بقلم: عماد توماس
صدمة كبيرة اجتاحت عدد كبير من المصريين بنبأ رحيل الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الجامع الأزهر، في صباح الأربعاء 10 مارس 2010، عن عمر يقترب من 82 عامًا، عندما أصيب بأزمة قلبية خلال وجوده بمطار الملك خالد الدولي بالسعودية، عندما كان يستعد للعودة إلى أرض الوطن بعد رحلة سريعة لحضور حفل منح جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام للفائزين بها هذا العام.
وكان الفقيد قد عانىَ من مرض في القلب حيث سبق وتم تركيب دعامة بقلبه عام 2006 بالإضافة إلى إصابته بمرض السكر.

* علاقة متوترة مع الصحافة:محمد سيد طنطاوي... الإمام المستنير

شابت علاقة الراحل الكريم بالصحافة علاقة متوترة، وأصدرت نقابة الصحفيين بيانًا وصفته فيه بأنه يشارك في حملة ضد الصحفيين بموافقته على تطبيق حد الجلد في جرائم النشر وهو ما نفاه.
وبعدما نشرت صحيفة "الفجر" صورة له على صدر صفحتها جعلته فيها مرتديًا زي بابا الفاتيكان، رفع طنطاوي دعوى ضد الكاتب الصحفي عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر ومحمد الباز نائب رئيس تحرير الجريدة، طالب فيها  بالحصول على تعويض عمّا لحق به من أضرار أدبية ومادية جرّاء ما نشر بالصحيفة ضده على نحو اعتبره سبًا وقذفًا في حقه.
وبعد مصافحته للرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" في مؤتمر حوار الأديان، في نوفمبر 2008، قامت الدنيا وكادت ألا تقعد أثر هذه المصافحة العابرة، حتى أن النائب مصطفى بكرى –رئيس تحرير جريدة الأسبوع طالب بعزلة من منصبه.
وقدّم الكاتب الصحفي أحمد رجب نصيحة له في عموده بالأخبار "نص كلمه" أن يعين متحدثًا إعلاميًا له لأن تصريحاته للصحفيين تسبب العديد من المشاكل

* علاقة محبة مع المسيحيين:
المتابعون يلمسون حبًا جارفًا من القيادات الدينية المسيحية والشعب المسيحي لشيخ الأزهر، فلم يذكر طوال فترة حياته أنه أخطأ مرة واحدة سواء بالقول أو الفعل في حق مسيحيو مصر، وربطته علاقة مودة حقيقية وليست مصطنعة مع القيادات المسيحية.
عندما كان يشغل منصب مفتى الديار الجمهورية في التسعينات، زار مع الراحل الدكتور القس صموئيل حبيب -رئيس الطائفة الإنجيلية آنذاك- الولايات المتحدة الأمريكية في رحلة طويلة وحصل على الدكتوراه الفخرية من إحدى الجامعات هناك. وعندما توفى صموئيل حبيب كان في مقدمة مشيعي الجثمان.
وفى نعى البابا شنودة الثالث للراحل الكريم عبّر عن حزنه العميق، واصفًا رحيل طنطاوي بأنها "خسارة كبيرة لا تعوض"، مضيفًا أنه كان رحمه الله مجموعة من الفضائل، وكانت له في قلبه محبة عميقة، وكان يعتبره أخًا وصديقًا له، وكانا يتفقا معًا في كثير من الآراء والمواقف، ولم يجد البابا عزاءً في فِراقه".
وبعد أحداث نجع حمادي، ذهب إلى مطرانيه نجع حمادي لتقديم واجب العزاء لكل من الأنبا كيرلس والأنبا بيمن أسقف نقادة وقوص واللواء مجدي أيوب محافظ قنا. وألقى خطبة الجمعة بجامع المحطة الجديد مؤكدًا فيها على أن الاختلاف في العقائد لا يمنع التعاون وأن الدين لله والوطن للجميع، منددًا بالاعتداء على الآمنين، ومؤكدًا على أن المعتدى سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا وحده من يتحمل جرم فعلته.

