بقلم: جوزيف جرجس
أبعاد المشكلة
لقد عرضنا في المقالة السابقة تحت عنوان أوربا والمهاجرين 2 لدور ومسئولية المجتماعات الأوربية في المشكلة، أن مسئولية المجتمعات والحكومات الأوربية تتلخص في عدم قدرتها على إعطاء شعور المواطنة للمهاجرين، فما زال المجتمع ينظر لهم ولأجيالهم الاحقة على أنهم ليسوا أوربيين وذلك رغم أن منهم من يعيش منذ جيلين أو ثلاثة في المجتمع ورغم اتقانهم للغة واكتسابهم للجنسيات الأوروبية، ولقد عرضنا الأسباب المختلفة لذلك، ما يزيد من المشكلة هو تزايد رفض بعض الجاليات المهاجره للمجتمع الألمانى أو الأوربي وهروبهم وانعزالهم عنه، إن أكبر هذه الجاليات هي الجاليات الإسلامية، وهذا ما سنتناوله في هذه المقالة.
الجاليات الإسلامية
في ألمانيا يعيش حوالى 3.2 إلى 3.5 مليون مسلم، في أوربا يصل عدد المسلمين 25 مليون، على حسب بيانات مكتب الهجرة الألماني ينتمي المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا إلى الدول الآتية:
ـ 40% حوالى 1.8 مليون منحدرين من تركيا.
ـ الباقي يمكن توريعه كما يلي:
البوسنة 200.000
إيران 100.000
المغرب 80.000
أفغانستان 70.000
بالإضافة إلى أعداد قليله نسبياً من دول أخرى.
كذلك يقسم مكتب الهجرة المسلمين في ألمانيا حسب انتمائتهم المذهبية كما هو مبين في الرسم البيانى الأتي.

 

المسلمين في ألمانيا حسب انتمائتهم المذهبية


75% من المسلمين ينتمون إلى المذهب السني و16% ينتمون إلى المذهب العلوي.
 المصدر: الصفحة الرسمية لمكتب الهجرة الألماني
http://www.integration-in-deutschland.de/cln_101/nn_282926/SubSites/Integration/DE/03__
Akteure/ThemenUndPerspektiven/Islam/Deutschland/deutschland-node.html?__nnn=true

