بقلم - مارثا فرنسيس 
يأتينا سبت لعازر بعد نهاية رحلة صوم الأربعين المقدسة و بداية أسبوع رحلة آلام بدخول السيد المسيح لأرشليم يوم الأحد «أحد الشعانين» لإتمام صلبه، لأنه خبزنا الحيّ الذي نزل من السماء لأجل أن يقدم جسده ودمه فصحاً حقيقياً، وحملاً حقيقياً ليرفع عن العالم خطيته كما شهد يوحنا المعمدان« هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم »«يو1: 29».
 
وسبت لعازر هو سبت فرح تماماً كـ «سبت النور» في الأسبوع الذي يعقبه، فإقامة لعازر من موته فيه تعزية لنفوسنا و رجاء في المسيح الذي أقامنا روحياً قيامتنا الأولى التي نعيش عربونها معه الآن على الأرض و نعيش أفراحها منذ قيامته من الموت كاسراً شوكته، لنرقد موتنا الجسدي على رجاء القيامة في يوم الرب عند مجيئه الثاني بمجده ومجد أبيه كديَّان للعالمين ليجازي كل واحدٍ كأعماله.
 
ماذا كان شعورك يا لعازر وأنت بالجحيم، و ماذا عن طعم الموت فيه ؟! وكيف لم يمسكك الموت و فلتَّ من أيدي إبليس ومملكة ظلمته لتنطلق روحك خارج جحيمه وتحطّ بين يادي حبيبك و سيدك المسيح حين سمعت صوته« لعازر هلم خارجاً»؟ وكيف عادت روحك في حُلَّة جسدك الجديد عوضاً عن جسدك الذي أنتن بالقبر أربعة أيام؟! ولماذا أرادوا قتلك؟: {فَتَشَاوَرَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ لِيَقْتُلُوا لِعَازَرَ أَيْضًا} (يو12: 10) هل لأنك صرتَ شاهداً لإلوهية الإبن الكلمة ، و بدلاً من أن يؤمنوا كآلاف البسطاء من شعب اليهود الذي آمنوا بإلوهية رب المجد؟ أم لأنه دائما ما يكون وراء عمل الله من يحاول محو النور ليسود الظلام؟ أم لأن إبليس كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه ويخطف الكلمة الإلهية و الإيمان وعمل النعمة في النفوس؟
 
هكذا أعداء الحياة يؤلهون ذواتهم، فـ بجحودهم و بقساوة قلوبهم لم يروا في معجزة إحياء الميت إلا الخلاص من الميت نفسه والذي صار حياً، ليتخلصوا من الشاهد للإله الحق ولأعماله الإعجازية - لعازر كنتَ ميتاً والآن أنت حياً في المسيح بسماء عرشه-، فدائما الشاهد للحق والحقيقة يطارده إبليس وأعوانه على الأرض ليخفوا الحقيقة عن الناس، فتكاتف قوات إبليس ضد عمل الله لأنهم يخشون نوره ويروا في قتلهم للناس وإراقته لدمائهم وإزهاق أرواحهم الطريقة المثلى والسريعة لإخفاء نور الحقيقة الساطعة بل نور الحياة! وهو ما يحدث الآن تماماً في كل جرائم القتل ضد كل من يخالفهم إيمانهم! من طمس لمعالم الجريمة وقتل الضحية مرتين مع سبق الإصرار، لأنهم أبناء أبيهم إبليس يُدعّون.
 
فمعجزة لعازر ولأنها كانت معجزة عياناً أمام الجميع، وسبب إيمان الآلاف برب الأرباب، هكذا تكاتفت قوات الظلمة للتخلص من« إبن الإنسان» نفسه، لأن معجزاته و عمله للخير أصبح يؤرق مضاجعهم! ويهدد حياتهم و أطماعهم ويزعزع كرسي العرش من تحتهم ويسحب البُساط من تحت أرجلهم، وهو أيضاً مايزال الواقع بمرارته و ما يحدث و نعيشه كابوسه الآن! أنه سلطان إبليس على العالم لأنه«رئيس هذا العالم» بكل شروره وحيله، وأتباعه يتممون شهوات أبيهم في القتل والكذب وشهيتهم المفتوحة والنهمة لسفك مزيد من الدماء كما قال يسوع :« أنتم من أب هو إبليس ، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالا للناس من البدء ، ولم يثبت في الحق لأنه ليس فيه حق . متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له ، لأنه كذاب وأبو الكذاب»« يو8: 44»
هكذا عقدوا مجمعهم مخصوصاً لأجل صلب إبن الإنسان الذي حيرهم، لأنه شهد لنفسه أنه الإبن الكلمة المتجسد.
 
وشهدت له أعماله ومعجزاته الإلهية، فمعجزاته هددت كراسيهم، وسحبت الناس لتنفضّ من حولهم :« فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً، إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا »« يو11: 47- 48». وهكذا كانت حكمة قيافا رئيس الكهنة الذي كان قد تنبأ بموت يسوع فكانت مشورته أن يموت إنسان واحد عن الشعب حفاظاً على الأمة حتى لا يتبدد الشعب كله وينفضوا من حولهم ويتبعوا إبن الإنسان، من كان يطعهم ويشفيهم جسدياً ويطبب أرواحهم بيديه الحانية:« أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا! وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ. فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ »« يو11: 49- 53 ». وهو لا يعلم أنه ينفذ مشورة السماء التي تجسد خصيصاً لأجلها الإبن الكلمة، وبدلاً من أن يموت يسوع عن الأمة اليهودية، مات فداءاً و نائباً عن كل البشرية لإتمام الخلاص الإلهي. فهكذا بصُلب يسوع أقامنا معه لفرحه الأبدي كما أقام لعازر على الأرض نافضاً أوجاع الموت كاسراً شوكته.
 
فيقول القديس أغسطينوس:« أن إقامة لعازر من الأموات ليس موضوع دهشتنا بل موضوع فرحنا. فليس من المدهش أن ذاك الذي يخلق بقوته أناسًا يأتي بهم إلى العالم أن يقيم ميتًا، لكنه أمر مفرح أنه يهبنا القيامة ويمتعنا بالخلاص» وكما قتلوا إبن الإنسان أرادوا ان يقتلوه ثانية قتلاً معنوياً ليتأكدوا من موته للأبد ويخفوا معالم جريمتهم، ذاك القتل المعنوي نفسه ما يذيقونه الآن لكل شهيد مسيحي يموت على إيمانه، وكما شاهدنا جريمة قتل أسرة يوسف طويل المسيحية بالأسكندرية، من طمسهم للحقيقة بتشويه سُمعة الأسرة في شرفها، وكما فعلوا في جريمة إغتيال ماري سامح جورج« شهيدة الصليب» من طمس معالم جريمة إغتيالها التي مورست على جسدها الطاهر. أنه القتل المعنوي الذي هو أشد من قتل الجسد.
 
فماذا إدعوا عليك أيها السيد الرب بعد إغتيالهم لجسدك المبارك مع سبق الإصرار والترصد، لتكتمل جريمته البشعة ولا يتركون لها أثر أمام الناس؟!« اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلاَطُسَ. قَائِلِينَ: «يَا سَيِّدُ قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!». فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ»«مت27: 63» أنها نفس أمنيتهم البغضاء في ألا تقوم من موتك كما أعلنت لهم! تماماً كما كانت أمنيتهم في ألا تُقيم لعازر من موته ليشهد لإلوهيتك التي زعزعت كراسيهم.. ولكن !
 
هل يستعصي على من أقامك يا لعازر ألا يقيم نفسه؟! ألست أنت يا رب من قلتَ أن لك السلطان أن تضع نفسك للموت لتستردها كيفما شئت بسلطان لاهوتك المُحييِّ؟ « لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضا، ليس أحد يأخذها مني ، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضا»« يوحنا10: 17» .
 
فيا مَنْ خلقت جسداً جديداً للعازر بعد أن أنتن جسده، و أقمت روحه من جحيم الأموات، أقم أرواحنا فيك. فأنت وحدك مَن أقمت الموتي بموتك حين كسرت شوكته، ومنحت الحياة للذين في القبور فجر يوم قيامتك ليشهدوا إنك القدوس البار الذي غلب الموت بموته بل غلب العالم ورئيس هذا العالم، فأنت وحدك القيامة والحياة لأنك إله أحياء وليستَ إله أموت. فخلِّص نفوسنا من الموت و إمنحنا نعمة خلاصك و هبنا قيامتك ليكون لنا نصيب أبدي في ملكوتكَ« ملكوت إبن محبته»« كو1: 13».