المرأة كحاكمة في مصر القديمة يضع حضارتنا فى الريادة
كتبت: ميرفت عياد - خاص الأقباط متحدون
لقد كان للملكات دور هام جدًا في مصر القديم وهو دور يضع الحضارة المصرية في موقع الريادة بالنسبة لحضارات العالم القديم، وخصوصًا إذا ما علمنا أنه في الوقت الذي تفتخر به بلاد النهرين (العراق) بالملكة "سمورامات" (سميراميس)، وسوريا القديمة بالملكة "زنوبيا" (الزباء)، وبلاد اليمن القديم بالملكة (بلقيس)، فإنه من حق مصر القديمة أن تفاخر بست ملكات حاكمات، وبعدد كبير من الملكات أسهمن في حكم الدولة وفي توجيه سياستها الداخلية والخارجية.. هذا ما قاله الدكتور عبد الحليم نور الدين، أستاذ اللغة المصرية القديمة بكلية الآثار جامعة القاهرة، ومستشار مكتبة الأسكندرية فى بداية محاضرته "دورالمرأة كحاكمة في مصر القديمة" التي ألقاها في مكتبة الأسكندرية.
ويشير الدكتور عبد الحليم إلى أن تولِّي امرأة حكم مصر أمر لم يعتده المصريون القدماء، فهو بالنسبة لهم وضع غير طبيعي. وعلى الرغم من ذلك، تهيأت الظروف لبعض الملكات ليحكمن البلاد، وكان ذلك في أغلب الأحوال في نهاية الأسر، حين يدب الضعف في أوصالها. ففي نهاية الأسرة الرابعة، يُحتمل أن تكون الملكة "خنتكاوس" قد وصلت إلى عرش البلاد بعد صراع مرير بين أفراد الأسرة المالكة، وحكمت "نيت إقرت" في نهاية الأسرة السادسة، وبعد أن أشرفت البلاد على حافة الهاوية في عهد الملك "بيبى الثاني". وتولت "سبك نفرو" الحكم في نهاية الأسرة الثانية عشرة بعد تلك الفوضى التي عمت البلاد بموت الملك "أمنمحات الثالث"؛ كما أن الملكة "تـاوسرت" قد سيطرت عل مقاليد الأمور في نهاية الأسرة التاسعة عشرة، بعد عدد من الملوك الضعاف.
ألقاب حاكمات مصر
ويوضح الدكتور عبد الحليم أن الألقاب التي حملتها الملكات في مصر القديمة تدل عن صلة القرب بين حاملة اللقب وبين الملك, مثل (أم الملك)، و(زوجة الملك)، و(أخت الملك)، و(ابنة الملك). وكلها ألقاب تشير إلى دور الملكة في في مصر القديمة، ومدى تأثيرها في القصر الملكي، وبالتالي في المجتمع المصري القديم، وفي توجيه سياسة البلاد الداخلية والخارجية. حيث إن هذه الألقاب التي حصلت عليها الملكات في مختلف العصور تدل على ما كان لهن من مركز مرموق جعلهن يتمتعن بكثير من الحقوق التي كان الملوك يتمتعون بها.
ويؤكد الدكتور عبد الحليم على أن نصوص الأهرام كتبت داخل أهرامات الملكات في الأسرة السادسة، وهو ما كان قاصرًا من قبل على الملوك فقط، وهذا يدل على أن حق الملك في أن يكون إلهًا مقدسًا قد أصبح من حق الملكة أيضًا، أما في عصر الدولة القديمة، تمكنت ملكتان أو ثلاث من أن يحكمن البلاد وحدهن، وهذا يدل على أنه كان في مقدور المرأة أن تقوم في بعض الأحيان بأهم الأدوار التي كان الرجل يقوم بها، وبمرور الزمن، ازداد نفوذ الملكات، حتى أصبح واضحًا تمام الوضوح في عصر الدولة الحديثة. فقد تمكنت ملكتان في هذه الفترة من أن تحكما البلاد وحدهما، وهما الملكة "تاوسرت" والملكة "حاتشـﭙسوت" التي تمكنت من أن تدير دفة البلاد بقدرة واقتدار.
