بقلم : القس أشرف شوق
يستحيل على المرء أن يلخّص-في عجالة- كل المفاهيم اللاهوتيّة والكتابيّة التي تحكم علاقة الكنيسة بالدولة، لكنني في هذه الورقة سأحاول أن أوجز رأيًاً للدكتور القس جون ستوت، قدّمه عند معرض شرحه لرسالة رومية ص13
1.مبادئ كتابيّة أساسيّة:
يلخّص ستوت رأيه في أن الدراسة الكتابيّة المتوازنة تساعدنا على تجنب التطرف، فلا نؤله الدولة (أي نرى أنها دائماً على صواب) ولا نشيِّطنها (أي نرى أنها دائماً على خطأ). إن موقف المسيحيين من الدولة يجب أن يكون دائماً موقف الاحترام المتحفظ. ثم يخلص ستوت إلى مبادئ أربعة:
أ. إن مصدر سلطة الدولة هو الله: ورغم ذلك لا يجوز أن نفكر في وظائف الدولة على أساس "السلطة " فقط، بل على أساس "الخدمة" أيضًاً، إذ أن غاية وجود الدولة هو تحقيق المصلحة العامة لرعاياها على أراضيها. وكذلك فرغم إيماننا أن سلطة الدولة هي بتفويض من الله، إلا أنها لا يجوز أبداً أن "تتغول" فتصبح سلطة مطلقة، فالسلطة المطلقة والعبادة يخصّان الله وحده. ينبغي أن نحترم الدولة، بصفتها مؤسّسة إلهية، لكن منح الدولة ولاء أعمى وغير مشروط هو نوع من عبادة الأوثان. لقد رفض المسيحيون الأوائل أن يدعوا قيصر سيداً، إذ أن ذلك اللقب يخصّ يسوع وحده.
ب.إن قصد الله من إعطاءه سلطة للدولة هو دعوة لها لكي تكون خادمة للبر، فتكافئ الصلاح وتعاقب الشر . ولاشك أن دور الدولة المعاصرة هو المحافظة على السلام، وتعزيز العدالة ، وحماية المساواة وحقوق الإنسان، والعناية بالفقراء....الخ، كما أن الدولة كخادمة لله يجب أن تعاقب فاعلي الشر وتقدّمهم إلى العدالة، وهي حين تمارس هذا الدور المزدوج يجب أن تمارسه في درجة كبيرة من حسن التمييز، أي بلا توزيع اعتباطي للامتيازات (عند الإجادة) أو ممارسة العقاب الجماعي (في حالة الخطأ أو كسر القانون).
ج.إن الدولة- في طريق ممارستها لسلطاتها- يجب أن تكون قراراتها خاضعة للتمييز أو الحكم، فاستخدام القوة والإكراه لحماية البريء ومعاقبة المذنب يجب أن يتم دون الوقوع في فخ "الاستخدام المفرط للقوة". إن رومية 13 التي ترخّص استخدام القوة لأجل صيانة المجتمع وحفظه لا يبِّرر أبدًاً الإجراءات القمعيّة التي تستخدمها الدولة البوليسيّة ضد مواطنيها.
د. إن الخضوع المؤكَّد عليه في رومية 13 ليس بغيّة تجنب القصاص فحسب، بل أيضًا من أجل الاحتفاظ بضمير صالح، فإظهار القدوة الحسنة، وأداء الضرائب العامة، والصلاة لأجل الحكام والمسؤولين تمثّل طرقًاً ثلاثة يعلنها الكتاب، ويشجّع بها المؤمنون الدولة على أداء واجباتها ومسؤولياتها المعطاة لها من قبل الله.
الدور الإنساني والمدني في حالة الإخلال بالعقد الاجتماعي:
ماذا ينبغي أن يفعل المسيحيون إذا أساءت الدولة استخدام السلطة الممنوحة لها من قبل الله، فبدأت تشجِّع الشر وتعاقب الخير؟!
ماذا إذا توقفت الدولة عن أداء دورها كخادمة لله وأصبحت خادمة للشيطان فاضطهدت الكنيسة عوضاً عن أن تحميها؟!
نجيب بأن على مؤمني الكنيسة –مع ذلك- أن يحترموا الدولة بقدر ما يجب على الأولاد أن يحترموا والديهم الأشرار، لكن لا يُطلب منهم الخضوع الخانع. إن الرسول هنا لا يقدّم أي تشجيع للحكم الاستبدادي فمن واجبنا أن ننتقد ونحتج ونتظاهر، وأن نحاول إثارة الشعور العام. بل وأكثر من ذلك، ففي المواقف المتطرفة، يتعين أن نقاوم إلى حد العصيان الذي –ربما- يخالف القانون. إن العصيان المدني بالحقيقة، هو مفهوم كتابي احترمه -على الخصوص- دانيآل ورفاقه في العهد القديم، ومارسه الرسل بولس وبطرس ويوحنا في العهد الجديد. يجب أن يتوقف خضوعنا للدولة عند الحد الذي تصبح عنده طاعتنا للدولة عصيانًاً لله. ففي حالة كهذه يصح عندئذ تطبيق المبدأ الكتابي" ينبغي أن يُطاع الله أكثر من الناس"(أعمال29:5).
ثم يقدم الدكتور ستوت خمسة مبادئ يجيز معها التمرد (وهي درجة أعلى من العصيان المدني) حال توافرها:
1. العدالة: حال الحاجة إلى الإطاحة بحكم مستبد وشرير بصورة واضحة.
2.الكبح: كأن يكون التمرد بمثابة محاولة أخيرة بعد استنفاذ كل الخيارات الأخرى.
3.التمييز والتحكم: فلا يجوز استخدام القوة المفرطة أثناء التمرد.
4.النسبة والتناسب: إذ يجب أن يكون الألم الناتج عن التمرد أقل من الألم الناتج عن الخضوع لهذا النظام.
5.الثقة: أي توقع نجاح التمرد بصورة معقولة وغير مبالغ فيها.
أخيراً يعلق ستوت قائلاً :" إن تطبيق هذه المبادئ، وفقاً لما يمليه الضمير المسيحي، سيجعل خطوة التمرد العنيفة أمراً نادر الحدوث".
وللحديث بقية