البرجماتية. ان الاويئة والامراض الجديدة ليست خطورة صحية وحسب لكنها كارت اصفر لكل لاعب ومتلاعب بمصيره الابدى وكارت احمر لكل غافل يتثائب متناسى ان سياتى يوم ويقف امام الديان العادل كى يعطى بحسب الجسد حساب وكالته خيرا كان ان شرا. ان اجراس الميلاد تدعونا الى صاحب الميلاد وتصيح علينا ان نقبل ونقبل وليد المذود وان نفتح له قلوبنا ونقدم له هدايانا قلبا ونفسا وجسدا. اجراس السماء تدق لتعلن ان الباب مفتوح فهل ندخل؟ ان اليوم يوم خلاص فهل نسمع؟ ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب فهل نقبل؟
ماجستير الدراسات اللاهوتية
Samy6868@yahoo.com