حِماية دور العبادة في بلاد الشرق
بقلم - مهندس عزمي إبراهيم
القيام بحماية دور العبادة من أعمال الأشرار الإرهابيين والمتطرفين والبلطجية والغوغاء المأجورين واجب أمني يُشكَر عليه رجال الأمن بلا شك. ولكن نظرة واقعية إلى دواعي حماية دور العبادة هي ما دفعتني لكتابة هذا المقال.
عارٌ ومخزاةٌ أن تحتاج دور العبادة التابعة لأي دينٍ وأي عقيدةٍ، في أي بلدٍ، وفي أي وقتٍ، إلى حماية برجال أمن مكلفين من أمن الدولة، أو برجال مدفوعين بنخوة الشهامة والإنسانية. وخاصة في ليالي وأيام الاحتفالات بالمناسبات والتجمعات الدينية والاجتماعية كالأعياد والأفراح. وبالأخص في أوقات الصلاة والتسبيح والتقديس ورفع الرجاء للـه ساكن السماء، وخالق الأرض بكل ما فيها ومن عليها من مسلمين وغير مسلمين.
عارٌ مشين أن تحتاج دور العبادة التابعة لغير المسلمين إلى حماية الأمن في "ديار الإسلام" كما يَحلوا لبعض المسلمين تسمية أوطانٍ مواطنوها يعتنقون أدياناً وعقائداَ غير الإسلام، ومنهم من هم أصحابها الأصليون. وليس ذلك بمصر فقط، بل في "جميع" بلاد الشرق التي غزاها العرب واستعمروها. أوطان يلقبها المسلمون بـ "ديار الإسلام" لمجرد أن اغتصبها العرب المسلمون قسراً، أو لأن حكوماتها تطبق الشريعة الإسلامية على مواطنيها قسراً، أو لأن الأغلبية بها مسلمون. وليس أيّ من تلك الأسباب يُحِل تسميتها بذاك الآسم الذي يدل على "احتكار الأوطان" لفصيل ديني واحد مهما كان أغلبيته!!
نعم، إنه عارٌ وألفُ عارٍ أن يحتاج الأقباط، أبناء مصر، المُصَلون بالكنائس ودور الخدمات المسيحية بمصر إلى حماية. وأن يحتاج أطفالٌ مصريون يمرحون في براءة في فناء كنيستهم، أو يلعبون في ملعب بجوار كنيستهم إلى حماية. فرغم التقدير والشكر لمن يقوم بذلك العمل الإنساني، إلا أنه عارٌ مشين في جبين المسئولين تشريعياً وأمنياً وقضائياً بمصر، وعارٌ مشين في جبين المسلمين والقائمين عليهم دينياً أن "تحتاج" دور العبادة من أي دين وأي عقيدة إلى حماية. فهذا دليل على خواء ذاك البلد، ليس فقط من الأمان، بل أيضاً من الإنسانية والمواطنة الحقّة، بل ومن مبادئ الدين السامية وأهمها الإرشاد بحسن الجوار والمواطنة والإخاء بين المواطنين!!!
نعم، أنه دليل "تقصير جسيم" من المسئولين عن التشريع "أصلاً" لِعَدَم إقرار المبادئ الدستورية والقوانين العادلة والمساوية للمواطنين من كل عقيدة دون لبس أو تمويه أو تأويل، أو ترك الأمر لتفسيرٍ على هوى المُفَسِّر. وهو أيضاً "تقصير جسيم" من الأمن والقضاء لعَدَم تنفيذ العقاب الحازم على كل من يقوم بأعمال العنف والحرق والتفجير على أتباع ومقدسات الآخرين، وعدم محاسبة كل من يُحَرِّض على ذلك. كما أنه دليل "تقصير جسيم" من كهنة وشيوخ الإسلام لِعَدَم أصدار "تحريم ديني قاطع صريح" لهذا الفعل اللا إنساني واللا ديني!!!
يقول فقهاء الإسلام بفم وفكرٍ مِلئهما البغضاء والإغتصاب والدموية والـلا إنسانية أن "أهل الكفر هم أهل أى ملة لا تدين بدين الإسلام، حتى ولو كانت يهودية أو مسيحية، فهى أيضا "ديار كفرٍ" أو "ديار حرب"، يأمرنا شرعنا الحنيف بقتالها والإستيلاء عليها لنشر دين السلام والسماحة والرحمة." أقول لهؤلاء لقد جاهدتُ البحثَ والتمحيص في هذه الفقرة فما وجدت طعماً لسلامٍ أو روحاً لسماحةٍ أو لمسة لرحمةٍ!!! كما لم أجد ديناً على سطح الكرة الأرضية يدفع تابعيه بمثل هذه الأقوال العَدائية العُنفوية بل الدموية ضد أقوام مسالمة اُغتِصِبَت بلادهم عنوة وقسراً.
ولا يخفى على أحد أن هذا القول من فقهاء الإسلام مثله من الأقوال كثير. وهذا هو نبع البغضاء والتطرف والإجرام وسفك دماء الأبرياء الذي ينهل منه الوهابيون والأخوان وحماس والقاعدة وداعش وغيرهم كثير أيضاً. وما قيام الأخوان بتدمير وحرق أكثر من مئة كنيسة بمصر في ظرف ثلاثة أيام بعد فض اعتصام رابعة دون ذنب للمسيحيين الأبرياء إلا خير دليل على ما يحدث في "ديار الإسلام نتيجة لأقوال فقهاء الإسلام ومن يُسَمّونهم علماء!!! وأيضاً ما تفعله داعش بشمال العراق وسوريا من تدمير الكنائس والأديرة المسالمة وسلب أموال المسيحيين واغتصاب أملاكهم وطردهم من أوطانهم.
لا يمكن إنكار أن أعمال العنف والحرق والتفجير والفوضى على المسيحيين المسالمين بمصر ودور عبادتهم هي واقع ملموس منذ أن دخل الإسلام مصر باستعمار العرب لها. والغريب والمؤسف أن العديد العديد من تلك الأعمال المشينة والدموية انبعثت لهباً حارقاً مدمراً من داخل دور عبادة المسلمين!! وبالذات بعد صلاة الجمعة وبعد سماع الخطاب الديني المُلهِب لمشاعر البسطاء والمأجورين وأتباع المغرضين. وأقربها في مشهد كاد أن يكون روتيني يتكرر ويُتوقع أسبوعياً لفترة طويلة في الأعوام القليلة الماضية!!!
وعلى النقيض مما يسمونها "ديار الإسلام" أمامنا ما يسميها المسلمون "ديار الكُفر" و"ديار الكفار". وأسميها بجدارة واستحقاق "ديار النور والإنسانية". وأقصد بذلك دول أوربا والصين والهند واندونيسيا واليابان وأمريكا وكندا واستراليا والبرازيل والمكسيك وغيرها. دولٌ بها مساجدٌ "مَصُونة" للمسلمين، والمسلمون دخلاءٌ على تلك البلاد. بل والفاتيكان مركز المسيحية الكاثوليكية وإسرائيل التي يعتبرها المسلمون عدوهم الأول، بهما مساجدٌ "مَصُونة" للمسلمين. ولا تحتاج تلك المساجد في كل تلك البلاد جميعاً لحمايتها برجال الأمن.
فـ "حكومات" تلك البلاد لا تُطبِّق تقاليد الجاهلية، وعدالة القبيلة البدوية، أي عدالة الدين المتطرفة المتعصبة لدينٍ بعينه بل لمذهب بعينه من ذاك الدين، دون باقي الأديان والعقائد، وحتى المذاهب الأخرى من ذات الدين!!! حكومات تلك البلاد الحرة المتقدمة، المبدعة والمنتجة، يحكمها القانون المدني المُرسَى على عدالة الإنسانية المساوي لجميع المواطنين بها، بل والوافدين عليها من كل صوب ومن كل دين ومن كل عقيدة.
أما "شعوب" تلك البلاد، فهي شعوبٌ سَمِحة مضيفة مُرَحبة، راقية واعية مستنيرة، ناضجة العقل والضمير والفكر والرؤى. شعوب حرة تقودها القوانين المدنية العلمانية لا قيود الدين. ومع ذلك تحمي جميع الأديان والعقائد وتحترم مقدسات الآخرين ولا تسمح بالتعدي عليها، وذلك لسببين.
السبب الأول، هو أنه لا خوف لديهم على عقائدهم من عقائد الآخرين!! ورغم تقدمهم وتفوقهم الذي لا يُنكر، لا يتشدقون بأنهم "الأعلون"، كما يتشدق المسلمون في "ديار الإسلام" وهي متقوقعة في قاع قائمة الأمم.
والسبب الثاني والأساسي، هو إيمانهم العميق بـ "الحرية". فالكل حرٌ فيما يعتقد. وكأنهم يؤمنون بما قال كتاب المسلمين: "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". ولكن يبدو أن المسلمين لا يؤمنون بما جاء في كتابهم!!!
أما آن للشرق أن يُصلِح من أموره؟؟؟
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :