بقلم: محمود يوسف بكير
جاء إعلان د. محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق عن استعداده للترشح لرئاسة مصر آملاً في إنقاذها من حالة التردي المستمر في كافة أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية منذ تولي الرئيس مبارك الحكم في هفوة من هفوات الزمن الردئ بعد مقتل السادات، جاء هذا الإعلان على غير رغبة حركة الإخوان المسلمين التي تعتقد إنها أقوى المرشحين لنيل هذا المنصب في ظل حالة الهزال والضعف التي تتصف بها كل الأحزاب السياسية في مصر بما فيها الحزب الحاكم نفسه الذي لا يعدو أن يكون نادياَ للمنافقين والمتسلقين والانتهازيين ومصاصي دماء الشعب المصري.
طالما كتبت أن حركة الإخوان المسلمين في مصر حركة انتهازية وصولية هدفها الحقيقي هو الوصول إلى الحكم متدثرة بعباءة الدين ، ولو قدر لهذه الحركة أن تسيطر على دفة الحكم في مصر فإنها ستحولها إلى نظام ديكتاتوري ديني على غرار نموذج إيران والطالبان وهذا النظام أفظع وأشد قسوة من نظام مبارك الحالي لأن من يعترض على إرادة المرشد العام للإخوان يعتبر عدواَ لله ومفسداَ في الأرض وعقوبته الوحيدة هي الإعدام.
ولو أن حركة الإخوان المسلمين - كحركة دينية- مخلصة للدين الإسلامي وللأمة لركزت جهودها على الإصلاح الديني بدلاَ من إقحام الدين في دهاليز السياسة بكل صراعاتها وأطماعها وألاعيبها، حيث ينبغي أن يظل الدين علاقة روحية راقية بين الإنسان وربه .
نعم كان من الأولى بمشايخ وفقهاء الحركة أن يتجهون إلى توظيف الدين لرفع وعي المصريين والتخلص من حالة اللامبالاة التي تسيطر على الأغلبية ونبذ التطرف وإعلاء مبدأ المواطنة القائل بأن الدين لله والوطن للجميع ، كان من الأجدر أن تحث القيادات الدينية جموع المسلمين على الإخلاص في العمل والأمانة والصدق ونبذ الغش والفساد وسوء الأخلاق وانعدام الضمير وهي السمات الغالبة هذه الأيام في مصر بكل أسف بدلاَ من تركيز الحركة على الفوز بمقاعد مجلس الشعب للتمتع بالحصانة والنفوذ ثم السيطرة على الحكم تحت شعار أن ( الإسلام هو الحل ) دون التقدم ببرنامج اقتصادي محدد يوضح كيف سيوظف هذا الشعار لحل الإختلالات الهيكلية العميقة التي يعاني منها النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي في مصر.
(سبق أن نشرت مقالاَ تحليلياَ عن برنامج العمل المهلهل الذي تقدمت به الحركة منذ نحو عامين تحت عنوان "برنامج الإخوان المسلمين ..مخاوف ومحاذير" )
كان من الممكن أن يصبح البرادعي مرشحاَ توافقياَ لكل قوى المعارضة المصرية لو أن حركة الإخوان أيدت ترشيحه بما لها من شعبية وسط البسطاء والمعدومين في مصر الذين يعيشون وهم أن الحركة قادرة على إصلاح أحوالهم بمجرد وصولها إلى الحكم تحت شعار أن ( الإسلام هو الحل ) .
لقد تجلت حقيقة أن حركة الإخوان المسلمين حركة سياسية انتهازية يوم وصول البرادعي إلى مطار القاهرة حيث استقبل بجموع ورموز مصرية تمثل كل أطياف المجتمع المصري والمعارضين الراغبين بصدق وإخلاص في تخليص مصر من قبضة أل مبارك حيث وضعوا جميعاَ كل خلافاتهم وطموحاتهم جانباً وقرروا تأييد البرادعي مرشحاَ لرئاسة مصر بكل ما يمتلكه الرجل من نزاهة وخبرات دولية ودبلوماسية وقانونية وفكرية .
نعم كانت مصر ممثلة بكل أطيافها في المطار ما عدا حركة الإخوان ،وإمعاناَ في إظهار غباء الحركة وانعدام كياستها أعلنت قياداتها أن الكاتب محمد عبد القدوس المحسوب على الحركة والذي كان من ضمن مستقبلي البرادعي إنه لم يكن ممثلاَ عنها!! ؟
وهذا التصريح يفضح كل نوايا الحركة ويوضح بجلاء إنها ضد ترشح البرادعي وإنها ستعمد إلى إفشاله على أمل أن يخلو لها الطريق إلى سدة الرئاسة ومن ثم تحقيق حلم الدولة الدينية الديكتاتورية التي تحكم بتفويض رباني .
ومن ثم فإنه ينبغي ألا تعول قوى المعارضة المصرية كثيراَ على حركة الإخوان لأن أجندة الإخوان واضحة ومعلنة وهي باختصار ( لا بالبنط العريض لأي مرشح رئاسي من خارج الحركة ) .
وعلى قوى المعارضة أن تعي أنه لا يوجد في مصر حالياَ أي مرشح يمكن أن يشكل منافسة حقيقية ضد نجل الرئيس سوى البرادعي ، ومن ثم فإن عليها مسئولية كبيرة في حث البرادعي على نسيان مطالبه التعجيزية بأنه لن يترشح إلا في حال تعديل المادة 76 من الدستور والتي أدخلها الرئيس المبارك لتحويل مصر إلى ملكية خالصة لأسرته ، على المعارضة أن تجد حلاَ لهذه المعضلة يمكن البرادعي من الترشح من خلال تحالف من الأحزاب القائمة مع الاحتفاظ باستقلاليته التي هو حريص عليها وتحظى بتقديرنا .
و على د. البرادعي أن يعي أن مبارك لن يغير الدستور طواعية على أي نحو يسمح للبرادعي بالترشح فهذا صراع حياة أو موت للأسرة الحاكمة وقوى الفساد التي تحكم قبضتها على البلاد والعباد حالياَ .
إذا كان البرادعي يحب مصر فعلاَ ويرغب في وضعها على طريق التقدم ، أن يكون واقعيا وأن يقبل بالتحالف مع أحزاب المعارضة حتى ولو تخلى قليلاَ عن استقلاليته من أجل كسر احتكار أسرة مبارك للحكم ، فإذا ما نجح فإنه سيتمكن من تحقيق حلمه وحلمنا بتغيير المواد المعيبة التي أدخلها مبارك على الدستور .
وأخيراَ فإن على الإخوة الأعزاء أقباط مصر أن ينضموا إلى هذا التحالف وأن يتخلوا عن تأييدهم لأبن الرئيس والذي مرجعه الوحيد هو خوفهم من وصول حركة الإخوان للحكم .
على أقباط مصر أن يعوا أن البرادعي رجل ليبرالي منفتح يؤمن بفصل الدين عن الدولة وإن للأقليات حقوق ينبغي احترامها وأنه من المؤمنين بقوة بحق المواطنة لكل من ولد على أرض مصر ، ومن ثم فإنه لا خوف عليهم مع البرادعي .
إن أمام كل القوى الفاعلة في مصر فرصة لن تسنح مرة أخرى قبل مضي 30 عاماَ أخرى للتخلص من ديكتاتورية أل مبارك والبدء في عملية إصلاح حقيقية كلنا تواقون لها والبرادعي بنزاهته وكفاءته القانونية والدبلوماسية والأكاديمية قادر على قيادتها .
أدعو الله أن يخلص مصر وكل الدول العربية من النظم الدكتاتورية وأن يبث الهمة والشجاعة والعزم في نفوسنا حتى نكون جديرون بدعمه، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
مستشار اقتصادي مصري
mahmoudyoussef@hotmail.com