يستهدفون الأقباط وإسقاط الوطن
صورة أرشيفية
بقلم كمال زاخر موسي
كانت المصادمة بين اليهود والمسيح تقترب، وكان الفريسيون (سلفيو اليهودية) يرقبونه ويرصدون سكناته وكلماته، ودعوته الثورية لتحرير الإنسان، وكان الشارع يلتف حوله عسى أن يخلصه من نير المستعمر ويفكك قيود معلمى ذاك الزمان وقد استغرقهم الحرف، وغاب عنهم الهدف الأسمى، أنسنة الدين.
وعندما اقترب من أورشليم (مدينة السلام) احتشد الناس لاستقباله وارتجت المدينة، الأمر الذى أزعج الفرنيسيين هؤلاء، فذهبوا إليه يطالبونه بأن يسكت الجمع فأجابهم «أقول لكم إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ».
لم يكن المسيح رجل سياسة لكنه كان وطنياً حتى الموت، وكما كان المعلم هكذا تلاميذه، حتى اللحظة، لذلك لم يكن مستغرباً أن يكون البابا تواضروس محدداً وحاسماً فى اللحظات الفارقة التى تواجهها مصر، ولم يكن مستغرباً أن تثور ثائرة المتربصين بالوطن عليه، حدث هذا فى 3 يوليو حين دعم خيار الشعب ودشن نجاح ثورته التصحيحية فى 30 يونيو، وتكرر الأمر حين تم تدمير وحرق مائة كنيسة ومؤسسة خدمية مسيحية، رداً على تفكيك ارهاب رابعة والنهضة، فأعلن بثبات أنها على فداحتها يحسبها ثمناً زهيداً لاسترداد وطن يستحق، وحين عوقت جهود اعادة بناء وترميم ما هدم لم يستجب لدعوات التصعيد لكنه دعم توجه الدور الشعبى القومى عبر اسهامات الناس والهيئات والمؤسسات فاللحظة تستوجب لم الشمل، فكان أن اثاروا حوله الزوابع، وحين سئل عن تقييمه للأحداث بين الماضى والحاضر والمستقبل لم يلجأ لعبارات ترضى جميع الأطراف، ومارس عصفاً ذهنياً لم نعتده، فيما يتعلق بتقييم ثورات الربيع العربى وما آلت اليه، عصفا واختطافاً وتصحيحاً، واعتباره السيسى قائد ثورة التصحيح، واكد أنه لا يحجر على خيارات الناخبين بل اكد وجوب مشاركتهم لتتميم خطوات خارطة المستقبل.
فكان ان دارت ماكينات التزييف والاستهداف ليضعوا على لسانه ما لم يقله تحت عناوين تستفز الشباب الذى سالت دماؤه وفاضت ارواحه فى مراحل الثورة المختلفة، وأداروا اسطوانة خلط الدين بالسياسة، فى مكارثية مجددة هالها ان يسترد المصريون المسيحيون مواطنتهم بترهيب الراعى فتتبدد الرعية، التى يجب عليها ان تعود الى مظلة الكنيسة سياسياً لكونهم طائفة وجالية فى وطن، وعلى الراعى ألا يمارس حقه كمواطن فى تقييم اللحظة، ويصبح بين خيارين كلاهما مر، أن يخضع لثقافة التبعية والخنوع ويخون وطنه، أو أن يملك جسارة الاختلاف فيرتد الغضب ليطوله ورعيته الروحية.
وغير بعيد معاركه لتنوير المناطق المعتمة فى الذهنية القبطية واقترابه من عش التراث ليتصالح مع العصر ويصل برسالة الكنيسة الى مستحقيها ليكون لهم حياة بل وحياة أفضل. وبين هذه وتلك خطوط ممدودة.
واتساقاً مع خطورة اللحظة لا يملك المرء إلا الوقوف فى صف البابا ليس من باب الدفاع عنه بقدر الدفاع عن مستقبل وطن مستهدف، وأقباط يقفون فى مقدمة من يدفع الثمن، وأمامنا ما قاله الزعيم التاريخى مارتن لوثر كينج ـ الذى طالته رصاصات الغدر العنصرية (ابريل 1968) بسبب مقاومته لسياسات امريكا العنصرية ضد السود ـ «أسوأ مكان فى الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد فى أوقات المعارك الإخلاقية العظيمة».
وعلينا أن نؤكد أن الكنيسة خرجت من صراعات المعادلات السياسية لكنها باقية كرقم رئيس فى المعادلة الوطنية. وأن البابا مواطن مصرى لا نملك أن نحجر على رأيه بحجة أنه يعبر عن الأقباط ويتكلم نيابة عنهم، وهو قول مفارق للحقيقة ويسعى لعزل الأقباط عن سبيكة الوطن ونسيجه. وأن الأقباط ليسوا كتلة صماء بل هم مواطنون مصريون كاملو المواطنة ويتوزعون شأن كل المصريين على مختلف الخيارات والقناعات وفقاً لمنظومة الحريات التى يقررها ويحميها الدستور.كما أن استهداف البابا يرمى إلى محاصرة الأقباط فى مربع «الذمية» وعزلهم عن المشهد المعاش بهدف تفكيك المصريين توطئة للانقضاض على الوطن وإعادته الى أسر الرؤى المفارقة للحضارة.
ويبقى أن اللحظة فارقة إما ان ننطلق بمصر إلى آفاق التنمية والخروج من نفق التخلف، وإما ان نرتد بها الى إظلام التشرذم والخروج من التاريخ، وعلينا ان ندرك اننا فى معركة وجود سينتصر فيها الوطن لحساب اجيالنا الواعدة والقادمة... انتبهوا أيها السادة.
نقلآ عن الأهرام
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :