عرض: جرجس بشرى
الكتاب الذي نعرض أهم ما جاء به يعتبر وأحدًا من أهم الكتب التي تناولت توصيف أوضاع الحرية والتحول الديمقراطي في مصر، وهو كتاب يحمل عنوانه له دلالات بالغة سياسية وإجتماعية، وقد أستطاع مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية أن يسجل في هذا الكتاب الهام مقالات رجل علامة في مجال علم الإجتماع وينقل رؤاه المتعلقة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر والإنتقادات اللأذعة لهذه الأوضاع وكيفية إنطلاقة الدولة المصرية نحو التحول الديمقراطي بشكل علمي وعملي..
إنه كتاب "رياح الشرق.. الديمقراطية بين المد والجذر" الذي استطاع مركز بن خلدون من خلاله تجميع المقالات الهامة لعالم الإجتماع المصري د. سعد الدين إبراهيم "رئيس مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية"، وقد تم إصدار هذا الكتاب الضخم الذي تصل عدد صفحاته إلى 323 صفحة من الورق الفاخر وسعد الدين إبراهيم في المنفى بعد أن أطلق النظام الحاكم عليه بعض أتباعه لتشويه صورته وإتهامه بالعمالة والخيانة لا لشيء إلا لإنتقاداته الشديدة للنظام المصري في الأوضاع التي تتعلق بمجال الحريات وحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي الحقيقي، وسوف نستعرض في هذا الطرح للكتاب أهم المقالات التي تناولت الوضع الداخلي المصري.
ومن أهم هذه المقالات مقال بعنوان "الإفلاس السياسي" وقد رد فيها سعد الدين إبراهيم إلى الحملة المسعورة التي شنها عليه رؤساء تحرير الصحف الحكومية "الجمهورية والأخبار" والمباحثية "روزاليوسف والأسبوع والنبأ" في أعقاب مشاركة الدكتور سعد في مؤتمرين عن الديمقراطية في العاصمة القطرية عام 2..7، لعاصمة التشيكية في نفس العام أيضًا، وقد اشارت الحملة التي شنها بعض رؤساء الصحف إلى وجود علاقة بين مشاركة سعد في المؤتمرين وقرار الكونجرس الأمريكي بتعليق 10% من المساعدات السنوية لمصر إلى أن ينفذ مبارك وعوده الإنتخابية وفي مقدمتها استقلال القضاء والإفراج عن سجناء الرأي والضمير وإنهاء حالة الطوارئ، وقد أوضح سعد الدين إبراهيم أن هناك من ظن خطئًا أن الكونجرس فعل ذلك بإيعاز منه خاصة بعد أن كان سعد قد إلتقى الرئيس جورج بوش الأبن على هامش مؤتمر براغ، مؤكدًا أنه لا علاقة له بهذا القرار ولا الرئيس الأمريكي له هذا التأثير السريع على لجان الكونجرس الأمريكي.
وقال سعد إن للكونجرس الأمريكي قنواته الخاصة فيما يحدث في مصر وغيرها من البلدان المحورية.. فلكل عضو في الكونجرس مكتبًا فنيًا من الخبراء والباحثين الذين يقومون برحلات ميدانية الى هذه البلدان، كما أن وسائل الإعلام الوطنية والدولية وإفتتاحيات صحف مثل الواشنطون بوست والنيويورك تايمز لها تأثيرها الحاسم على أعضاء الكونجرس، ويكفي أن يعلم آل مبارك أن حبل الفهلوة الذي استخدموه لأكثر من ربع قرن قد تأكل تمامًا، ولا فكاك لهم إلا بالإصلاح الفعلي، فلهذا خيرًا لهم ولمصر وللعرب، أما إذا أراد آل مبارك أن يكابروا ويتحدوا أولياء نعمتهم في الغرب فعليهم أن يستغنوا عن المساعدات الخارجية بما فيها المعونة العسكرية (3و1 مليار دولار ) وهو بالمناسبة أمر ممكن تمامًا.
فبند الفساد في مصر يصل إلى ما بين خمسة وسبعة مليار دولا ر سنويًا طبقًا لبيانات منظمة الشفافية الدولية أي ثلاث أمثال حجم المعونة الأمريكية، أي أن سد باب الفساد وحده يمكن ان يغنينا عن المساعدات الغربية وما يصاحبها من مذلة للنخبة الحاكمة.
وكشف سعد الدين في مقاله بالكتاب على أن العلاقة بين آل مبارك وحكومة أمريكا هي أنهما شريكان غير متساويان، وأدت شراكتهما هذه إلى إستمرار الطغيان في مصر.
