بقلم : القس/ سامي بشارة جيد
سميت مدينة(محافظة الأقصر حاليا) بهذا الاسم نظرا لوجود عدد كبير من القصور فهي تعد اكبر مدينة سياحية في العالم تجمع بين ربوعها ثلث آثار العالم. وأثبتت أزمة الأقصر إن أسلوب تعامل المؤسسة الدينية لا يختلف عن أسلوب تعامل المؤسسات الحكومية فنفس العقلية التي تتبنى التعامل مع الجزيئات دون الكليات أو بمعنى ابسط التعامل المرحلي وليس الكلي وفى علم إدارة الأعمال يوصف هذا الأسلوب بالتخطيط قصير الأجل في أزمة أو كارثة أشبه بحرب الاستنزاف كان لابد من التعامل معها بطريقة التخطيط الاستراتيجي اى هناك قرارات قبل وإثناء وبعد ألازمة بعقلية جمعية وليست جزئية, كلية وليست فض منازعات لا تختلف عن مجالس العرب العرفية ومن جهة أخرى ظهر "لاهوت الأزمة" أو "اللاهوت الجَدَلي" للاهوتي السويسري كارل بارث (Karl Barth) وذلك كردة فعل على الحرب العالمية الأولى، أراد بارث العودة إلى أصول العقيدة الكتابية مع التركيز على أولية الكتاب المقدس دون أن يرفض نتائج النقد الكتابي. فإدارة ألازمة تتطلب أن نسأل أسئلة حول المستقبل وان نلاحظ التعامل مع الأمور التالية:
1- عامل التوقيت:
تماما مثلما تتعامل الحكومة المصرية وكل مؤ ساستها على أساس سياسة إطفاء الحرائق مع إغفال ضرورة وجود نظام أمنى يكفل تلافى حدوث الحرائق أو على الأقل قادر على التنبؤ بها وتقليلها, تعاملت الطائفة مع أزمة هجمة الأقصر الهمجية فانتظرت أكثر من سنة (ثلاث سنوات) تفكر وتفكر وتدرس وتحلل وتكون لجنة لتنبثق منها أخرى. وتكمن خطورة غزوة الأقصر في أنها حادثة غير مسبوقة بعد مذبحة نجع حمادي ليلة عيد الميلاد وكما تعودنا من جراننا وشركاء الوطن بهدية غير مقبولة في كل عيد. أيضا تمثل أول اعتداء على كنيسة إنجيلية مشيخية معروفة بالانتماء الوطني وشريك فاعل في التنمية وتطوير المجتمع المصري والعربي من خلال عمل ونشاط الهيئة الإنجيلية للخدمات التي لها دور رائد في مساعدة منظمات المجتمع المدني حتى أن الجميع يذكر إن رئيس الطائفة السابق الدكتور صموئيل حبيب تبرع بمبلغ كبير كمساهمة في بناء احد المساجد فاتت المكافأة ورد الجميل من محافظ الأقصر الاخوانى بعد رحيله ببضعة عقود بهدم مباني كنيسة إنجيلية بما يساوى نصف ملايين الجنيهات في مشهد مأساوي يصدر هذه المرة ليس ضد الأفراد بل ضد الممتلكات وليس من قبل جماعة إرهابية متطرفة بل من قبل قيادة سيادية مما يشكل منعطفا خطيرا ويطفى ظلالا كئيبة على المستقبل وخاصة ومصر تمر منعطف سياسي خطير نظرا للانتخابات الرئاسية في العام المقبل وتردد نغمة التوريث أو دخول وجه جديد أشبه بدخول اوباما الأسود البيت الأبيض تحت مظلة التغيير أو السيناريو المفزع ووصول الإخوان إلى سدة الحكم وتحقيق حلم تطبيق الشريعة وتدشين أمل العودة إلى فقه الخلافة الإسلامية وعصر الفتوحات.
