بقلم: شفيق بطرس
أعتبر نفسي من المحظوظين القلائل حينما زرت العاصمة الأمريكية واشنطن وكانت زيارتي سياسية بحتة، لا فن فيها ولا سياحة ولا وقت للتمتع بجمال العاصمة، ولكنني توقفت عند ملاحظات حين مررنا بشوارع العاصمة نخترق حدائقها الجميلة بالقرب من البيت الأبيض، وملاحظاتي هذه كانت في هذا الكم الهائل من اليابانيين بالشوارع وكذلك عرض بعض الهدايا والملابس اليابانية، وكما هي عادتي لا أريد تفويت أي فرصة إلا وأتساءل (هوه فيه إيه؟؟)، وعرفت أن السبب هو هذا السحر والجمال والرقة والعشق المتمثل في أرق أزهار رأيتها في حياتي وهي زهور الكرز اليابانية أو (الساكورا) أو الشيري بلاسيم.
وهي أزهار لشجر الشيري اليابانية تخرج مبكرة في آخر مارس وتتلون في مراحل عمرها، تبدأ باللون الأبيض الزاهي وتتحول إلى اللون الورد وكأنها صبية رقيقة ساحرة تلبس أحلى وأروع فساتينها وتلبسها القدرة الربانية وعظمة الخالق أروع الفساتين، تتلون وتتغير للأروع والأبهى كل يوم إلى أن تصل لقمة جمالها وسحرها الخلاب الذي يسحر العقول وينعش الناظرين، ولكنها سرعان ما تودع الحياة وهي في أبهى جمالها وتتساقط وكأن الطبيعة تريد أن تعطنا دروساً في أن السعادة وجمال الحياة مهما طالت سرعان ماتزول وتتساقط.
ولذا البعض يُطلق عليها الزهرة الباكية ولكنها ساحرة وما أروع جمالها ورقتها، رسمها الطيارون اليابانيون على جوانب طائراتهم المقاتلة قبيل شروعهم في الخروج للطلعات الإنتحارية في الحرب العالمية الثانية وذلك رمزاً بأن الحياة جميلة ولكنها تزول في أروع وأرق سحرها مثل زهرة الكرز (الساكورا)، وانتشر الإيمان في وسط الشعب الياباني أن أرواح هؤلاء الشهداء ترجع كل عام في شكل زهور الساكورا الفائقة الجمال لتعطنا مثال لأنها تمتعنا بسحرها ورقتها وجمالها الخلاب ولكنها سرعان ما تتساقط وتزول مثل السعادة التي تزول بسرعة فائقة في قمة إحساسنا بها وإنتعاشنا بلحيظاتها.
تمتعت كما تمتع الملايين من السياح اليابانيين ومن كل ولايات أمريكا ودول العالم الذين حضروا خصيصاً للعاصمة الأمريكية واشنطن برؤية أجمل وأرق أزهار ممكن أن يتخيلها إنسان على هذه المسكونة وتوجد بالقرب من حوض المياه الشهير، حيث يوجد نصب لينكلن التذكاري.
ترجع قصة هذه الأشجار اليابانية في أمريكا إلى سنة 1912 حيث أهدت الحكومة اليابانية الولايات المتحدة الأمريكية 3000 ثلاثة آلاف شجرة من أشجار الكرز (الساكورا) لتنمية روابط الصداقة بين البلدين، وتمت زراعتها في صفوف عند ساحل الحوض المدجزرى في واشنطن، وقد تجددت الهدية وأضافت اليابان 3800 شجرة أخرى سنة 1956 لتصنع بجمال أزهارها الساحرة مهرجاناً رائعاً للجمال والسحر يأتي إليه عشاق الجمال من اليابان وكل دول العالم وكل ولايات أمريكا إلى واشنطن العاصمة.
قلت يالها حقاً من مصادفة عجيبة... ونحن هنا لنقول لكل شعب مصر من أمام السفارة المصرية في واشنطن أننا كمصريين أمريكان نحبك يا مصر كل الحب، ونقول للنظام المصري إن بلدنا لن تموت ومهما تساقطت أزهارها فى أوج وأبهى لحظات جمالها ستخرج مرة أخرى للحياة جميلة ساحرة مثل زهور الكرز (الساكورا) اليابانية، وأن النبض السياسي لأبناءها سيظل ينبعث من عروقها ولن تموت بلدنا ولن تستسلم للفساد والترهل السياسى الممقوت، ستخرج أزهارنا من جديد وتبهج قلب مصر بسواعد وفكر وحب أبناءها في كل مكان كل من أحب مصر سواءً شباب السادس من أبريل أو غيرهم من كل شباب ورجال ونساء مصر الواعيين العاشقين لأمنا الغالية مصر، سينتهى الظلام ويخرج علينا الفجر يوماً وتتجدد سحرها كما تتجدد أزهار الساكورا، ولكن أزهارنا المصرية ستظل شامخة خالدة لأننا أرض الخلود والحضارة والتاريخ.