 منذ أكثر من ثلاث سنوات وأنا أتابع تطور الجاليات الإسلامية والإسلام في ألمانيا ورد فعل المجتمع على هذا، أعمل منذ ما يقرب من عامين تطوعياً في مشروع حكومي للإندماج في المدينة التي أعيش فيها، وأعمل تحديداً في مجال الحوار الإسلامي المسيحي.
في البداية يجب أن أوضح أنني في التحليل أفرق بين الإنسان والدين من ناحية وكذلك بين الإنسان وأعماله أو تصرفاته من ناحية أخرى، فالإنسان هو كائن خلقه الله على صورته وهو بذلك يستحق الكرامة والإحترام والمعاملة المتساوية وذلك لمجرد كونه إنسان، بغض النظر عن انتماءه الديني الأيدولوجي العرقي أو السياسي وكذلك بغض النظر عن تصرفاته الشخصية، هذا من وجهة نظري هو مبدأ إنساني يجب أن يكون فوق كل دين أو عقيدة أو أيدلوجية أو قانون، في أغلب الأحوال تدعو الأديان أيضا لهذا، إن المادة الأولى فقرة 1 من الدستور الألماني تقول:
"إن كرامة الإنسان لا يجب الإساءة إليها، العمل على احترامها وحمايتها هو مسئولية كل الأجهزة الحكومية"
وهنا نرى أن الدستور ذكر الإنسان ولم يذكر المواطن الألماني فقط، وعلى هذا فكرامة الإنسان بغض النظر عن انتماءه العرقي واجب المحافظة عليها وحمايتها وهي مسئولية كل أجهزة الدولة، ولكن ماذا إذا فعل الإنسان تصرفات تخل بهذا المبدأ، كالإعتداء أو عدم احترام كرامة الآخرين، هنا يجب أن يتدخل القانون ويعاقب هذا الإنسان بالعقاب المناسب الذي يحدده القانون أيضاً حتى لا يعود هو أو غيره لمثل هذه الأفعال.
من ناحية أخرى إني أرى أن الأديان جميعاً غير منزهة عن النقد والتحليل، طالما أن هذا النقد يكون باحترام لأصحاب هذا الدين وليس بهدف الإقلال من شأن معتقديه، فالنقد يجب أن يكون موضوعياً عن معرفة وقبل هذا وتلك باحترام لمعتقدي الدين، الدين لا يحتاج إلى حماية لكن معتقدي الدين هم المحتاجين لحماية، من يقول أن الدين يحتاج إلى حماية يقر بأن إله هذا الدين يحتاج إلى حماية البشر، فهل يحتاج الله لمن يحميه أو يدافع عنه؟ من يدعي أن الدين يحتاج إلى الدفاع عنه يقر بأن هذا الدين من الضعف لأن يستمر بقوته الذاتيه على الإقناع، وأيضاً يقر بعدم قدرة الله على حماية دينه فلذلك يحتاج الله للبشر للدفاع عنه وعن دينه، حاشا لله أن يكون محتاجاً لدفاع البشر، ولكن يجب علينا أن ندافع عن حق البشر في اعتناق وممارسة الدين الذي اقتنعوا به عن حرية كاملة، فالمسيحية والإسلام واليهودية والبوذية وغيرها من الأديان يجب أن تخضع للنقد والتحليل بشرط أن يكون هذا باحترام لمعتقدي الدين وبموضوعية بعيداً عن التجريح هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يجب أن يكون للإنسان الحق في اعتناق وممارسة الدين الذي يختاره.
في تحليلي أفرق بين الإسلام والمسلمين، فالمسلمين بصفتهم الإنسانية شأنهم شأن كل المهاجرين يجب احترمهم وقبولهم والإعتراف بحقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بالحرية الكاملة في إطار القانون والدستور، وكذلك يجب معاملة حاملي الجنسية الألمانية منهم على أنهم مواطنين ألمان لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات، وذلك ليس بحكم القانون فقط ولكن يجب أن يكون هذا تطبيقاً عملياً في الحياة اليومية في الطبقات الإجتماعية المختلفة، هذا ما أطالب به للمسلمين وأيضا لكل المهاجرين، إن القانون يساوي بين الجميع لكن على مستوى التطبيق العملي لم يصل المجتمع الأوربي بعد إلى النظر لمن هو مختلف معه في الدين أو اللون أو العرق على أنه رغم هذا مواطن ألماني أو أوربي، فلم تصل المجتمعات الأوربية بعد إلى القدرة على التفريق بين الإنتماء العرقي والإنتماء الوطني، فكل من يحمل الجنسية الألمانية هو مواطن ألماني ولكن ليس كلهم ينتمون إلى العرق الألماني فهناك من ينتمي إلى العرق التركي وإلى المصري وإلى الباكستاني وهكذا ولكن الجميع في النهاية يحملون الجنسية الألمانية وبهذا فالجميع مواطنين ألمان.
 تحدثنا عن المسلمين ولكن ماذا عن الدين الإسلامي في ألمانيا وأوربا؟ وهل هناك دين إسلامي واحد؟ ما هو موقف المجتمع الألماني من المسلمين ومن الإسلام؟ هل يمثل الإسلام أو أحد أشكال الإسلام خطراً على ألمانيا أو أوربا؟ وكيف يمكن التفريق بين الأشكال المختلفة للإسلام؟ ما هو دو الإصلاحيين المسلمين في أوربا؟ وما هو دور المصلحين السلفيين مثل طارق رمضان من سويسرا؟
كل هذه الأسئلة وغيرها سأحاول إعطاء إجابة عليها من وجهة نظري في المقالات القادمة؟
إنني سأكون شاكراً لكل من يكتب تعليق يوضح فيه رأيه وخبرته في البلد الذي يعيش فيها، أيضا لكل من يكتب نقده واختلافه معي آرائي.