بقلم: أيمن عبد الرسول
أعرف أن معارضة البرادعي في هذا التوقيت ربما تُقلص عدد المعجبين بي على "الفيس بوك"، وربما أيضًا تصب على رأسي لعنات أصدقائي المعارضين للنظام، بل وربما تنالني سهام الاتهام بما ليس في من صفات، ولكن إذا تعارض ما أراه الحق مع ما يراه الآخرون أنه الحق من وجهة نظرهم, لا بأس من دفع الثمن. والاختلاف في النهاية سنة الحياة عمومًا، فما بالك إذا كان سياسيًا!
ومع ذلك من حقي أن أقول ما أريد وأن يقول من يختلفون معي ما يريدون، وفي البداية أوضح أن اعتراضي ليس على شخص الدكتور البرادعي، فهو شخصية جديرة بالاحترام والتقدير رغم دوره المشبوه في صفقة وكالة الطاقة الذرية ضد شعب العراق الشقيق، وربما دوره شبه المعدوم في الساحة السياسية المصرية, الأمر الذي يجعلني متشككًا في الدوافع الحقيقية لقوى المعارضة التي تدفع كل فترة بوجه غير فاعل ولا علاقة له بالسياسة إلى ساحة المعترك السياسي!!

تذكرون الانتخابات الرئاسية السابقة ومطالب قوى المعارضة بترشيح الدكتور أحمد زويل أو الدكتور عمرو موسى، والمدهش أن عاقدي الآمال الكبار على البرادعي هم أنفسهم الذين نظموا المظاهرات المناهضة لغزو العراق من القوات الأمريكية التي خدمها المدير السابق لوكالة الطاقة الذرية في تلفيق أدلة الاتهام التي دخل بها الأمريكان العراق!!

هل أصبحت المعارضة السياسية المصرية غشيمة إلى هذه الدرجة؟ أم أن حلم التغيير أوقعها في محنة البحث عن بطل أو بديل أسقطوا عليه أوهامهم وبطولاتهم الزائفة ليقود بهم سفينة البلد إلى حيث لا يرغب المواطنون، وإذا كان هذا حال النخب المعارضة فكيف يكون حال الشارع السياسي والمواطن في بلد ينبهر بشخصيات علمية حاصلة على نوبل في العلوم، ولا يفكر في مستقبل الوطن الذي يعاني من سوء تفاهم مع الواقع السياسي المضطرب ومفهومه عن التغيير ينحصر في حلم الحصول على لقمة نظيفة وأنبوبة بوتاجاز دون طوابير، وشربة مياه شرب لا صرف صحي!!

إن تقلص فرص إيجاد بديل عن النظام الحالي الذي لا يستطيع منصف إنكار إنجازاته إذا قاسها على حساب الزمن والتحديات العاتية التي جابهها من أجل رفاهة المواطن الذي يزداد تعداد كثافته السكانية كل يوم بمعدلات مخيفة دون توظيف صحي للتعداد الذي يصب في أنهار البطالة والإرهاب والمرض والجوع والفقر والجهل.. نقول إن تقلص فرص الحصول على بديل لا تعني إطلاقًا التعلق بحبال من وهم سرعان ما نكتشف خطأ حساباتها, حيث لا ينفع الندم، فالتجريب من وجهة نظري المتواضعة لا تتحمله حسابات الوطن المضطرب والذي تهدده مخاطر داخلية وخارجية عديدة، فكيف يمكن لذهنية العالم أن تحل كل هذه الأزمات خصوصًا وهو العائش خارج البلاد طوال 27عامًا، ويعرفها معرفة السائح لا المقيم الذي يعاني ويلات الأيام الاعتيادية لمواطني البلد الذي ينوي الترشح لرئاسته!!

ثم إن مستقبل مصر أخطر من التفكير فيه بعاطفية وانتهازية معًا, العاطفية تكمن في أن مشكلاتنا لن تحل بمجرد تغيير الوجه الرئاسي، ولا الصوت العالي الذي يهددنا مقدمًا بأن النظام لن يسمح إلا بخطة التوريث، تلك الخطة التي أكلت عليها المعارضة وشربت، ولا أيضًا بتفريغ الكوادر السياسية من محتواها وحصرها في أحلام وردية عن أوهام التغيير، أما الانتهازية تتجلى في أرذل صورها بتصور المعارضة المتعلقة بوهم التغيير: أنهم في معركة ضد النظام الحالي ممثلاً في شخص الرئيس ونجله أمين السياسات بالحزب الوطني، وفتح باب الارتزاق على حساب الوطن!!

أنا ضد البرادعي الذي سيُستقبل استقبال الفاتحين يوم الجمعة وتتنازع عليه القوى المعارضة لضمه إلى هيئة حزب معارض حتى تنطبق عليه شروط الترشح للرئاسة ضد التصويت له لأنه ببساطة بلا خلفية سياسية تؤهله لهذا المنصب الرفيع.. ولأن رهان المعارضة عليه يستند إلى خلفية رضا البيت الأبيض عنه، بغض النظر عن رضا الشارع المصري عليه.. ضد البرادعي لأنه لم يعش معنا محن وطننا مصر، فضلاً عن دوره المدهش في التجني على دول شقيقة وأخرى دون ذلك لا تسر السياسيين!!

ضد البرادعي لأني أراه وهمًا تصنعه المعارضة على مقاس تخيلاتها بعد فشلهم في حالة زويل, وهذا يجعلني أطرح سؤالاً على قادة المعارضة السياسية في مصر إن لم يكن البرادعي فمن يكون؟ خصوصًا أن هذه المعارضة غير إسلامية وإن تحالفت مع التيار الديني الذي لا يعلن طائفيته إلا من خلال نص المادة الثانية من الدستور وانتمائه إلى دين الدولة الرسمي وهل المعارضة الوطنية التي يمثلها الأقباط موافقة على الخيار المر؟!

يتصور أولئك المعارضون أنهم يغيظون النظام بشخص البرادعي، والمدهش أنني عولت على وعيه السياسي في هذه اللعبة الخطرة وقد رسب في الاختبار الأول، فأنى له أن ينجح في الأخير؟ نعم رسب عندما صدق الوهم وقرر النزول إلى رغبة المعارضة في ترشيحه، وهذا الاختبار يعكس أن وعيًا سياسيًا حقيقيًا غائب عن الرجل الذي صدق وهمه، فلو جلس البرادعي مع نفسه في لحظة صفا وفكر جيدًا في ترشحه للرئاسة لعاد إلى صوابه وصرف المعجبين به عنه.
فعلها الرجل السياسي المحنك الدكتور عمرو موسى فهل يفعلها البرادعي في ميناء القاهرة الجوي؟!
أشك!!

نعتذر للكاتب أيمن عبد الرسول عن أية تعليقات حملت إساءة لشخصه