بقلم: ميرفت عياد
مؤرخ كبير عاصر الحملة الفرنسية على مصر، ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، حيث يُعد مرجعًا أساسيًا لتلك الفترة الهامة، كما اتسم بالوعي القومي والموضوعية في تتبعه لتلك الفترة الهامة من تاريخ مصر والوطن العربي.
الجبرتيوُلد عبدالرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي بالقاهرة سنة 1756، وقد جاءت أسرته من قرية جبرت قرب ميناء زيلع على البحر الأحمر -وهي منطقة كانت تابعة لنجاشي الحبشة وعرفت بالتقوى البالغة لسكانها-، وفي نهاية القرن السادس عشر الميلادي هاجر جده السابع ليصبح شيخًا لرواق الجبرتية بالأزهر الشريف، وهو منصب كان ينتقل في ذلك الوقت من الأب إلى الابن، ولقد كان معلم عبدالرحمن الجبرتي الأول هو والده حسن الدين برهان الذي كان مرجعه الأول في تعلم الحساب وعلم الفلك والتقويم وغيرهم من العلوم.
عاصر عبد الرحمن الجبرتي فترة انحلال النظام العثماني ومحاولات المماليك التمرد على النظام العثماني، وكذلك عاصر مجيء الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت سنة 1798، كما عاصر تولي محمد على باشا حكم مصر لتبدأ مرحلة جديدة من تاريخ مصر لعل أهمها التغييرات العديدة التي حدثت في البناء الاقتصادي والاجتماعي لمصر، حيث أخذ على عاتقه تدوين نقاط التحول المهمة في تاريخ مصر الحديث.

الجبرتي... وحقوق الإنسان
وتكمن قيمة الجبرتي في كونه شديد الملاحظة لكل الأحداث التي حدثت في مصر اثناء فترة حكم المماليك والعثمانيين، وأيضًا سنوات الحملة الفرنسية ، وألقى الضوء على أحرج فترة في تاريخ مصر والتي فيها تأسست قواعد كثيرة من الفكر المصري وأوجه متعددة من الشخصية المصرية.
كان الجبرتي شاهدًا على عصور الظلم والاضطهاد التي مورست من المماليك والعثمانيين والقادة الفرنسيين فكان مدافعًا عن حقوق الإنسان والحريات الجوهرية ومن هنا تتضح الخلافات بينه وبين محمد علي باشا. ففي الوقت الذي كان محمد على مهتمًا بفكرة تأسيس دولة عصرية وقوية بالإضافة إلى المشروعات العملاقة إلا أنه كان لا يبالي بالمصريين الذين يقومون بتنفيذ تلك المشروعات كبشر فلجأ إلى استخدام مبدأ الأشغال الشاقة لإجبار المصريين على العمل تحت الظروف القاسية، فيما كان الجبرتي يؤمن بغياب العدالة في الدولة التي فقدت صوابها وأن المشروعات لا قيمة لها لو ضاعت إنسانية البشر.

عجائب الآثار في التراجم والأخبار
لم يكن الجبرتي من نوعية المؤرخين الذين يحرصون على إرضاء الوالي لكنه كان من مدوني الأحداث بدقة وبأمانه دون أن يخاف القائد، لذلك بعد وفاته في عام 1825أمر محمد على بان يتم حرق مكتبته وأمهات كتبه ومؤلفاته.
والجدير بالذكر ان الجبرتي قام بعمل سجلات دقيقة للوقت والصلوات ورؤية هلال شهري رمضان وشوال بحكم خبرته الفلكية التي اكتسبها من والده، كما كانت لأعماله الدور الفعال في إعطاء معلومات دقيقة عن تاريخنا الحديث وأرست الوسائل التاريخية التي اتبعها المؤرخون التابعون فيما بعد.
وقد ترك لنا عبدالرحمن الجبرتي مؤلفين هامين الأول هو "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، وهو مؤلف من أربع مجلدات تمتد من عام 1688 وحتى عام 1821، أرخ فيه لتاريخ مصر العام والخاص في ذلك الوقت، أما المؤلف الثاني فهو "مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس" ويغطي فترة الاحتلال الفرنسي لمصر من عام 1798 وحتى عام 1800 .

الجبرتي.. وطوابع البريد
ذكر المؤرخون الغربيون الجبرتي بأنه "هيرودوت مصر" لأن كتاباته كانت المرجع الرئيسي لتاريخ القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وقال أيضا عنه الصحفي نيومان عاشور: "إن الجبرتي أرخ الحياة اليومية الحقيقية في مصر، وإن الأحداث التي قام بتغطيتها تحتاج إلى العديد من الصحف اليومية حتى نستطيع نشرها".
وقال عنه الكاتب والصحفي شكري القاضي: "إن الجبرتي كان حي الضمير، ومتفتح العقل ومؤرخًا مضطهدًا، وكان أسلوبه يجمع بين الوضوح والدقة وفى نفس الوقت سلاسة التعبير".
في عام 1973 كرمته الدولة عندما أصدرت طوابع للبريد تحمل اسمه وصورة له أثناء الاحتفال بثورة 23 يوليو. في عام 1980 نُشر عنه كتاب في فرنسا باسم "يوميات الجبرتي في مصر أثناء الحملة الفرنسية".