بقلم : مادونا شاكر
قابلت معها وجهاً لوجه وكان من دواعى سرورى أن أقابلها بعد إنتهاء القداس الإلهى .. وقد كنت فى غاية الشغف والتطلع لرؤيتها والتفرس فى وجهها وبالأخص نظرات عينيها لأنه من المعروف أن نظرات العينين تكشف الكثير من الحالة النفسية الداخلية للإنسان .. وتُظهر ما إذا كان هذا الشخص يتمتع بسلام قلبى
حقيقى أم يحاول التظاهر به .. فوجدت فيها إنسانة وديعة هادئة جداً يغمرها سلام عجيب يظهر من خلال بشاشة وجهها وإبتسامتها الرقيقة وترحابها بكل من يسلم عليها أو يلقى بتحية عابرة .. أنها زوجة القس المحبوس خمس سنوات ظلماً بسجن طره أبونا متاؤوس وهبة .. مددت يدى وسلّمت عليها وأنا لازلت شاخصة فى وجهها .. فشدت عليها مرحبة وكأنها تعرفنى من قبل .. ترحابها آعطانى دفعة لأسألها على الفور : كيف حال آبونا متاؤوس فى محبسه ؟ .. فآجابتنى ببساطة بإبتسامتها التي لم تفارق وجهها بأنه بخير وصحته تمام نشكر الله .. يبدو أنها معتادة على ذلك وتعودت أن يلتف حولها الجميع ليسألها عن حال أبونا !! .. لم أرد أن أطيل أو أثقل عليها بأسئلتى .. فسألتها بلطف مرة أخرى : هل يمكننا زيارة أبونا ورؤيته للأطمئنان عليه ؟ .. فقالت لى مبتسمة : لا ..لا يسمح لأحد بزيارته سوى أسرته فقط ولكنه يتمتع بتعزية كبيرة ويطمأنكم عليه آنه بخير ـ وفى رسالة قد شاهدتها معلقة على حائط مدخل الكنيسة التى يخدم بها قدس آبونا متاؤوس .. أرسلها هو نفسه من محبسه إلى شعب كنيسته الذى يحبه ويصلى من أجله كثيراً ..ويرفع كهنتها فى كل قداساتها صلاة خاصة من آجل آبونا متاؤوس حتى لو كانت بشكل يومى .. وفحواها عبارة عن مقدمة جميلة كتبها أبونا عن الميلاد حيث أرسل هذه الرسالة فى شهر يناير الماضى لهذه السنة .. ثم تلاها بتهنئة خاصة لشعبه بمناسبة عيد الميلاد .. وطلبه منهم الإطمئنان على آحواله .. فالله يسنده بتعزيات سماوية عظيمة .. وذكر فى رسالته أنه قام بزيارته وفد كبير من الأساقفة والمطارنة والكهنة أرسلهم قداسة البابا شنوده للأطمئنان عليه وتلبية إحتياجاته .. علاوة على أن الجميع داخل السجن يعامله معاملة جيدة .. وفى نهاية الرسالة كان أجمل توقيع يختتم به رسالته الجميلة أحبكم خادمكم متاؤوس وهبة .. عندما قرأت هذه الرسالة الرقيقة المعزية تكّون لدى إنطباع لم آتوقعه .. لأن الرسالة التى آرسلها
آبونا ليست مجرد رسالة يعزى بها شعبه الحزين عليه .. ويطلب منهم الصلاة من أجله لكى يرفع الله عنه هذه التجربة المريرة .. وإنما هي رسالة رجاء وفرح عجيب وأنه فعلاً سما فوق التجربة بقوة إلهية عجيبة لا يمنحها الله سوى لأولاده وخصوصاً وقت الكرب والضيق .. ودليل وبرهان آخر على أن الكنيسة لا تنسى أبنائها وخدامها الأتقياء .. وفى نهاية لقائى بزوجته الفاضلة الوديعة الشُجاعة طلبت منها إبلاغ سلامنا ومساندتنا لقدس أبونا متاؤوس .. وأن الرب قادر أن ينهى حبسه عن قريب ليعود لبيته وأولاده وكنيسته بسلام المسيح .. ثم ألقيت عليها تحيتى وتركتها وهى لازالت باشة الوجه سلامها يغمر كل من يتلامس معها أو يحييها حتى من بعيد .. تحية خالصة لهذه الأم الشجاعة الصامدة التي لم تهوى أو تهتز .. والتى قال الكتاب عنها وعن كل من تعيش ظروفها .. إمرأة فاضلة من يجدها فإن ثمنها يفوق اللآلئ .. كل سنة وحضرتك وكل الأمهات بكل خير .