الكاتب : مايكل ماهر عزيز

لا أحد يمتلك الحقيقة كاملة فالكل يسعي لمعرفة تلك الحقيقة ، والحقيقة هي أن يعرف المرء منا ما هو طريق الحق وما هو طريق الباطل ، فبأي طريق نسلك تجاهه ؟ وبأي إتجاه قد نسير عليه ؟ - علامات إستفاهم كثيرة تدور في أذهاننا عن ماضينا ، عن حاضرنا ، عن مستقبلنا ، علامات الاستفاهم تلك قد نجد إجابة عليها عبر تأملات الماضي وما حدث فيه ، فعندما تدور السنين وتمر الايام يري المرء فينا نتائج تلك السنين وتجاربها حينها سنشعر داخل أعماقنا أننا أصبحنا ناضجين فكرياً وروحياً ، مؤهلين في مواجهة الواقع بكل شجاعة وجسارة ، حينها سندرك في أي إتجاه نسير ومن خلال هذا الاتجاه سنعلم إلي أي طريق نحن ذاهبون - هل نحن ذاهبون إلي طريق الحق أم نسير في طريق الباطل ، فلو كان اتجاه بوصلتنا يسير نحو طريق الحق - إذن نحن في الاتجاة الصحيح ، ولو كنا نسير في الطريق الخطأ فأعلمو جيدا إننا نسير في الباطل . فما بين الحق والباطل ندرك الحقيقة الكاملة التي يسعي لها الجميع .
 
أقول هذا لاننا جميعا نحتاج إلي مراجعات فكرية وفي امس الحاجة أن نواجه أنفسنا بإخطائنا ومميزاتنا ، بعيوبنا وحسناتنا بحلونا وبمرنا ، بماضينا وبمستقبلنا  ، بحاضرنا وواقعنا ، كل هذا سيترتب عليه تحديد مسار حياتنا فيما بعد ، فليس عيباً أن نعترف اننا أخطاءنا وفقدنا الطريق الصحيح ولكن الكارثة هو أن نسلك الاتجاة الخاطئ ونسير في طريق الخطر المليئ بالمخاطر والوعرات ، وهذا  الحديث ينطبق علي الاستاذ / ثروت الخرباوي  المحامي المنشق عن جماعة الاخوان المسلمين الذي أخرج لنا من خلال تجربته الانسانية مع جماعة الاخوان المسلمين عصارة أفكاره الشخصية وأخرج لنا كتاب " سر المعبد " - المعبد الذي يضم داخل جدرانه كهنته الوهميين الذين حوطوا أنفسهم بهالة من القداسة تعصمهم من الخطأ والمساءلة .
 
في كتابه " سر المعبد " تناول الاستاذ / ثروت الخرباوي عن حياته داخل جماعة الاخوان المسلمين واصفا إياها بأنها عبودية التنظيمات الحديدية التي تكبل الافراد في سلسلة بشرية طويلة أشبه ما تكون بسلسلة العبيد التي كانت تُحمل إلي أمريكا من بداية القرن السادس عشر ، ويضيف مكملاً : " تحكي أسطورتي أنه ذات يوم منذ زمن بعيد تسربت روحي فدخلتٌ جماعة الاخوان ، وذات زمن آخر تسربت روحي فخرجتُ من تنظيم الاخوان ، وبين الزمن والزمن كانت لي أيام أبحث فيها عن الكنز الاسطوري ، وكلما ظننت أنني اقتربت منه وجدته قد أبتعد عني بمقدار ما اقتربت منه ، تحكي أسطورتي أنني وأنا أبحث عن الكنز صرتُ من الاخوان .. وصار الاخوان مني .. وفي الاخوان نزفتُ نفسي .. وللاخوان سكبتُ نفسي  .. وفي الاخوان نسيتُ نفسي .. فتلاشيتُ .. كقطرت ماء تبخرت . وحين يوم وقعت قطرة الماء من السحابة .. فتألمت .. ومن ألمها ستنبت شجرة الكنز " .
 