وأوضح سعد أنه كعادة كل الطغاة فإن آل مبارك وزبانيتهم في الأجهزة الأمنية أو عملائهم من رؤساء تحرير الصحف الحكومية والصفراء حينما تفرغ جعبتهم من وسائل التشهير تخوينًا وتكفيرًا وسبابًا فأنهم يلجأون إلى التنكيل والملاحقات الأمنية والتعذيب والمحاكمات الصورية.
واختتم سعد الدين إبراهيم نهاية مقالته بالكتاب بقوله ردًا على حملات التشهير وملاحقة الإصلاحيين "إن لجوء النظام الحاكم لابتزاز مواطنيه" بأسلحة الدين أو الجنس هو قاع الإنحطاطات، وأحد علامات الساعة، أي أن النهاية بالنسبة لآل مبارك قد اقتربت.
وفي مقال آخر هام بعنوان "هل اكتملت دائرة الحصار في مصر؟"، ويتحدث المقال عن الإستفتاءات التي جرت في مصر يوم 26/3/2007 والتي اجمعت الفضائيات العالمية والعربية أن نسبة المشاركة فيها كانت ضئيلة جدًا، لدرجة ان رصدت منظمات المجتمع المدني التي راقبت الاستفتاء ان نسبة المشاركين في الاستفتاء بلغت 2و6%، بينما استخلصت اللجنة المستقلة لدعم الديمقراطية والتي تضم 12 منظمة أهلية يتقدمها مركز بن خلدون ان المتوسط العام للمشاركة في الاستفتاء في عموم جمهورية مصر العربية لم يتجاوز 4%، وهو "سُدس" الرقم الرسمي الذي اعلنته الحكومة المصرية، وحتى على فرض صحة الرقم الحكومي (وهو ما لم يصدقه أحد داخل وخارج مصر) فإنه يعني أن ثلاثة أرباع المصريين المسجلين في الجداول الانتخابية لم يستجيبوا للحملة الدعائية الحكومية التي حثتهم على المشاركة في الاستفتاء، وبتعبير آخر فإن الأغلبية الساحقة 76% استجابت لدعوة القوى المعارضة بمقاطعة الاستفتاء. أي أن نظام آل مبارك الذي يحكم مصر منذ أكثر من ربع قرن لم يتمتع بأكثر من تأييد (ربع) المواطنين المصريين، أما في نظر قوى المعارضة فإن آل مبارك لا يتمتعون حتى بأربعة في المائة من أصوات المصريين.
ويضيف سعد الدين قائلاً: وربما لادراك آل مبارك بهذه الحقيقة المُرة هو ما دفع اجهزتهم الامنية بنصب حصار صارم على قلب القاهرة خلال اليومين السابقين على الاستفتاء واليوم التالي للاستفتاء وذلك لمنع أي تجمع للمواطنين الذين أرادوا التعبير عن رفضهم لما اعتبروه مهزلة أو مسرحية سياسية رديئة.
وكان نظام آل مبارك يريد بذلك الحصار أن ينكر على الشعب المصري حتى هذا الحق المتواضع من حقوق الإنسان الأساسية، وهو حق التعبير السلمي عن الرأي، فإن قوات الأمن قد فرضت عليهم طوقًا أمنيًا أشبه بالمصيدة ما بين المنطقة التي تمتد من شارع عدلي حيث نقابتي الصحفيين والمحامين وحتى ميداني طلعت حرب والتحرير، وقد استمر الحصار لست ساعات وكان ضمن من تم حصارهم مئات الأجانب من مراقبين وصحفيين وطلاب، الذين توافدوا على قلب القاهرة للتضامن مع النشطاء المصريين في اليوم المشهود (يوم الاستفتاء) أو المنكوب واتصل بعضهم بسفاراتهم لفك الحصار.
ويضيف سعد الدين قائلاً: وربما لسبب المقاطعة والاحتجاج على الاستفتاء اختار الرئيس المصري أن يلتقي بوزيرة الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس في أسوان بعيدًا عن العاصمة، وهو يعلم أن مئات الصحفيين سيكونون في صحبتها، ومع ذلك فإن وسائل الإعلام الدولية لم يفتها أن تغطي الحدث الاستفتاء ولم يفتها ان تخبر العالم الخارجي بطبيعة التعديلات الدستورية، حتى الخبر الأول لأكبر شبكة إعلامية وهي (سي إن إن) كان فحواه أن "استفتاء دستوريًا يجرى في مصر اليوم لزيادة السلطات الممنوحة للرئيس وللتمهيد لخلافة ابنه جمال لنفس المنصب من بعده"، كما لم يفت البيت الأبيض الأمريكي أن يصدر بيانًا ينوه فيه عن الفجوة الشاسعة بين ما أذاعته الحكومة المصرية وبين ما رصدته منظمات المجتمع المدني حول نتيجة الاستفتاء.
ويؤكد سعد الدين ابراهيم أن آل مبارك يحاولون بتعديلاتهم الدستورية أن يسدوا كل المنافذ والمسالك التي ممكن أن يتسرب منها أي منافسين حقيقيين لمرشحهم القادم لرئاسة الجمهورية، ويخيل إليهم أنهم نجحوا في ذلك بالشكل الذي صاغوا به التعديلات الدستورية.. فهم يريدون اغتصاب هذا المنصب لأجل غير مسمى وبل ادنى رقابة حقيقية على ما يفعلون، وهذا هو سر استماتتهم في رفض تعديل المادة 57 (التي تطيل سنوات شغل منصب رئيس الجمهورية)، وهذا هو أيضًا سبب استماتتهم في إبعاد الإشراف القضائي الحقيقي عن أي انتخابات أو استفتاءات قادمة، فقد ثبت لهم بما لا يقبل أي شك أن القضاة هم العقبة الحقيقية في طريق مخططات التوريث والتزوير.
كما انهى سعد الدين قوله في هذا الشأن: لذلك نقول، إن لآل مبارك أن يمكروا ما شاء لهم مكرًا، وأن يعدلوا من مواد الدستور ما شاءوا من تعديلات، ولكن الله والشعب لهم بالمرصاد، نعم، لقد زينت لهم اجهزتهم أنهم يستطيعون محاصرة الشعب المصري وتخيفه وأن تحاصر مصر كلها، وإن تتحدى قوانين التاريخ والاجتماع... ونقول أن 76% على الأقل من الشعب المصري قال لمبارك "لا" لن نشارك في هذه المسرحية العبثية.
فمن الذي يحاصر من؟ إن الله لشاهد والتاريخ.
عن غباء الدولة في التعامل مع حقوق الاقباط قال سعد الدين في مقال منشور بالكتاب بعنوان "الأقباط.. وغباء الدولة من الخانكة إلى بمها": ويتجلى غباء الدولة المصرية في أبشع صوره في تعاملها مع المواطنين الأقباط الذين هم أصل مصر والمصريين وهم ملح أرضها وعبق تاريخها، ولأن الدولة تتجاهل مطالبهم المشروعة ولا تستمع إلى استغاثاتهم، فقد انتقلت عدوى التجاهل والتعصب والتفرقة وسوء المعاملة من الدولة إلى مواطنين آخرين.
وعن حادث بمها قال سعد الدين: قاد شباب قرية بمها اعتداءًا على مسيحي قريتهم ونهبوا متاجرهم وأحرقوا منازلهم وروعوا نسائهم وأطفالهم بل واتهم عمدة القرية النصارى بأنهم كلاب سريدون خراب بمها.
وعن وضع الملف القبطي في يد الأمن قال سعد الدين: ولأن التعامل مع المسألة القبطية أوكل إلى جهاز أمن الدولة، فإن أمور هذا الملف قد تدهورت من سيئ إلى أسوأ، شأن ملف بدو سيناء وملف الطلبة والعمال وملف القضاة، لقد سلم آل مبارك رقابهم ورقاب الشعب المصري إلى هذا الجهاز المكروه والذي لا يهمه إلا اعتباراته وأمن النظام، أما عباد الله الصالحين في مصر المحروسة فلهم ربهم الذي خلقهم.
وأكد سعد الدين قائلاً: إن ملف الأقباط شأن ملف بدو سيناء وعمال مصر وعلى وشك التدويل، فحينما تصم آذان آل مبارك عن الاستماع لاستغاثات المقهورين داخل الحدود، فإنها تلتقط خارج الحدود من الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
إن غباء الدولة الذي ورد في عنوان هذا المقال هو أشارة للمسئولين الذين يتحكمون في مصائر الناس من أغلبيات وأقليات، ومن عمال وبدو وقضاه، ولا يقرأون ولا يسمعون ولا يتعظون -لا بعد المرة الأولى ولا بعد المرة السبعين-. ولا تجدي في حل هذه المشكلات مشاهد الصلح المفتعلة للمشايخ والقساوسة بينما جرائم التعصب والكراهية نتنتشر وتنهش في العقل المصري من خلال تعليمه المتردي وإعلامه الغبي ومباحثه الأكثر غباءًا. فلا حول ولا قوة إلا بالله.
إن هذه الكتاب الذي سردنا أهم المقالات الموجودة به يحتوي أيضًا على كثير من المقالات الهامة، التي تطرح قضايا مهمة تعاني منها الدولة المصرية، فهو كتاب جدير بالاقتناء.