بقلم: أيمن عبد الرسول
سيدي فخامة الرئيس:
شجعتني كلمة سيادتكم في عيد العلم حول الفتنة الطائفية وواجب المثقفين تجاهها، والتي جاءت في التوقيت المناسب تمامًا لتضع حدًّا للنداءات القبطية والإسلامية المعتدلة والوطنية التي تخاف على مستقبل مصر من خطر الفتنة التي ستأتي على الأخضر واليابس ولن تميز في سيرها بين مسلم سني أو شيعي، أو قبطي أرثوذوكسي وآخر كاثوليكي، تلك الفتنة التي يطالبنا السيد الرئيس بحصارها هي التي يعبث بنارها الجميع دون وعي بخطورة اللعب بالنار على أرض الوطن، وكلما حاول أحدنا مناقشتها ومحاولة حل ألغازها العصية على الفهم، تواجهه الاتهامات من الجانبين على حد سواء.
والحقيقة أن مشروعًا علمانيًّا واضحًا نحن بحاجة ماسة إليه الآن للحد من الاستخدام الطائفي المقيت والذي يتساوى فيه الأقباط المتطرفون مع المسلمين المتعصبين ويبقى الفارق بينهما في الدرجة لا النوع!!
سيدي الرئيس:
أعرف أن هذا المشروع لن ترضى عنه المؤسسة السياسية الحريصة على تنقية مسودات دراساتها ومقالات كتابها من مفردات العلمانية والتنوير، والحرص على عدم إغضاب العامة بذكر مثل هذه المصطلحات بينما المؤسسة السياسية تستخدم التطبيقات العلمانية في كل شئونها، ولكن علينا عمل تلك المحاولة الآن لأن الفتنة لم ولن تنام على فراش الوطن، وعلى الذين يوقظونها البحث لها عن مخرج من بوابات هذا البلد الآمن وأن يخرجوا معها، فمن الطبيعي أن نوقظ الفتنة لإخراجها لا التكسب منها على حساب مصر.
لن نزايد على أحد باب الدفاع عن مصر المدنية العلمانية مفتوح للجميع، ونؤكد أنها مدنية لا إسلامية ولا قبطية ولا مكان فيها للنعرات التي تنادي بقبطية مصر وإثارة الفتن بإسلاميتها، رغم اعتراف الدستور بدين الدولة الرسمي وسنتناول خلال السطور القليلة القادمة بعض ملامح هذا المشروع ونقدم دعوة مفتوحة للحوار حول هذه الملامح لإثراء وإنضاج هذا المشروع وليكن شعاره "الله ليس ملكًا لأحد ومصر ملك للمصريين".
ونطرح بين يدي فخامة السيد الرئيس التصور الآتي:
1- مصر دولة مدنية دستورية علمانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو المصدر الرئيس للتشريع.
2- إقرار قانون بناء دور العبادة الموحد مع إزالة تعديات دور العبادة على أراضي الدولة.
3- المؤسسات الدينية (إسلامية ومسيحية) مؤسسات ذات طابع روحي لا سلطان لها على أتباعها إلا في المسائل العقائدية ولا تتدخل في السياسة سلبًا أو إيجابًا وتنظم عملها قوانين الدولة بما يضمن حيادها بشكل دستوري وعلى المواطن اختيار عقيدته بشكل فردي وعلى مسئوليته الشخصية.
4- تجريم كل دعوة أو نعرة طائفية خارج دور العبادة وعلى المؤسسات الدينية مراعاة السلم الاجتماعي وضمانات عدم التداخل في الشئون القانونية أو العمل السياسي العام، وعلى المواطنين الالتزام بعدم حمل الشارات الدينية الدالة على الهوية الطائفية في المحيط الاجتماعي العام.
5- حرية العقيدة مكفولة للجميع وحرية ممارسة الشعائر داخل دور العبادة وأي استعراض خارج المساحات المخصصة للممارسة العقائدية يعتبر مخالفة يعاقب عليها القانون.
6- توضيح الحدود الفاصلة بين حرية العقيدة والدعوة وبين ازدراء عقائد الآخرين أو السخرية منها والتعرض لها بما يجرح الشعور الديني للمواطنين.
7- تنقية مقررات مناهج التعليم من المواد ذات الطابع الطائفي وإقرار مادة مخصصة للأخلاق بدلاً من مواد التربية الدينية (مسيحية أو إسلامية).
8- تفعيل القانون بشكل كامل على جميع المواطنين بما يضمن المساواة الكاملة أمام قنوات التقاضي الرسمية.
9- حذف خانة الديانة من الهويات الشخصية للمواطنين لكونها تشكل نوعًا من التمييز الديني بين مواطني الدولة وعمل هويات شخصية خاصة بالمواطنين المنتمين إلى المؤسسات الدينية تمامًا كالمستخدمة في النوادي!!
10- تفعيل الإعلام الخاضع لمؤسسات الدولة فيما يخص نشر الوعي الوطني بديلاً عن الوعي الطائفي، وعدم تدخل الدولة في الاحتفالات الدينية إلا بمشاركة رمزية في أعياد كل الطوائف وعدم عرض هذه الاحتفالات بفرد مساحات لها في الإعلام وإنما يتم الإعلان عنها عرضًا في نشرات الأخبار ووسائل الإعلام العامة.
11- عدم منح الإصدارات والقنوات ذات الطابع الديني تراخيص مزاولة النشاط إلا بعد التأكد من التزام القائمين عليها من مراعاة القوانين والشروط العامة المطابقة للدستور بشكله المدني العلماني وفي حالة المخالفة تغلق فورًا ويتم سحب ترخيص المزاولة.
12- سحب أية صلاحيات ذات طابع تعبوي جماهيري من يد المؤسسات الدينية للدولة.
13- تفعيل دور الدولة في الحد من النزاعات ذات الطابع الطائفي وتطبيق القانون فيما يخص مثل هذه الاحتقانات وسرعة البت فيها أمام القضاء المدني.
14- تبقى إشكاليات القوانين الشخصية كالزواج والطلاق والمواريث وخلافه ويمكن وضع قوانين مدنية موحدة بعيدًا عن المرجعيات الدينية لكل طائفة، وللمواطن حق الاختيار بين الاحتكام لهذه القوانين أو الاحتكام إلى قوانين طائفته ودينه.
15- سيدي الرئيس:
قد تكون هذه التصورات ناقصة وبحاجة إلى مناقشات حولها وتعديلها لتنزل على أرض الواقع المصري الذي نبتغي وجه مرضاته وبه نؤمن وعليه نعقد الآمال ليعيش فيه أولادنا مستقبلاً أفضل خاليًا من الفتنة!!
فهل يتحقق الحلم؟
هذا المقال دعوة مفتوحة للنقاش حول مستقبل مصر فهل من مستجيب؟
وإلى لقاء آخر وليس أخيرًا لطرح بقية التصورات ونرفع هذا العرض إلى المسئول الأول عن أمن مصر القومي السيد الرئيس مبارك علَّنا نكون قد لبَّينا دعوته المخلصة لحصار الفتنة!!