* مواقف حاسمة:
أثناء جولة له بأحد المعاهد الأزهرية، طلب من طالبة أزهرية في الصف الثاني الإعدادي، أن تخلع نقابها كونها تدرس بين فتيات، ولأن النقاب "عادة وليس عبادة" وفي يوم الاثنين 5 أكتوبر 2010 أصدر قرار بحظر ارتداء النقاب داخل المعاهد التابعة للأزهر، تاركا خيار ارتدائه خارج الفصول الدراسية أمرًا شخصيًا.
وقبلها بعدة سنوات قال "من حق فرنسا فرض قانون يمنع ارتداء الحجاب على المسلمات المقيمات بهذا البلد، وأنه من منظور شرعي، على المسلمات المقيمات بفرنسا أن يتعاملن "مضطرات" مع هذا القانون".

* قطار المفتى:
المسافرين في قطارات الصعيد يطلقون على قطار –القاهرة– الأقصر بقطار المفتى-نسبة إلى الشيخ الجليل  طنطاوي-، هذا القطار كان يقف فقط في المحافظات مثل القاهرة – الجيزة - بني سويف – المنيا – أسيوط - سوهاج..الخ  ولأن مفتى الجمهورية الدكتور طنطاوي قبل أن يصبح شيخ الجامع الأزهر –من مواليد مركز طما بمحافظة سوهاج، فتكريما له ولأهالي مركز طما، تم صدور قرار بوقف القطار في مركز طما،  فأطلق عليه المسافرين قطار "المفتى".

*الختام:
دُفن جثمان الفقيد في المدينة المنورة، بناء على رغبة أسرته، وتتلقى أسرة الراحل ومشيحة الأزهر العزاء مساء الجمعة 12 مارس 2010 من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير.
وبرحيل الفقيد الكريم فقدت مصر رجلا من أندر الرجال سماحة وفقد الأزهر الشريف شيخًا من أكثر الشيوخ استنارة عبر تاريخه. شيخ جليل، الدين عنده يسر لا عسر، لم يتمسك بحرفية النص لكن طبق روح النص ليلاءم تحديات العصر، نشر المحبة في زمن أصبحت الكراهية فيه بضاعة رائجة، نسأل الله أن يتغمده برحمته الواسعة.

* محمد سيد طنطاوي في سطور:

•ولد شيخ الأزهر في 28 أكتوبر 1928 بقرية سليم الشرقية بمركز طما في محافظة سوهاج، تعلم وحفظ القرآن في الإسكندرية.
•حصل على الدكتوراه في الحديث والتفسير عام 1966 بتقدير ممتاز، وعمل كمدرس في كلية أصول الدين، ثم انتدب للتدريس في ليبيا لمدة 4 سنوات، عمل في المدينة المنورة كعميد لكلية الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية.
•عُيّن مفتيًا للديار المصرية في 28 أكتوبر 1986، ثم تولي منصبه كشيخ للأزهر عام 1996 خلفًا لسابقه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق.
•من أهم مؤلفاته "التفسير الوسيط للقرآن الكريم" والذي يقع في 15 مجلدًا وأكثر من 7 آلاف صفحة وطبع منه عدة طبعات آخرها عام 1993.
•ومن مؤلفاته أيضا كتب " بني إسرائيل في القرآن الكريم، ومعاملات البنوك وأحكامها الشرعية، والحوار في الإسلام والاجتهاد في الإحكام الشريعة، وأحكام الحج والعمرة، والحكم الشرعي في أحداث الخليج، وتنظيم الأسرة ورأى الدين والرأي الشرعي في النقاب، والحجاب والتصوف في الإسلام، والجهاد من الرؤية الشرعية وغيرها من العديد من الكتب .(عن موسوعة ويكييبديا)