مريـت نيـت..الملكة الوحيدة التي لها مقبرتان
ويذكر الدكتور عبد الحليم على أن الملكات اللائي حكمن ودارت حول حكمهن المناقشات هن مريت نيت (الأسرة الأولى)، خنتكـاوس (الأسرة الرابعة)، نيـت إقـرت (الأسرة السادسة)، سـبك نفـرو (الأسرة الثانية عشرة)، حاتشـﭙسـوت (الأسرة الثامنة عشرة)، تـاوسـرت الأسرة التاسعة عشرة. أما بالنسبة إلى الملكة "مريـت نيـت" فى الاسرة الأولى، فقد اختلفت الآراء في شأنها، وفيما إذا كانت قد حكمت البلاد، أم أنها كانت زوجة ملك. ولكنها الملكة الوحيدة من بين سيدات الأسرة المالكة التي لها مقبرتان، إحداهما في "سقارة"، والأخرى في "أبيدوس" بجوار مقابر الملوك، وقد يدل هذا على أنها كانت ملكة حاكمة. وقد ظهر اسمها على ختم عثِر عليه في "أبيدوس" بين قائمة للملوك كما ورد اسمها على ختم ملكي عُثِر عليه في مقبرة بسقارة، وتعتبر مقبرتها من أعظم مقابر الأسرة الأولى ولها لوحتان، إحداهما في المتحف المصري وهناك تمثال عليه اسمها، ولكن مشكوك في أنه يخصها.
خنتكـاوس .. ونيـت إقـرت
ويشير الدكتور عبد الحليم إلى أن الملكة "خنتكاوس" طال نقاش الباحثين في نسبها، وفي مدى استغلالها لحقها الوراثي، وفيما إذا كانت أختًا لشـﭙسسكاف وزوجة له، أم لم تكن، وما إذا كانت قد حكمت البلاد وحدها، أم لم تحكم، وتتمثل أهميتها في مقبرتها ذات التصميم غير المعتاد بالنسبة للملكات في هذا الوقت، وهي شبيهة بالتابوت، حيث تشبه مصطبة فرعون للملك "شـﭙسسكاف"، وتقع إلى شمال الطريق الصاعد المؤدي لهرم "من - كاو- رع". وكذلك لها معبد جنزي صغير، قطع من الحجر على الجانب الجنوبي الشرقي، وقد اتخذت "خنتكاوس" لنفسها لقب ملكة مصر العليا والسفلى. وقد استنتج العالم "يونكر" من اللقب أن انحصار وراثة العرش في "خنتكاوس" سمح لها بأن تحمل هذا اللقب، أما الأسرة السادسة في أواخر أيامها، فجاءها ملوك ضعاف، فكان من نتيجة ذلك أن عمت الفوضى، وعانت البلاد الأمَرَّين. وانتهت هذه الأسرة بالملكة "نيت إقرت" التي حكمت اثنى عشر عامًا، حيث اكتنف هذه الملكة الكثير من الأساطير، فقد ذكر "مانيثون" أنها كانت أجمل نساء عصرها، وأنها بانية الهرم الثالث؛ وذكر "هيرودوت" أنها حكمت البلاد، ثم تحدث عن قصة انتحارها بعد انتقامها من الذين قتلوا أخاها ليضعوها مكانه ولم يرد لهذه الملكة ذكر في قائمتي "سقارة" و"أبيدوس"، بينما ذُكرت في بردية "تورين".
