بقلم: مينا نبيل
سيادة الرئيس، إني أناشدكَ لا بصفتي مسيحيًا، ولا بصفتي مصريًا، لكن بصفتي إنسان .. أناشدكَ رئيسًا وقائدًا، لكن قبل الكل إنسان.. لقد علَّمنا الكتاب المقدس أن نخضع لكل من هم في منصب "فاخضعوا لكل ترتيب بشري من أجل الرب. إن كان للملك فكمن هو فوق الكل" (1بط13:2)، بل وأن نطلب البركة والحكمة والازدياد في القامة من أجلهم "فأطلب أول كل شيء أن تُقام طلباتٌ وصلواتٌ وابتهالاتٌ وتشكراتٌ لأجل جميع الناس، لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار" (تيموثاوس الأولى 2: 2،1).
وأنا بدوري، وكجميع المسيحيين، أطلب دومًا مشيئة الرب لمصرنا، ولقائدنا الحكمة والبركة ومزيدًا من الاتزان ودوام الصحة.
قد يغضب من هذا المقال بعضٌ ممن يُحمِّلون النظام أو الحكومة مسؤولية ما حدث، لكني لستُ بصدد الدخول في قضايا سياسية، بل إني من الأساس لستُ معنيًا بالسياسة ولا أحبها، لكني ومن خلال متابعتي لشخصك، قد تكونت لديَّ انطباعاتٌ كثيرة عن الحس الإنساني بداخلك، وفقط أود أن أذكِّرك بما قلتَه يومًا، في أحد لقاءاتكَ مع أبنائكَ في القوات المسلحة، حين قلتَ: "إن حياة أي جندي مصري هي عِندكَ أغلى من أي شيء وهي فوق الجميع"، وأيضًا بما تذكرهُ دائمًا عن كم كلفتنا الحروب آلافًا من خيرة الشباب، وملياراتٍ كانت كفيلة بتغيير وضعنا على خريطة العالم، وأيضًا حين كنتَ مستاءً من عمليات التنكيل والسحل التي قام بها "الحماسيون" وكذلك إلقاء معارضيهم من أدوارٍ عالية، وأيضًا من خلال متابعتي، أعلم أن هناك حالاتٍ إنسانية، ذُكِر منا ما ذُكِر وكثيرٌ لم يُذكر، قد تدخلت فيها تدخلاً مباشرًا، فكم من حالاتٍ، وكم من مواقف، وكم من صعاب، وكم.. وكم.. وكم..
ومن هذا المنطلق، أناشدك، كشابٍ مِصري، ونحن أمامَ لحظاتٍ جدًا عصيبة من تاريخ مصرنا الرائعة الغالية على قلب الله، أن تتخذ موقفًا يُشعِر أقباط مِصرَ في شتى أنحاء العالم أنكَ معهم قلبًا وقالبًا بعد هذه المأساة، مثلما هم دومًا يطلبونَ لأجلكَ، وكما علَّمنا الإنجيل، الخيرَ والصحةَ والبركة،
لأنك عودتنا دائمًا على رباطة الجأش، ولن أنسى
مطلقًا رِِدة فعلك تجاه محاولة الاغتيال الآثمة في أديس أبابا، وكيف خرجت علينا قويًا غير مهتز، مواجهًا كل ما يُقابلك من أهوالٍ بحكمةٍ وعقلانيةٍ كبيرة.
سيادةَ الرئيس، نحن دومًا أقوياء بالرب، وفي الرب، وسيادتكم أمام فاجعةٍ ألمت بكل المصريين، والتاريخ لن ينسى أبدًا أي موقف حقيقي تتخذه حيال ما يحدث، وأعلمُ أن قلبَكَ مثلما هو لا يحتمل أن يرى مظلومًا، أو مُهانًا، لن يحتمل أن يسمع صرخة أمٍ ثكلى، ولا بكاءَ زوجةٍ شابة، أو حتى يحتمل مشهدَ صور القتلى، فما من إنسانٍ يحتمل أن يستحيل يوم التهنئة إلى يوم عزاء، أن يستحيل صوت ألعاب الأطفال النارية إلى صوت طلقاتٍ غادرة، أن تستحيل أحضان الأم الحانية لابنها إلى أحضان الوداع.
والله يعلم كم أن دموعي قد أعاقتني عن الكتابة، وكذا الكوابيسُ التي تلاحقني من هول المأساة .. وكلي ثقة ويقين أنكَ إنسانٌ حكيم، ولن تخذل مظلومًا، بصرف النظر عن ديانته..
مع خالص تقديري وعميق احترامي لسيادتكم..
وإني لأصرخ مع جميع المصريين المتألمين لبشاعة ما يحدث:
أبي السماوي .. بحقِ الربِ يسوع
بحقِ النارِ التي بينَ الضلوع
بحقِ الأمهاتِ الثكلى وهذي الدموع
فِض بروحِ الأمان علينا
إنَّا لا نملِكُ غيرَ الخشوع
أمامَك يا من شفيتَ المرضى وأقمتَ الموتى
وطيَّبتَ الألمَ وأشبعتَ الجموع
أنتَ صخرُ حمايتنا وأنتَ
القوةُ والشِبعُ لمنْ يَجوع
أنتَ من ضمَّدتَ الجروحَ وأنتَ
ذو الجلالِ فوقَ جميعِ الربوع
سيدي: رائحةُ الدماءِ تضوع
من أركانِ البلادِ وأنحاءِ النجوع
فعزاءً وسلامًا نطلبُ مِنكَ
ووعدُكَ أن نحيا برأسٍ مرفوع