بقلم: لبنى حسن
من يتأمل الخلق و طريقة تكون الأجنة, و يتابع مراحل النمو و يرى التعقيد في الجسم البشرى, و كم الأعضاء به و دقتها و تناغمها في العمل, بل و استمرارها سنوات طويلة, ثم يتأمل الكون بكل ما فيه من تنوع, و مخلوقات, و نبات و ليل و نهار, و برودة و حرارة و أمطار و رياح, و ماء و صحراء, و يظل غير معتقد في وجود الله فهو حالة تستحق الدراسة و البحث و التحليل بل و الـتأمل الدقيق, خاصة و أن وجود هذا الشخص نفسه يعتبر معجزة إلهية.
و لكن الشخص الذي يعتقد انه هو نفسه الله ليحكم على البشر و يحدد بكل بثقة أن هذا يدخل الجنة و ذاك له النار, و هذا مؤمن و هذا غير مؤمن, و هذا دينه كامل أو صحيح بينما هذا إيمانه ناقص و في ضلال مبين فهو المجنون الرسمي. و جنونه هذا يدفعه للتسلط على البشر و التعالي في عصبية وتطفل فهو لا يعتقد انه مجرد إنسان مثل الآخرين عليه أن يعتقد أو يفعل ما يراه و يترك للآخرين نفس المساحة دون أن ينصب نفسه قاضيا, و لا مفتشا في ضمائرهم و نواياهم لأن هذا ليس دوره, و هو ليس أعلى شئننا من الآخرين فللجميع رب يحكم بينهم و إليه يرجعون.
تلك شخصيات دائما متشنجة و متسرعة في ردود أفعالها تتصف بالعنف و العصبية و تميل للثورية. أنها تدمن التسلط و تسعي لفرض وصاية على الآخرين و تطاردهم حيث تدعى في عناد أنها تحتكر الحقيقة المطلقة, و الطريق الأوحد للهداية فهي الوكيل الحصري للإيمان, و قررت أنها الوحيدة التي تعرف الدين كما يجب أن يكون, و من يتفق معها من السابقين أو الحاليين أو اللاحقين هم فقط المؤمنون و تبا للآخرين حتى و إن كانوا من نفس الملة أو الدين فما بالنا بالمختلفين؟!
أنها شخصيات تظن أنها فوق البشر, بل تنصب نفسها بدلا من خالق هذا الكون أو على الأقل تدعي أنها مفوضة ألهيا بصك صريح و موثق, فتتبنى من تلقاء نفسها فرض رؤيتها و وصايتها, و تمارس تسلطها على الجميع فإما يتبعوها طواعية أو إجبارا و إلا فلا مكان لهم على أرض الله الواسعة.هكذا تفكر تلك الشخصيات و تقرر و تنفذ أيضا, فهي الخصم و الحكم و الجلاد. و قد لا تشعر تلك الشخصيات أنها بهذا السلوك بمثابة من يدعي الألوهية و يصدر نفسه على انه المانح و المانع فيما يعد تعدي صارخ على صفة من صفات الخالق الحكم العدل, وتلك غالبا هي بداية كل متطرف يسيء للأديان بل و للبشرية جمعاء بسلوكه التسلطي سواء كان لفظي أو مادي.
لقد انتشرت تلك الأنماط البشرية فأينما وليتم وجوهكم تصطدموا بمتسلط لا شاغل له في الحياة سوى توجيه البشر عنوه و فرض ما يريد بالقوة المتاحة له, و التي تتنوع حسب إمكانياته و درجة تسلطه و قد تصل لحمل السلاح ضد المجتمع. تلك النماذج هي المحرك الأساسي للاحتقانات الطائفية فهي فغالبا شخصيات تحاول فرض نفسها على الأخر الذي تروج لاختلافها معه بينما تتباعه عن كسب و تصر على التسلط عليه فتنشغل به أكثر من انشغالها بنفسها, تماما كما تجد بعض مدعي التدين يصفون لك مشاهد الفيديو كليبات العارية بدقة متناهية و يسردوا حتى التفاصيل البسيطة في صورة مهاجمه, و لكنها تنم عن متابعه دقيقة مستمرة و شاملة بل و متكررة لما يدعون أنه يثير حفيظتهم.