بهذه الكلمات المعبرة تحدث الاستاذ / ثروت الخرباوي عن تجربته مع الجماعة السرية .. الجماعة  التي أحبها من كل قلبه ، ودخلت إلي أعماق وجدانه ، ولكن بعد سنوات من مراجعته الذاتية ترائي له إنحراف تلك الجماعة عن مسارها الصحيح ، وبعد سنوات من معايشته تلك أدرك أن الاخوان ما هم إلا جماعة فاشية أبتعدت عن خط سيرها وفقدت بوصلتها الحقيقية وهي الدعوة الاسلامية وإنتهي سر هذا المعبد بسقوط المعبد بمن عليه - سقط المعبد أولاً علي روؤس كهنته وسقط ثانيا علي روؤس أتباعها ، وأنتهي يهم الامر جميعا  بدخولهم داخل أسوار السجون  .
 
يعتقد الكثير من الباحثين والنشطاء السياسيين علي الساحة المصرية بأن جماعة الاخوان المسلمين هي جماعة وسطية تتبني إسلاماً معتدلاً ، فأصحاب تلك الرؤية يروجون لتلك الاحاديث إما عن عدم معرفة أو إما عن ترويج  لفكر هذه الجماعة ، والمتعمق في دراسة الجماعات الاسلامية يدرك جيداً أن الاخوان جماعة فاشية تعتنق العنف في أدبياتها الفكرية مثل نظرائها بالجماعات التكفيرية ولا يختلفون  عنهم بتكفير المجتمعات وإرهاب المتعايشين معهم . والقارئ لكتاب " سر المعبد " يستطيع التأكد من أن تنظيم الاخوان المسلمين هو فرع من أفرع السلفية الوهابية وقد ولدت هذة الجماعة من رحم الفكر الوهابي عام 1928 وعضض الاستاذ ثروت هذا الطرح في كتابه عندما ذكر أن الاستاذ حسن البنا مؤسس " الاخوان المسلمين " قد تأثر كثيراً بإنتصارات الامير عبد العزيز أل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والذي رأي البنا ان ما فعله أل سعود هو عمل يحتذي به في إقامة مشروع الخلافة الاسلامية من جديد والتي إنهارت في عصره عام 1923 علي يد مصطفي كمال أتاتورك منشئ الدولة التركية الحديثة .
 
نري هنا أن فكرة الاخوان المسلمين بمصر قد بدأت عندما علم حسن البنا بقيام الامير عبد العزيز بتأسيس جيش يدعي بإسم جيش " الاخوان " لدحر جيوش عدوه " أل رشيد " أحد أمراء حائل ، ثم توج عبد العزيز أل سعود إنتصاراته بهزيمة الشريف حسين ، ثم قام جيشه المسمي بالاخوان بشن هجوم علي شرق الاردن لإثبات أن الامور دانت لعبد العزيز ثم ها هو في طريقه إلي توحيد الجزيرة العربية تحت أسم " المملكة العربية السعودية " .
 
تعرف الشاب حسن البنا من خلال الاخبار التي كانت تأتي محمولة عن بُعد علي فكرة أل سعود ومساندة " الاخوان الوهابية " له وإطلع  علي نظام هذا الجيش وتاريخه وشعاره ، فكان حلمه أن يكون هو قائد هذا الجيش الذي سيقود الامة إلي إستعادة الخلافة مرة أخري ثم الوصول بها إلي أستاذية العالم علي حسب قوله ، ولم لا ؟ وعبد العزيز أل سعود لم يصل للحكم إلا من خلال الاخوان الوهابية ؟؟ كان يتساءل الشاب حسن البنا تلك التساؤلات فيما بينه ولسان حاله يقول أتجهل مصر جماعة مثل جيش الاخوان في السعودية  ؟ ألا بُعداً لمـصر إن لم تقف معي وإن لم يكن لي فيها جماعة كجيش الاخوان الوهابي ؟؟ .. كان هذا لسان حسن البنا وهو يخطو خطوته الاولي في محافظة الاسماعيلية مسقط رأسه عندما كان مدرساً للخط العربي .
 
