بقلم: ميرفت عياد
تابعت بقلب يعتصر من الألم والحزن الأحداث الطائفية الدامية التي حدثت يوم السادس من يناير أي ليلة عيد الميلاد المجيد، حيث تم إطلاق النارعلى مواطنين مصريين أبرياء أثناء احتفالهم بالعيد بنجع حمادي، وأودت هذه الطلقات بحياة سبع مواطنين أبرياء دون أي ذنب اقترفوه، وتابعت أيضًا التغطيات الصحفية المستفذة التي قامت بها الصحف المصرية على جميع أنواعها حيث قامت بنشر رسائل تحريضية وموضوعات غير موثقة ولغة سجالية عنيفة وعناوين ملتهبة وصياغات تفتقر إلى روح المسئولية الوطنية في قضايا الشأن الديني والعلاقات الإسلامية المسيحية.

وفي أثناء متابعتي راودني سؤال هو: هل يمكن للمسلمين والمسيحيين أن يعيشوا في سلام مع بعضهم البعض في بلادنا؟

ولعل هذا السؤال ذكرني بالفيلم الوثائقي الذي أنتجته إحدى المؤسسات البريطانية ويحمل عنوان «القس والإمام»، وهذا الفيلم يرصد حالة صراع طائفي حدثت في نيجيريا تحولت في وقت لاحق إلى سلام، وهو من إنتاج وإخراج آلان تشانر وعماد كرم، ومدته لا تتجاوز 40 دقيقة.
ويقدم الفيلم نموذجًا راقيًا عن كيفية صنع السلام في بلد عانى أهله من حرب طائفية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى. فالفيلم يعرض لشهادة الإمام محمد اشافا والقس جيمس ويي اللذين جاهدا في سبيل إنهاء النزاع وإرساء المصالحة في وطنهما نيجيريا، عبر تأسيسهما معا "مركز الوساطة الدينية الاسلامية المسيحية".

الميليشيات الإسلامية المسيحية
واللافت أن الإمام والقس توصلاً إلى هذه القناعة بضرورة صنع السلام بعد أن انخرط أحدهما في الميليشيات الإسلامية والآخر في الميليشيات المسيحية وتقاتلا في معسكرين متقابلين، وبعد أن فقد القس ذراعه في إحدى المعارك وبعد ان سقط من أقارب الإمام بعض أهله ومعلمه الديني.

ويستلهم الإمام والقس في حديثيهما الآيات القرآنية والإنجيلية التي تحث المؤمنين على السعي إلى السلام وكره البغضاء ونبذ العنف وقبول التنوع الديني في المجتمعات المختلطة. لذلك تراهما ينتقيان النصوص الدينية المنفتحة التي تدعو إلى الحوار والتسامح والغفران والاحترام المتبادل. فالإمام يذكر الآية القرآنية: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة وكأنه ولي حميم" (سورة فصلت)، أما القس فيذكر أن المرء لا يمكنه أن يكون مسيحيًا إلا إذا صار على مثال المسيح "أمير السلام".

التجربة النيجيرية.. تجربة رائدة
ويميز هذه التجربة النيجيرية ويجعلها رائدة هو اعتذار الفئة الجانية بلسان قائدها من أهالي الضحايا، وقبول ذوي الضحايا هذا الاعتذار. فلم يكن اعتذارًا خطابيًا ولا إنشائيًا ولا تبريريًا، بل اعتذار شجاع وتوبة حقيقية مترافقان مع قصد قوي وعزم لا يتزعزع ببناء مستقبل أفضل لن يشهد ما شهده الماضي من مآس وويلات.

أما ذروة الفيلم، في رأيي فتكمن في اعتذار رجال الدين -واعتذار هؤلاء مستحيل عندنا-، لتسببهم بإذكاء نار الفتنة الطائفية عبر خطبهم التي حرضت على العنف. ولم يغفل الفيلم التذكير بأن الدين لا علاقة له بما جرى، وهذا صحيح لأن رجال الدين يستطيعون أن يأخذوا الدين بالوجه الذي يريدونه من أقصى الانفتاح إلى اقصى التشدد والتطرف.

رسالة للتعايش
كما ختم الشيخ محمد أشافه المشهد الأخير للفيلم الوثائقي بقوله: «رغم إيماني الكامل بمبادئ ديني التي لن أتنازل عنها على الإطلاق ورغم اختلافنا، إلا أنني أهب حياتي وأضحي بها دفاعًا عن كرامة أخي القس جيمس». وهو بهذه العبارة يحمل رسالة للتعايش تؤكد على أن المسلمين والمسيحيين يمكن أن يعيشوا في سلام مع بعضهم وأن يدخلوا الجنة التي يحلمون بها.

وإني أرسل هذا الفيلم إلى كل مكان يشهد صراعات طائفية وإلى جميع العقول المتشدة والمتعصبة، لعل مشاهدة تلك الأحداث تخلق في قلوبهم رغبة في الحياة بسلام جنبًا إلى جنب مهما اختلفت معتقداتهم الدينية، لأن السلام هو الشيء الوحيد القادر على وقف نزيف دماء الأبرياء.