إن تلك الممارسات التسلطية على البشر تدل على نكرانهم لقدرات الله فهم لا يعتقدون أن لو شاء ربك لجعل العالم أمه واحدة من نفس الدين و الجنسية و اللون و الشكل و لكن لله -جلا علاه -حكمه في الاختلاف و لكنهم لا يعقلون و لا يتدبرون فكيف نتوقع منهم أن يفكرون؟ لقد سلطت عليهم أنفسهم و هم بها مغرمون. تلك الشخصيات التسلطية لا تدرك أن الحل لحالة الصراع الدائمة التي تعيشها مع الآخر في غاية البساطة تتمثل في أن تترك الملك للمالك و أن تكرس جهودها في أن تضرب هي بسلوكها المثل, فالفعل يغنى عن الكلام ألف عام.
إن هؤلاء هم الخطر الحقيقي على الدين و البشرية بما يمثلوا من اعتداء على حق الله في الحكم على البشر, و بما تسببوا فيه من أساءه و مشكلات و خسائر للآخرين, و تشويه لصورة الدين السمحة. لذا فعلينا أن ننتبه لأن المتسلطون قادمون و يتكاثرون, و إن لم يتدارك المجتمع بمثقفيه و رجال الدين و يبادروا بترويج ثقافة التعددية الفكرية و قبول الآخر فإننا مقبلين على كارثة لا محال.
المؤمن الحقيقي بمعتقده هو من يشعر بالثقة و الرضي و السلام و التصالح مع نفسه و مع الآخرين, و يكرس طاقاته و وقته لتطوير ذاته و خدمة مجتمعه, لا لتدميره أو التسلط على المختلف بدعوى احتكار نشر الفضيلة لان رب العالمين قادر على حماية كلمته و نشرها و هداية من يريد, و قادر على محاسبه الجميع و هو الحكم العادل و حاشا لله أن يكون في حاجة لمساعدة من بشر ضعيف.هؤلاء البشر الذين يثيروا الفتن و الأحقاد الطائفية أو يسببوا الضرر المادي أو المعنوي للآخرين هم من يتسببوا في أبلغ أساءه لكلمة الله و انتشارهم أدى إلى ازدياد العنف المجتمعي و ليس فقط الطائفي. لقد أدى إلى حدوث انقسامات بين أبناء الشعب الواحد و ربما الدين الواحد حيث تنتقل عدوى التسلط على الآخر المختلف في الدين إلى الأخر المختلف في الرؤية الدينية و هو ما تسبب في سلسلة من الاغتيالات و العمليات الإرهابية كما التي تحدث في العراق.
تلك الشخصيات في الغالب متناقضة فهي ضعيفة جدا من الداخل, و هشة مسطحة الفكر, ضعيفة المنطق تثور و تتشنج سريعا. أنها أنماط سريعة الاشتعال لا تنظر للأمور سوى من زاوية واحدة ضيقة و غرورها الأحمق يصور لها أنها الحق نفسه, و لكن عنادها دائما مدفوع بإحساس قاتل بالدونية و النقص. و كلما زاد شعورها بتضاؤل حجمها و منطقها و قلة تأثيرها كلما ازداد تشنجها و عنفها تجاه الآخر في محاولة لإثبات الذات المفقودة و بالتالي تلك نماذج لا تستحق منا الهجوم, و لا حتى الحوار بل الردع بالقانون, و ربما العلاج لدى أهل التخصص من الأطباء النفسيين ربما من الله عليهم بالراحة و الرضي بكونهم بشر و ليسوا آلهة.
Lobna_hassan88@yahoo.com