بقلم: ماهر ميشيل
في حديث بالعمل عن الحقوق وأخذها وإعطائها؛ قال أحد الزملاء إن والده – رحمه الله – كان يقول له: "قل الحق، وأعطِ الحق، وخذ الحق".
هذه العبارة الصغيرة تحمل حكمًا ومواعظ كبيرة، فما هي الحقوق؟ وكيف تؤخذ؟، وكيف تعطى؟، وكيف تقال؟.
الحق المطلق، في رأيي، هو الله شخصيًا، والحقوق هي ما أعطاها الله للإنسان أن يتمتع بها، كهبة من هبات (الحق المطلق) كالحق في الحياة، والمأكل، والمشرب، والملبس، والحرية، والتفكير، وحق تقرير المصير ... إلخ من الحقوق.
وبناءً على هذا التعريف والتقديم، نلقي بعض الضوء على عبارة: "قل الحق، أعطِ الحق، وخذ الحق".
أولاً: قول الحق
كثيرًا ما نتعرض لضغوط تجعل "كلمة الحق" ثقيلة وثمنها غاليًا، قد يصل هذا الثمن لتعريض حياتنا لمخاطر، سواء كانت هذه المخاطر جزاء إداري أو قصاص من أناس أشرار، أو خسارة مادية، أو خسارة علاقات.
ماذا ستفعل إذا مُورست عليك مثل هذه الضغوط لتقول عكس كلمة الحق؟ هل ستتجنب المخاطر؟ أم ستقولها "ورزقك على الله"؟؟
أعرف شخصًا عملت معه فترة من الوقت، كان يخاف من أن يُطلب للشهادة، ويخشى أن يخسر أي إنسان، ليس حبًا فيه لكن تجنبًا لشره – لئلا يؤذيه أو يؤذي أحد أفراد أسرته خارج العمل – لذلك كان يهرب من أن يشاهد أي مشاحنة داخل العمل، فعندما تحدث المشاحنة كان يترك المكان خشية أن يُستدعى كشاهد، ليتجنب خسارة أو عداوة زميله له.
وعلى النقيض، هناك زميل آخر شاهد موظفًا يعتدي بالضرب على رئيسه المباشر أثناء العمل، فقاوم الزميل هذا المعتدي مواجهة أمام الكل، على أنه يجب أن يحترم العمل، ويحترم القيم والمبادئ الإنسانية، وقال له ما معناه إنه لا يليق له أن يسلك هذا السلوك المهين مع أي زميل أو رئيس، ومن توابع هذا الموقف أنه تحول للشئون القانونية ليحقق فيه إداريًا، وهدد هذا المعتدي الزميل الشاهد لكي يقول أقوالاً غير الحقيقة، خصوصًا أن المعتدي قريب "اللواء فلان"، و"الضابط فلان"، لكن ما حدث أن هذا الزميل الأمين شهد أمام المحقق بكلمة الحق ولم يخشى تهديد المعتدي، وكانت النتيجة أن هذا الشاهد لم يؤذَ بأي أذى من أي نوع!!!.
حقا فإن:
الشاهد اللئيم يستهزئ بالحق وفم الأشرار يبلع الإثم. (أمثال 19 : 28 )
الشاهد الأمين لن يكذب والشاهد الزور يتفوه بالأكاذيب. (أمثال 14 : 5)
الشاهد الأمين منجي النفوس ومن يتفوه بالأكاذيب فغش. (أمثال 14 : 25)
فما هو نوع شهادتك، وهل تكتم شهادة الحق؟ أم تهرب من أن تقولها؟؟
ثانيًا: أعطِ الحق
لا تسلب أي حق من حقوق الآخرين كقاعدة عامة (كل الآخرين) وخصوصًا إن كان هذا الآخر يخص أرملة أو يتيمًا أو طفلاً، لأن الله بنفسه هو المحامي عنهم، فهو قاضي الأرامل وأبو الأيتام، وإعطاء الحق ليس فقط في الأمور المادية والميراث، لكن في التكريم، والمكانة، والدرجات، والترقيات، والمديح، والتشجيع، فأعطِ لكل ذي حق حقه.
حتى في العلاقة الزوجية "لا يسلب أحدكم الآخر حقوقه" لأنه إن حدث ذلك ستقع في شرك أن يُجرب شريكك من الشيطان، فلا تسلبه حقه عليك، تحت أي مسمى، إلا على اتفاق متبادل، والعودة لممارسة هذه الحقوق، ولا توضع هذه الحقوق تحت مسميات الثواب أو العقاب.
ثالثا: خذ الحق
وقف القديس بولس الرسول يُحاكم أمام الوالي وقال: «أنا واقف لدى كرسي ولاية قيصر حيث ينبغي أن أحاكم. أنا لم أظلم اليهود بشيء كما تعلم أنت أيضًا جيدًا. لأني إن كنت آثمًا أو صنعت شيئًا يستحق الموت فلست أستعفي من الموت. ولكن إن لم يكن شيء مما يشتكي علي به هؤلاء فليس أحد يستطيع أن يسلمني لهم. إلى قيصر أنا رافع دعواي».
كان لكل مواطن روماني الحق في رفع دعواه إلى القيصر.. وليس معنى هذا أن يستمع القيصر إلى الدعوى، بل إن هذه القضية ستنظرها أعلى محكمة في الإمبراطورية.. وقد رأى "فستوس" في استئناف بولس لدعواه طريقة لإبعاده عن البلاد وتهدئة اليهود..
كان بولس يعلم أنه بريء من الاتهامات الموجهة إليه وأنه يمكنه استئناف دعواه إلى محكمة القيصر.. فكان يعرف حقوقه كمواطن روماني وكرجل بريء، وقد تحمل بولس مسئولياته كإنسان روماني، ولذلك كانت أمامه فرصة لطلب حماية روما.
إن السمعة الطاهرة الجيدة والضمير النقي الناتجين عن سيرنا مع الله، يحفظاننا من الشعور بالذنب أمام الله، وأيضًا بلا لوم أو عيب أمام العالم. (التفسير التطبيقي).
ونجد في هذا المثال أن الرسول بولس لم يتنازل عن حقوقه كمواطن، واستخدم الطرق الشرعية لكي يأخذ حقوقه المدنية، التسامح ليس أن تترك حقك تحت وطأة وضغوط الظلم، لكن التسامح هو اختيارك للتنازل عن هذا الحق بكل حرية وليس عليك أية ضغوط (مش مضطر تسامح) لكن التسامح بكل حرية.
- خذ حقك كمواطن، في كل معاني كلمة المواطنة.
- خذ حقك في أرضك وحامي عنها من أن يحتلها العدو.
- خذ حقك كموظف، في الترقيات، والأجازات، والبدلات، والحوافز.
- خذ حقوقك، ولكن قبل أن تأخذها أعطِها وقبل أن تعطيها قل كلمة الحق.
حقا:
وتعرفون الحق، والحق يحرركم.