بقلم: القس سامي بشارة جيد
قال أحدهم "أسوأ ما في الحياة أن يموت داخلك شيء وآنت حي"، فعندما يضيع الأمل يهون كل شيء ويكون الموت هو طوق النجاة من بؤس حياة بلا رجاء.. وعلى النقيض من ذلك يذكر رولاند شيا "إن الرجاء المسيحي ليس مؤسسًا على الثقة بالنفس أو الثقة الجنس البشري. إنما الرجاء المسيحي مؤسس على الله".. لقد ظل الموت بالنسبة للإنسان لغزا محيرًا بالرغم من أن الإنسان في أحيان كثيرة استطاع أن يتعامل مع معضلة الحياة بالرضا أو بالتمرد، بالقبول أو بالعدول بالاقتناع أو بالنفور.

 وكما يُقال تتعدد الأسباب والموت واحد، فالقبر باب وكل الناس تدخله والموت كأس وكل الناس تشربه، ولقد استطاع الإنسان أن يجد لكل مشكلاته حلاً ولكنه لآلاف السنين لم يجد لمشكلة الموت حلاً، حتى جاء السيد المسيح إلى عالمنا ومعه الحل لمشكلة الخطية التي أنتجت الموت وفتح الباب أمام الإنسانية نحو الخلود عندما أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل ذلك الخبر السار الذي أعلن الله فيه عن عهده الجديد مع الخلقية الجديدة بيسوع المسيح معطي الحياة الذي نثرر بزار الأمل في حياة كل من تقابل معه وغرس أشجار الرجاء حتى في القلب المجدب وبث أشعة النور في صدور أولئك الذين ضاقت بهم سراديب الحياة عندما أتى ليكون لنا حياة، فهنا المعنى الغني للحياة في ملء إرادة الأب، وهنا الهدف في الحياة في ملكوت ابن محبته.. لقد صنع المسيح فرقا في نوعية الحياة التي يحياها كل من قبله فاديًا ومخلصًا؛ إذ نادى بأفضل حياة فليست كل الحيوات سنين وساعات بل في اختبار حضور الله في كل لحظة ولحيطة في رضا وسلام وحبور.

 إن قلب الحياة هي حياة القلب، فلقد أوجد السيد المسيح نقلة نوعية في نوعية الحياة التي نحياها لله إذ ركز على الداخل وليس الخارج، فالنقاء داخلي والسجود لله الروح والحق والتدين قلبي والعلاقة مع الله شخصية بعيدًا عن المظهر الخداع أو النفاق الأخاذ وعن شكليات فروض وطقوس لا تشبع نفس ولا تسد رمق. إن قلب تعاليم يسوع وعمق ما نادى به الإنجيل هو ما يتعلق بالخلاص بالنعمة والتبرير بالإيمان "بالنعمة انتم مخلصون بالأيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله... ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد" (أف 2: 8 ) إذ أخطأ الجميع وأعوزهم مجد الله.. هذا ما أكده الله حينما أرسل ابنه ليخلص العالم وهذا ما عمله يسوع حين مات نيابة عن خطايا العالم وهذا ما برهنته قيامة السيد المسيح فالحياة الأرضية تبدأ بالميلاد ولكنها في الحياة مع المسيح تبدأ بالقيامة من الموت الروحي والحياة في قلب الحرية حرية مجد أولاد الله حيث انطلاق الروح من حصن الجسد وسمو النفس فوق سجن البدن.

الحياة مع المسيح تبدأ من القبر الفارغ حيث لا جسد ولا أغلال الجسد ولا وجود لقيود المادية من مصادر أرضية بل قوة جديدة متجددة من منابع سماوية إلهية تغذي العقل وتطير الروح فوق أرض واقعية في صبر ومواجهة وحل للصراع لا في غيب أو خدر أو خيال لكن في اجتهاد ومثابرة وتوتر خلاق.. لقد صنع يسوع من الشوك تاج حب، ومن حسك الخطية تين شفاء ومن عصير الخيانة فرصة للصداقة ومن حجر الرجمة حصن دفء وبرج سكن.. لقد حول السيد المسيح عتمة القبر إلى نور رجاء سعيد وبرودة الموت إلى دفء أمل مجيد وترجم عجز النهاية إلى بدايات بدون نهايات.
ففي قيامة السيد المسيح نسيج جديد لحياكة كل ما هو جديد وفرصة لبداية أخرى وليست أخيرة، فأين شوكتك ياموت ويا هاوية أين غلبتك، لقد قام يسوع ناقضًا أوجاع الموت إذ غلب بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس.

لقد قام وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات ولقد قام كما قال وإن كان قد قال فقد صدق لأنه فعل ما قد قال.. لقد قام المسيح وصار باكورة الراقدين فلن يكون للموت سلطان فما بعد، ولن يكون بكاء فيما بعد ولن يكون حزن أو وجع أو خوف أو ألم بل مسرة وفرح وسلام كما وعد وكما وعد أوفى، وكما أعطى فزاد بل فاض وكفى.. لقد بدل فجر القيامة المشرق ليل الصليب الحالك وفتح صبح القيامة باب الأمل المغرق ونزع نور القيامة فتيل الظلام المطبق.. لقد نادى يسوع لعازر من قلب الموت بقوة واقتدار "لعازر هلم خارجًا" وأقام ابن أرملة نايين بعطف وانتصار كما أقام طابيثا بثقة واستئثار وأقام ابنة يايروس بلمسة أب غفار وفي كل لحظة يقيم يسوع كل من يقبلة ربًا ومخلصًا. حقا يسوع يُخرج حياة حتى من قلب الموت.