بقلم: أيمن عبد الرسول
رسالة من كاتب مصري يعتز بمصريته إلى المثقفين المعنيين بهمِّ هذا البلد وثقافته ونهضته المعرفية بالأساس، دعوة مفتوحة للمشاركة في صنع مستقبل أفضل للثقافة المصرية، بمحدداتها التأسيسية من الجذور ووصل ما انقطع من تراث الحرية المصري، وتأريخ جديد لعلاقة المواطن المصري بمصر، تلك الأرض الطيبة التي تكالب عليها الغزاة جيلاً بعد جيل من لدن الهكسوس وحتى العرب الغزاة!!
دعوة ثقافية لممارسة النقد الذاتي، لما يمكن تسميته بالتجربة المصرية في الثقافة والفنون والحضارة والإبداع الإنساني المشترك.. نقد الذات لا جلدها ولا تقزيمها، بمعنى إلقاء الضوء على المثير والمدهش والعقلاني المتميز، ومناقشة جوانب الأفول والإعتام والإظلام، باختصار الوقوف على المحطات المفصلية في تكوين الذات العارفة وموقفها ذي الخصوصية القومية، تقويم ما فسد من مقوِّمات الشخصية المصرية، وسبل الخلاص من عبودية الآخر الثقافية، أي آخر، دعوة تنفتح على الآخر دون ذوبان فيه أو تعدٍّ عليه!!
هذه الدعوة لا تدَّعي أنها منفردة ولا متفرِّدة، وإنما لها جذور تستمدها من عوالم ثقافية رحبة، بشَّر بها أساتذة جيل الليبرالية العظام من أمثال لطفي السيد، سلامة موسى، توفيق الحكيم، طه حسين، نجيب محفوظ، أنور عبد الملك، جمال حمدان، مكرم عبيد، لويس عوض، وغيرهم من الأسماء الخالدة في التراث الثقافي المصري.. الذي قدَّم للعالم فجر الضمير وهو الآن في مغربه!!
مساهمة جدية في رفع الغشاوة عن عيون أبناء الأمة المصرية، ووضع اليد على مكامن العجز، مطارح الأمل، أسباب الفشل، عوامل النجاح، معاول الهدم، سواعد البناء. تنشغل هذه المساهمة بالذات لا بالآخر، تحاول الارتقاء بالذوق العام لشعب لا يدرك قيمة تاريخه، ولا ينفعل به، ولذلك يتعثَّر في خطى مستقبله، محاولة لرأب الصدع الذي أحدثته حركة الضباط الأحرار، الذين ادَّعوا الحرية فكانوا أحرارًا علينا لا لنا، مارسوا حرية الاستبداد، فسدُّوا بها أبواب الحرية وفسدوا وأفسدوا ولم يستفد منهم الشعب إلا قليلاً، كانوا أحرارًا فعلاً فوق المحاسبة والقانون والدستور، فلا مراجعة لما يفعلون، كأنهم فقط كما سمّوا أنفسهم أحرارًا، أما الشعب فلا حرية له إلا في ادِّعاء الحرية مجاراة لرغبة السادة الضباط في أن يحكموا شعبًا – يدَّعي دومًا– أنه من الأحرار!!
إلى كل المصريين الشرفاء الذين يحبون هذا البلد أكثر من مصالحهم الفردية الضيقة، ساهموا معنا في تأسيس تيار وعي مصري النزعة، مصري الهوية، نبيل المقاصد والغايات، نزيه الوسائل والإمكانات، مستقل الثقافة يحترم ذاته، ويتعامل معها بقدرها، لا يرى نفسه في مرايا الآخرين قزمًا رغم أن الآخرين شوَّهوا مراياه، فلم يعد يرى نفسه فيها عملاقًا.. وإنَّ لكم في اليابان لمثل!!
نداء جديد للحرية والوحدة القومية المصرية التي تبدأ من هنا ولن نسمح لها بأن تنتهي إلا هنا كذلك، دعوة للقضاء على التخلف والتبعية، والنعرات العروبية والمذهبية والعرقية، والعقائدية ننتصر فيها للوطن كمغزى حضاري وكمنطلق أساسي لنهضة مصر الأم.. الطين.. عرق الناس في شوارعنا دون مماحكات جدلية أو تعقيدات فلسفية، نتحدث إلى الناس بلغة الناس، نحاول تأصيل القيم الإيجابية، ونحارب القيم السلبية، ندَّعي التميُّز، ليس فقط بما نحمله من تاريخ قديم كتبه المنتصرون في كل حين، ولكن بما نحمله من طموحات نهضوية المرمى والتكوين تزكي ما غفلنا عنه من عوامل القوة، وتنحي ما ألفناه من مناطق الضعف، هذه الدعوة للمقاومة الثقافية، والصدمة الحضارية كبديل لا مفر منه لمواجهة العجز الثقافي، والاستلاب الحضاري والارتداد إلى عصور الظلام.. دعوة للتنوير في مواجهة خفافيش الظلام.. دعوة للسلام الاجتماعي في وجه مثيري الفتن من كل قبيلة أو جماعة!!
دعوة لقبول الآخر، لا للتسامح معه، حيث إن التسامح منحة القوي المحتكم للمخطئ الضعيف، دعوة لمصرنة مصر.. نعم مصرنتها، لا أسلمتها ولا تنصيرها، دعوة لحرية الاعتقاد لا حرية الاجتهاد حيث تعنى الأخيرة مجرد حريتك في اختيار مذهبك داخل الدين الواحد، بينما ترسخ حرية الاعتقاد قيمة احترام عقائد الآخرين وحرية المواطن في تغيير ديانته.
نحو عقل مصري جديد، يحتفي بالعقد الاجتماعي ضد التفويض الإلهي في الحكم، ضد الواحدية في الرؤى، وضيق الأفق الديني أو السياسي.. ضد التحزُّب البغيض لعرق أو دين أو لون أو جماعة، فكلنا مصريون وكلنا أبناء وطن واحد وحدته في شعبه وشعبه أساس وحدته!!
نحو عقل مصري جديد يؤسس للمواطنة بديلاً عن الديانة والجماعة الوطنية بديلاً عن الفئات ذات الخصوصية المعقَّدة والمربكة، يهدف هذا العقل إلى وضع مصر في مكانها اللائق بسبعة آلاف سنة حضارة.
فهل نسعى إلى مستحيل؟
في المقال القادم ربما نبدأ معًا!!