بقلم: ناهد صبري
الغوغائية في المصطلح اللغوي تعبر عن عقلية قطيعية تابعة لا مكان فيها للاستقلالية، جمعية لا محل فيها للانفراد، ومن هنا جاء استخدامها اللغوي كتعبير عن الجراد وبعض الحشرات القريبة من الباعوض، وهي حشرات تكون في قطيعية.
في المشهد الرحالي تتساوى كلمة "غوغائية" مع الاتجاه لإبراء ذمة هؤلاء من أي فعل يقومون به حتى ولو كان إجراميًا والإفراج عنهم كالعادة تمامًا مع كلمة مختل عقليًا والنتيجة أن تذهب مصر وسمعة مصر واقتصاد مصر أدراج الريح، إذ تكاد "الغوغائية" أن تكون سيدة الموقف، فكثيرًا من الناس ينخرطون في قطيعها بلا وعي ودون قدرة على التوقف ومساءلة الذات.
ومخالفة الغوغاء قد تكلف الإنسان الكثير وتجعله في مرمى من لا يرحم، ولا يعقل، ولا يفكر، فالشخص ذو السمة "الغوغائية" يخرب، ويحرق، ويقتل، ويدمر ويساعده في ذلك الفهم المشوش وسهولة استخدام رجال الشرطة للتمويه على فعلته بل إن ما يفعله يعتبر مساومات وتسويات على حساب دين الله وشرعه ومن هنا ليعلم من يتعرض له أنه سيكون على موعد مع زوبعة غوغائية لا أول لها ولا آخر.
ويحفل المجتمع في السنوات العشرين الأخيرة بالعديد من المؤشرات والدلائل السلبية التي تدل على تخلف وانحطاط لا مثيل لهما في عالمنا المعاصر، وفي ظل أجواء كهذه، كان من الطبيعي أن يختفي الحوار وتحل محله العمليات الإرهابية وأن تنتفي للغة المنطق والعقل وتستبدل بلغة أخرى هي لغة التعصب والتطرف وأن ينسحب الفكر المعتدل من الميدان تاركًا الساحة للفكر التكفري، لقد أثبت الأحداث المتتالية أن "الغوغائية" باتت هي اللغة السائدة وأصبحت تتقدم أمام الموضوعية، وأن التفاهم، والانفتاح، والتنمية لم يعد لهما مكان في المجتمعات العربية من المحيط إلى الخليج، وتتخذ الغوغائية في العالم العربى أشكالاً عدة، فهي في بعض الأحيان سياسية، وفي البعض الآخر طائفية أو حتى عنصرية ولا تمارس جماعة بعينها ولكنها الجامعات المتطرفة، أو حتى الحكومات الديكتاتورية، ويكفي أن يقول أحد هؤلاء الغوائين حي على الجهاد أي هيا إلى الجهاد، بالرغم من أن الدعوة إلى الجهاد في حد ذاتها دعوة حميدة، إلا أنها أصبحت تستخدم بين أبناء الوطن الواحد بعد أن كانت تستخدم فقط في الماضي، إذا ما احتل الآخر الأجنبي الأرض أو هتك الهرض أو كان هناك تهديد بذلك، أما الإسلاميون المعاصرون فقد عمموا الجهاد ليصبح ضد الجميع وتتضح خطورة ذلك من جهتين: الحرب الدائمة واستئثار قلة بالحق، وهو أمر مرعب ليس للذين يشنون الحرب على الإرهاب فحسب، بل إنه مرعب أيضًا للمسلمين المعتدلين أنفسهم.
وحين نعود لسنوات ماضت نجد أن "الغوغائية" ليس وليدة اليوم والأمس بل هي قائمة منذ مذبحة الكشح وراهبة الأسكندرية وأحداث دير أبو فانا وأحداث ملوي ودير مواس وديروط وفرشوط وأحداث مذبحة نجع حمادي وأخيرًا أحداث مطروح، ووسط كل هذه الأحداث الدموية، أحداث للأفراد من أسلمة البنات قصرًا، وتهجير الأسر بواسطة الغوغاء وأعمال بلطجة وإجرام هنا وهناك ولعل من أسباب الغوغائية:
- الفهم الخاطىء.. إذ أن أكثر هؤلاء ليسوا من ذوي الثقافة الدينية العميقة وأنهم لم يتأسسوا في الثقافة الإسلامية ويظهر ذلك واضحًا جليًا.
- غياب العقل في دهاليز السخط والغضب وظهور كائنات فضائية وصحفية وإنترنتية تمجد مقاتلي القاعدة وتتخيل نصرًا لم يحدث وتحلم بكرامة غير حقيقية.
- مسنادة رجال الأمن والشرطة لهولاء الغوغاء في حربهم الشرسة ضد البشرية.
والمطلوب الآن وضع تعريف قانوني للغوغائية ومحاسبة المحرض على أساس أنه فاعل أصلي لا شريك، أيضًا مطلوب تراجع الأصولية حتى تتيح للدولة التقدم نحو السلام والحرية.