سـوبك نفـرو .. وحاتشـبسوت
ويستكمل الدكتور عبد الحليم قائلاً إن "سبك نفرو" كانت شريكة للملك "أمنمحات الثالث" في حكم البلاد لبعض الوقت ثم انفردت بالحكم بعد وفاة "أمنمحات الرابع". ومما يدل على أنها وصلت إلى العرش، هو بعض الألقاب التي اتخذتها، وقد وُجِد اسم هذه الملكة في خرائب قصر "اللابيرانث"، مما يشير إلى أنها أسهمت فيه بإضافة أو تعديل لبعض المباني. وبنهاية حكمها تنتهي الأسرة الثانية عشرة، وتنطوي صفحات عصر من أمجد عصور مصر القديمة.
هذا بالإضافة إلى حاتشـﭙسوت أشهر الملكات اللاتي حكمن مصر، وأقواهن نفوذًا؛ فقد كان حكمها نقطة بارزة ليس في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة فحسب، بل وفي تاريخ مصر القديم كله. وهي ابنة الملك "تحتمس الأول"، والوريثة الشرعية لعرش البلاد، حيث لم يكن هناك وريث شرعي من الذكور، ولكن كان لها أخ غير شقيق من أبيها هو "تحتمس الثاني"، ولم يكن أمامه - لكي يقبض على صولجان الحكم سوى أن يتزوج من "حاتشـﭙسوت " وأنجب "تحتمس الثاني" من "حاتشـﭙسوت" ابنة، كما أنجب ابنًا هو "تحتمس الثالث" من زوجة أخرى ومات "تحتمس الثاني"، وكان "تحتمس الثالث" لم يزل طفلاً صغيرًا لا يتعدى عمره تسع سنوات، فوجدت "حاتشـﭙسوت" أن الفرصة سانحة للاستيلاء على العرش، وبذلك أصبحت الحاكمة الحقيقية للبلاد.
ووجهت "حاتشـﭙسوت" همها إلى شئون البلاد الداخلية، فاهتمت باستغلال المحاجر والمناجم، وأرسلت الرحلة البحرية الشهيرة إلى بلاد "ﭘونت" لإحضار خيراتها. كما تقدم فن العمارة في عصرها، ولعل معبدها الشهير في منطقة "الدير البحري" وكذلك آثارها في معبد "الكرنك"، خير دليل على تقدم الفنون في عصرها. ولقد تركت المعاملة القاسية التي عاملت بها "حاتشـﭙسوت" "تحتمس الثالث" أثرًا سيئًا في نفسه، فحقد عليها، وظل ينتظر الفرصة المواتية ليستعيد حقه في حكم البلاد، ثم أخذ يطارد ذكرى "حاتشـﭙسوت"، فأزال اسمها من كل أثر، وهشَّم تماثيلها، وهكذا انتهى حكم هذه الملكة.
تـاوسـرت.. آخر الملكات الحاكمات
بعد موت الملك "مرنـﭙتاح" آخر الملوك الأقوياء في الأسرة التاسعة عشرة، عمت البلاد فوضى شاملة، واجتاحتها موجة من الاضطرابات التي تخللتها كثير من المؤامرات بغية الوصول إلى عرش البلاد، ويكاد الغموض يحيط بنهاية هذه الأسرة تمامًا. وفي هذه الأثناء، ظهر على مسرح الأحداث كثير من الأسماء التي تتنافس على العرش، مثل "ساﭘتاح"، و"آمون مس"، و"سيتي الثاني"؛ والملكة "تاوسرت".
ويُرَجِّح بعض العلماء أن "تاوسرت" كانت زوجة للملك "مرنـبتاح سابتاح" اعتمادًا على أن مقبرتها (رقم 14) في "وادي الملوك" كانت تحوي خراطيش واضحة لهذا الملك، وكانت الملكة تحمل ألقاب زوجة الملك، سيدة الأرضين، سيدة الجنوب والشمال، فإذا صحَّ أن الملكة "تاوسرت" قد وصلت إلى عرش البلاد، فإنها بذلك تعتبر آخر الملكات الحاكمات حتى نهاية الدولة الحديثة.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :