بقلم: أيمن عبد الرسول
وكان صديقنا خالد يحب الله والأناناس ويكره تحية العلم! كنا صغارًا عندما كان يتذمَّر من الاستيقاظ باكرًا والذهاب إلى المدرسة من أجل تحية العلم "يعني إيه الواحد يتكدر عشان تحية العلم والطابور وكلام فارغ". وتذكرته هذه الأيام عندما قامت الثورة الكروية باعتماد علم مصر شعارًا خاصًّا بالنضال الكروي بين الأشقاء وغلبتني سعادتي وأنا أرى علم مصر يرفرف فوق النوافذ والمباني ولكنني كذلك تذكرت أن المناسبة رياضية لا وطنية ولا قومية وقلت ربما يكون هذا مدخلاً للحديث عن تحية العلم، ذلك الطقس الذي أصبح مناسباتيًّا، من الظهور في المناسبات، وفقط. وقفز خالد وموقفه من التحية الوطنية إلى مخيلتي مع عدد من التداعيات حول هذا الطقس الوطني الذي أراه مهمًّا وعظيمًا!!
في عام 2003 كنت أنشر مقالاتي في جريدة "صوت الأمة" عندما هاتفني الصديق إسحاق حنا وأخبرني بكارثة في معهد الكونسرفتوار، وهي أن مديرة التعليم ما قبل العالي بالمعهد قامت بإلغاء النشيد القومي "بلادي بلادي" واستبدلت به أسماء الله الحسنى في طابور الصباح، وإذا امتنع تلميذ مسيحي عن ترديد النشيد الديني يسأله زميله المسلم لماذا لا يردد فتفتح أبواب الفتنة، وأين؟ في معهد موسيقى تابع لوزارة الثقافة؟!!
المثير للدهشة أن أولياء الأمور مسلمين وقبطًا عبروا عن استيائهم من هذا التصرف غير الحضاري في شكاوى رسمية ولم يهتم أحد من المسئولين، وكتبت وقتها مقالاً بعنوان "أميرة جماعة إرهابية تحكم الكونسرفتوار" وتم الرد من قبل الوزارة وتم وقف هذه المهزلة!!
أما صديقنا خالد ألذي تورط في تنظيم إرهابي لم أكن قد رأيته من مدة طويلة فقد كان معي في مدرسة ابن خلدون الثانوية، وربما أعترف لكم الآن بأحد أخطر أسراري وهو أنني كنت أمير جماعة لا لا تفهموني بسرعة، ليست جماعة إرهابية، فقد كان كاتب هذه السطور من ذوي النزعات الإصلاحية منذ الصغر ولذلك انتقى من بين أصدقاء الفصل الدراسي ثلاثة من الأوفياء هم خالد... وحسن علي درويش وخالد دعبس وكانوا ذوي توجهات متباينة ولكن تجمعنا الرغبة في التغيير فخالد دعبس ذو خلفية مصرية متشبعة بالكثير من الناصرية كيفما رباه أبواه وقليل من الالتزام الديني على الطريقة السعودية حيث المنشأ السعودي, والكثير من القومية المصرية،أما حسن فميوله صوفية درويشية تمامًا وخالد... لم يكن من ذوي الميول الثقافية ولكنه من ذوي المهارات الرياضية حيث كان يلعب كونج فو ويتشاجر مع ميس إيفون مدرسة اللغة الإنجليزية، المسيحية وبلغت به السفالة مرة أن سبته بأهله فرد عليها أن أهله أحسن من أهلها!!
المهم من النزعة الإصلاحية بدأنا وإلى طرق شتى انتهينا ولم يبقَ منهم سواي ليروي لكم هذه الحكاية المثيرة. خالد دعبس يعمل بالمملكة العربية السعودية ونتواصل في الإجازات وأصبح رجلاً مصريًّا مسلمًا معتدلاً، وحسن أصبح مهندس اتصالات ولا نلتقي ولا وسائل تواصل بيننا، أما خالد... فقد تطورت معه ظاهرة كراهية تحية العلم إلى حد تكفير فاعلها لأنه مشرك بالله.. نعم مشرك بقلبه محبة الوثن المدعو الوطن ولا تحية إلا تحية الإسلام والدين والوطن لله, ولأن دعوتنا الإصلاحية المراهقة بدأت من مسجد المدرسة كانت أقرب إلى دعوة أخلاقية مراهقة تحتمي بأخلاق الدين الحنيف، ولأن أخونا خالد كان يحب الله والأناناس ويكره الدعوة لغير الله وتحية العلم في مذهبه شرك أصغر!!
التقطته جماعة إسلامية متطرفة وأقنعته بالجهاد في سبيل الله الذي يحبه والأناناس الذي لم يعرف حقيقته لأن الأناناس الذي يحبه طلع اسمه كانتلوب.. فضلَّ صاحبنا وغوَى وكانت البداية كراهة تحية العلم. لم ألتق خالدًا بعد الثانوية وإن التقيت بالعديدين من أمثاله الذين يرون أن تحية العلم تمامًا كإلقاء السلام على النصارى لا يجوز، وأن أهلهم وإن ضلُّوا أفضل من أهل ميس إيفون ولو كانوا أكثرهم إيمانا!!
من تحية العلم يبدأ احترام الوطن، دستوره وإن خالف أحلامنا، قوانينه ولو لم تطبق إلا على المغفلين لا المواطنين، محبة الوطن من محبة الرب لا شرك ولا كفر، وتحية العلم هي الطقس الغائب عن بلادي، بلادي التي لم نحتفِ بأعلامها إلا في مباريات كرة القدم، مع أن كاتب هذه السطور يضع على صدره علم مصر مصغر جدًّا ويلفت نظري أن الناس تندهش من هذا الدبوس الذي يعلن انتمائي إلى مصر واحترامي لها واعتزازي بها، مصر هي فعلا أمي فلماذا لا أحمل علمها على صدري؟!
علم مصر مفتاح الحياة التي نريدها وإن كان صديقي د.سيد القمني يرى أنه يجب على العلَم أن يحمل أهرمات الجيزة لأنها انفرادنا وتميزنا ولا علاقة لنا بصقر قريش ولا نسر صلاح الدين، فأنا أحيي علم مصر كل صباح بشكله الحالي حتى يتغير الواقع المفروض على أحلامنا الكبيرة في مصرنا العظيمة. بالعند في صديقنا خالد أنا أحب الله والوطن والمانجو!!