2- مستوى التعامل:
وبين التدوال والتباحث وعدم قانونية التفاوض وجد راعى الكنيسة وزوجته وأبناءه ذات صباح لم تشرق له شمس ولن تغرب في ليل بارد طويل ونهار حار زمهرير بلا سكن ولا وطن ولاسند ولاسنيد ولا معين ولا قرين ليواجه مصفحات ومدرعات الأمن المركزي وجحافل عسكر مدربين مدججين وهولا يملك إلا جسده البسيط حتى يقدمه قربانا على سور الكنيسة فكانت الغلبة للعدد والعدة والكثرة التي غلبت الشجاعة واستيقظت ألام على صوت من ينتهك حرمتها ويهددها بان يضع طفلها الرضيع تحت عجلات البلد وزر في مشهد من مشاهد بلاتوهات مدينة الإرهاب الاعلامى كلاكيت ليس أخر مرة فمسلسل ذئاب المدينة ما يزال مستمرا. وكل ما جري ويجري الآن هو محاولة تقليص الخسارة إلى ادني حد ممكن على أساس مبدأ تقليص الندم وليس انتفاضة حتى سلمية أو شجب اوحتى استنكار بل صيغ البيان الرسمي الصادر عن المؤسسة العليا في صورة انتقاد وكان جل المطالب هو الاعتذار سواء من المسيء أو المساء إليه في شبه جلسة عرفية صفوية مما يبرز إن هناك فجوة كبيرة بين الطائفة والسنودس والمجمع والكنيسة المحلية والقاعدة الشعبية كجماعة ذات تأثير فلم يتم استثمار الحدث بالقدر الكافي بما تناسب مع الخسائر المأهولة ماديا ومعنويا داخليا وخارجيا بل استأثرت الصفوة به واستثمرته بما يتناسب مع الأجندة السياسية ليس إلا فأين التحرك الجماعي التعبوي؟ على الكنيسة أن تواجه كذب وافتراء المحافظ وعليها أن تستخدم كل السبل لإيصال هذا الحادث المخجل من جهات الدولة الرسمية بالتعامل بهذه الهمجية مع أملاك الكنيسة ومع مواطن مصري ورجل دين محترم في مهانة وقهر وتجاه زوجته بانتهاك حرمتها وخصوصيتها ومع أطفاله بهذه الطرقة المخجلة والمخلة بالتهديد ومع عشرين طفل في سن الحضانة الحبس وتحت حصار وتهدد السلاح مما يتنافى مع ابسط أصول وعادات وتقاليد المجتمع المصري والعربي.
3- حجم التأثير: كيف نرى المستقبل؟؟؟
لو استمر الأمر على هذا الحال ولو بقيت الأمور على نفس المنوال فلن يكون إلا الضياع ولن نحصد سوى الزوال ولن نجنى غير الاندثار, فنحن لسنا أفضل حالا أو في موقف أقوى من لبنان أو السودان أو العراق أو أية دولة عربية أخرى. علينا إن نفكر بمصير أولادنا وأحفادنا ويجب أن نرى الأمور بعيون الغد وما يحمله من تحديات واضعين في الاعتبار إن المواقف السياسية لا تفيد إلا أصحابها ولحين من الوقت ولا ننسى أن بن لادن صناعة سياسة امريكية وان الساسة لا دين لهم إلا المصلحة والجار القريب خير من الأخ البعيد. في رايى المستقبل في البلاد العربية والإسلامية محفوف بالمخاطر على اى شخص أو جماعة تختلف معه حتى في الراى أو الفكر داخل إطار الدين الواحد. يؤسفني إن أكون متشائما لدرجة ليست قليلة من ناحية العقلية الماضوية وان ابدوا أكثر تشاؤما من مخططات الهلال الخصيب وأجندة الخليج الفارسي ومنحنى تقارب وتماس مصالح الدول المارقة والمتطرفة في الشرق الأوسط وتوجهها إلى التسلح. إن حجم ومدى تأثير جماعات الضغط السلبية في العالم لهو في اضطراد وان الشر والفساد لفي نمو وتصاعد وكما يقول المثل إن نجاح الأسرار راجع لأنهم متحدون وان فشل الأخيار بسبب كونهم يعملون كل واحد بمفرده فالديموقراطية التي قام عليها الإصلاح تقتضي إعطاء الفرصة للقاعدة العريضة من الشعب على أساس عقيدة كهنوت جميع المؤمنين وتأصيلا للحكم الصالح.
