بقلم: القس سامي بشارة جيد
إن يوم 18 مارس يدشن لبداية مسلسل أخر ضمن مخطط منظم، ويؤرخ لحقبة خطيرة في تاريخ العلاقات المسيحية الإسلامية، منذ أن وطأت أقدام العرب الغازين الفاتحين أرض المحروسة في القرن السابع الميلادي. ويبدو إن الغزو مستمر ولم يتوقف، وسيف عمرو بن العاص لا يهدأ ولا يشبع من دماء الأبرياء العزل، ولا يتورع أن يبث الرعب في قلوب الأطفال الضعفاء، ولا يخجل من خدش حياء النساء الشرفاء ولا يعبأ لدور عبادة أو صوامع مصلين أو بيع متعبدين أو أديرة رهبان.
فبداية من حركة أسلمة على كل المستويات بدءًا من جعل لغة الدواوين الرسمية اللغة العربية والقضاء على اللغة القبطية عبورًا بفرض الجزية على الأقباط الفقراء ونعتهم بأهل الذمة وتميزهم حتى في جعلهم لا يركبون الأحصنة بل الحمير، وفى بعض الأحيان أرغموهم على ارتداء زنار(حزام) أحمر حتى يسهل التعرف عليهم وصولًا إلى كتابة الديانة في البطاقة الرسمية وممارسة كل أنواع العنصرية والتمييز في الجامعات والجيش والوظائف الحكومية والحقائب السيادية ومجلسي الشعب والشورى. حتى وصلنا للحقبة الناصرية التي وضعت في أجندتها الخفية تهميش الأقباط وتأميم ممتلكاتهم وأطيانهم حتى هاجر بعضهم ومات البعض الأخر حزنا وكمدًا على ممتلكاتهم.
ثم جاءت الحقبة الساداتية التي حددت إقامة ممثل الأقباط في دير، وإطلاق العنان للجماعات الإرهابية التي تحالف معها رجل الحرب والحاصل على جائزة نوبل للسلام، فجمع بين النقيضين كعادة الإسلام دين الحرب والسلام والمسلمين دعاة السيف والتقية.
وفي قرنين متلاحقين وطوال ثلاث عقود تواصل مسلسل أو مخطط ذبح وإبادة الأقباط ابتداءً من الكشح وأبوفانا إلى نجع حمادي ومرسى مطروح، وصولًا إلى الخميس الأسود حيث قامت الدولة بجلالة قدرها مستعينة بقواتها المسلحة وجهازها الأمني الجبار، الذي يحكم قبضته الحديدية على كل بقاع المحروسة المنحوسة الموعودة بسيف عمرو وفقه الغزو وسنة القتل وشريعة الغاب ووهابية همجية انبثقت من أبار البترول ودول البترودولار، الذين يصرون على الجاهلية في مشهد لسباق الجمال وهم يركبون ما أبدعه صناع الحضارة والرقي من أحدث سيارات الجيب الأمريكاني في مشهد يجسم التناقض الشرقي والتخلف العربي.
فيأتي يوم العنف المجدول والإرهاب الذي تمارسه أجهزة الدولة، مستعينة بالمصفحات والمعدات الثقيلة وقوات مدنية وحربية ورجال مدججين بالرشاشات، كأنهم على لص خرجوا، ليقبضوا على رجل دين أعزل من كل شيء إلا شجاعة الأبطال وقوة إيليا النبي وبسالة يوحنا المعمدان، حاملًا صليب المسيح محتملًا عار المسيح هو وزوجته المخلصة وأطفاله، الذين لا يملكون إلا الدموع ونظرات الخوف وحسرات الألم والنحيب، في ظل غياب المؤسسة المسئولة عنهم والمنشغلة بأمور أخرى غير متابعة رعاية الكنائس والخدمة والكرازة بالإنجيل، وفى ظل انقسام طائفي حاد وتشرذم مذهبي لا يقل عنه حدة وضراوة وسكوت أهل الكنسية والمحافظة، المفروض علهم كردونًا أمنيًا مبرمجًا، قام بغلق كل المداخل المؤدية إلى داخل مباني وملحقات الهدف المراد هدمه في شبه مصيدة حربية وغزوة بربرية وهجمة تتارية.