إبتدأ الشاب حسن البنا أولي خطواته لإنشاء جماعته الخاصة في بلدته الاسماعيلية وقام بدعوة الناس في المقاهي العامة ووقف متكئاً علي أحد المقاعد يخطب الناس خطاباً دينياً بسيطاً وأستمر علي ذلك أياما حتي أشتهر أمره بين الناس وتحدث الجميع عن ذلك الشاب النشيط ومدرس الخط العربي الذي يعظهم في المقاهي ، ومن المقاهي الي المساجد الصغيرة كان مراحه ومغداه ، وبعد أيام معدودات نجح حسن البنا في أن يجمع حوله عدداً من رجال الاسماعيلية من أصحاب الحرف البسيطة ، وظل يتزاور معهم ويبث فيهم خواطره الايمانية لفترات كثيرة ، ثم أن الاوان لتكون هذه هي البذرة الاولي لتأسيس الجماعة ... لقد كان الاقتراح اقتراحه وكانت الفكرة فكرته ، فقال البنا للجمع المحيط به : " لما أيها الاخوة لا ننشئ جمعية لنا ؟ فلتكن جمعية الاخوان المسلمين ، استقبل الجمع الذي معه اقتراحه باستحسان فهو يعد قائدهم وهم رجاله .
 
فكان عام 1928 هو عام التأسيس الرسمي لجمعية الاخوان المسلمين ... كان كل غرض تلك الجمعية هو الدعوة لله ، والدعوة فقط ، وكان داعيتها هو الشاب حسن البنا ، ولإن كل جميعة لها شعاراً يرمز إلي أهدافها ، لذلك يجب أن تكون الجمعية حركة والحركة جيشاً لا مدرسة والجيش هنا يلزمه السلاح ، والسلاح في فترة الاستضعاف يكون شعاراً ، لذلك جعل الشاب حسن البنا من السيفين شعاراً للجماعة الجديدة، ولكن يجب أيضا أن تكون للفكرة وجود في هذا الشعار ، لذلك وضع المصحف بين السيفين وكتب كلمة قرآنية هي : " واعدوا " وأصبح هنا حسن البنا هو الفكر وهو الامام .. هو القائد والمرشد وصاحب الدعوة فهو كان يري نفسه الخليفة المنتظر ، فهو الرجل الذي اختلط بفكرته ، واختلطت فكرته به ، فحسن البنا قام بتحويل الفكر السلفي الوهابي وشعار جيش " الاخوان " الوهابي والذي كان أنذاك : "  السيفين وكلمة الله اكبر ولله الحمد " حول ذلك الشعار وهذا الجيش الوهابي إلي جماعة إسلامية علي الطريقة المصرية بصورة حديثة تتناسب مع العقلية المصرية وقتها ، ففكرته الاصلية كانت تقوم علي إعادة روح الخلافة الاسلامية من جديد فكان يري في نفسه إنه قائد هذه الفكرة وكان يحلم بأن يكون قائد جيش الاخوان مثلما فعل عبد العزيز أل سعود ولكن الفرق بين أل سعود وحسن البنا - إن الاول لم يخلط نفسه بالفكرة لكنه أستخدم الفكرة لتوحيد أرض شاسعة مفككة ونجحت فكرته في إنشاء دولة وكيان مستمر لحتي يومنا هذا ،  ولكن الثاني " البنا " وجد نفسه انه هو الفكرة !! وهنا كان يفترض أن يسأل  البنا نفسه هل يمكن لفكرته أن تنشأ دولة داخل دولة بالاساس ؟!!