4- هل ما حدث بداية مخاض لتكوين جماعة ضغط مؤثرا؟
دعونا لا نبخس قيمة الجهود الحثيثة التي قام بها نائب رئيس الطائفة والجهود المضنية المتأنية التي فعلها رئيس السنودس ونصلي بحرارة وبقلب ملتهب أمام عرش النعمة من اجل لقاء 31 – 3 بالأقصر وأطالب كل الكنائس المصرية أن تتوحد في الصلاة والدعاء كما توحدت في البكاء والرثاء يوم عيد الميلاد الماضي عندما امتدت اليد الآثمة على شباب كنيسة السيدة العذراء بنجع حمادي وحصدت ستة من زهورها اليانعة. الغريب هذه المرة أن قصة التعويضات برمتها متكفل بها منظمة اليونسكو ودافعة للحكومة المصرية ما يعادل 60 مليون جنية مصري فهل يدفع الفاتورة الأقباط والذين ليس لهم ظهر في دولة الظلم والتمييز والقهر؟ فالسكوت ليس دائما من ذهب والساكت عن الحق شيطان اخرس ولا يضيع حق وراءه مطالب فأين العدل في تعويض أفراد وفنادق وبناء مساجد جديدة قبل حتى إخلائها؟ إنها سياسة الكيل بأكثر من مكيال وكما تكيل سوف يكال لك وان ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضا ولدينا مثلا اللوبي الصهيوني الفاعل في العالم كله! وعندنا جماعة الإخوان المحظورة لكن لها إنجازات في مصر! بعيدا عن فكرة تكوين حزب سياسي من منطلق ديني أو المغالاة في الذهاب بين طرفي نقيضين بطرح فكرة جماعة الإخوان المسيحيين أو إقامة الدولة المسيحية. لابد من عمل شيء ولابد من وضع تصور ولابد من صياغة قضية ولابد من تبني هدف ولابد أن يكون هناك تحرك ناحية المستقبل. تحرك جماعي وشعبي عن طريق فضائية إعلامية تعبر عن نبض الكنيسة الإنجيلية وليس لمصلحة أفراد بعينهم اومشروع جماعي يحرر الرعاة والخدام من عدم الاستقلالية والاعتماد على مراكز القوى بالكنائس حتى يكونوا عقل الجماعة الواعي وقلب الكنيسة النابض وتدفع بالأفراد إلي التعبير عن ضرورة الحرية وأهمية المطالبة بالحقوق الإنسانية ورفض الظلم والتمييز والسكوت الخانع المذل والمهين للنفس الإنسانية والذي يقتل الإحساس بالحياة ويخنق الإبداع ويجرم الانخراط في مفردات الحياة اليومية ويجعل من المسيحيين رهبانا خارج أسوار الأديرة وأسرى داخل أسوار الكنائس. انه المستقبل وإذا تعلق الأمر بالمستقبل فإما أن نكون أو لا نكون. من المهم أن ندرك حقيقة بديهية إن التفكير في المستقبل لا يجب أن يخص طائفة أو مذهب بطريقة فردية بل يذهب إلى ابعد من ذلك بكثير: إلى حالة من الحراك الجماعي لكل مسيحي في مصر! أنها مأمورية عظمى ! فنار الاضطهاد تحرق الكل وسيف بن العاص لا يميز بين طائفة وأخرى أو مذهب وأخر ويد الفتوة تطال الجميع ولكن وعد الله أكيد وهو قريب "لي النقمة أنا أجازى يقول الرب".