قام المحافظ الإرهابي وعصابته الأمنية بحبس عشرين طفلة وطفل داخل قاعة الكنيسة في منظر يدمى القلب ويدمع العين، وقام رجال الدماء بسحل الراعي وجرجرته من سور الكنسية لأنه حاول أن يفدي تراب الكنيسة من أقدام الغازين الفاتحين أحفاد إسماعيل، رامي القوس ورجل الدماء ومرتاد الصحراء، وكذلك زوجته المخلصة التي حاولت الحفاظ على متعلقاتها الشخصية وأشيائها الخاصة وحرمتها كسيدة، ولكن كيف لها ذلك وهى تواجه من يعتبر المرأة متاعًا ومتعة، فهي نصف كائن وكيف تصون خصوصيتها وهي تحارب وحوش المينا وتجار الآثار وحماة العفة وسقاة الشرف؟! حتى هددوها بوضع طفلها الرضيع تحت عجلات البلدوزر، فما كان منها إلا الإذعان حفاظًا وخوفًا على فلذة كبدها.
وهذا اليوم بهذا الفعل يضع علامات استفهام كثيرة:
ماذا فعلت الكنيسة الإنجيلية في مصر حتى تشن ضدها هذه الحرب المسلحة وهذا الأسلوب، وهى من تستخدم أسلوب الحوار وترعى المواطنة وتخدم المسلم مع المسيحي في مدارس السنودس ومستشفيات الطائفة ومؤسسات المجتمع المدني في ربوع مصر، وتعقد الندوات التي تقدم التعليم والفكر والتنوير وتواجه الأمية والفقر، وتساهم في القضاء على العادات البالية والتقاليد التي كانت تشين المرأة بل والمجتمع المصري والعربي، من خلال الندوات والمؤتمرات الثقافية والفكرية والقوافل الطبية للقرى والكفور النائية والمحرومة. لماذا هذا الأسلوب العسكري في مواجهة مؤسسة دينية؟
لماذا هذا التمييز في المعاملة وعدم تعويض الكنيسة عن ممتلكاتها في حين تم تعويض الأطراف الأخرى؟
إن مصر إذا سقطت في مستنقع الإرهاب الوهابي المسلح، ستكون أخر بلد عربي من بين - اثنين وعشرين دولة - يقبع تحت نير السلفيين والأصوليين والوصوليين، بعد أن خنعت لبنان وقسمت السودان وأبيد المسيحيين من العراق.
ومن هذا المنطلق ووسط هذا المعترك أدعو كل الطوائف إلى الوحدة والتكاتف والصلاة والصوم وأدعو كل المسيحيين المصريين الوطنيين إلى وقفة سلمية حضارية للتعبير عن مدى الاستياء والألم والصدمة من هذا الحدث المسلح، ومناشدة كل الجهات المعنية ومنظمات حقوق الإنسان والجمعيات المهتمة بحقوق الأقليات والتحذير من هذه السابقة الخطيرة قبل أن تدشن لعنف متبادل وتفتح قاموس التطرف أمام دخول مفردات جديدة للحوار بين مؤسسات أمنية ودينية في مصرنا الحبيبة، التي نصلي أن تكون وتظل بلدًا لكل المصريين قبل أن يفوت الأوان ويفلت الزمام، لأن إلهنا نار آكلة وهو رب الجنود وديان الأرض كلها وحسب وعده – للكنيسة- كل آلة صورت ضدك لا تنجح وكل لسان يقوم عليك في القضاء تحكمين عليه (أش 54: 17 ).
وحسب ثقتنا في السيد المسيح المخلص وجسده التي هي الكنيسة فإن أبواب الجحيم لن تقوى عليها(مت 16: 18 ).
ماجستير في اللاهوت
راعي الكنيسة الإنجيلية