بقلم: جرجس بشرى
تؤكد الوثائق والكتب التاريخية أن أقباط مصر نبغوا في كافة العلوم والصنائع والفنون، الأمر الذي دفع كثير من الحكام إلى اللجوء إليهم في هذا الشأن، وتؤكد مصادر تاريخية أخرى أن مهارة الأقباط ونبوغهم كان سببًا من أحد أسباب تقليل حدة الاضطهاد الواقع على أقباط مصر في وقت بعض عهود الحكم الإسلامي  لمصر.

ولعل الشخصية التي اكتب عنها اليوم تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على عظمة القبطي المصري ونبوغه وعبقريته العجيبة في فن الهندسة المعمارية، لدرجة أن أصبح رمزًا من رموز الفن المعماري وذلك بحسب شهادة المؤرخين المسلمين أنفسهم أمثال المقريزي وعبد العزيز جمال الدين وغيرهم.
فالشخصية القبطية التي نتحدث عنها اليوم هي شخصية  المهندس القبطي سعيد ابن كاتب الفرغاني، الذي كان مُعاصرًا للخليفة احمد بن طولون وتقول المصادر التاريخية أن المهندس سعيد بن كاتب الفرغاني قد صمم مقياس النيل بالروضة لتوصيل المياه إلى المدينة التي بناها الخليفة احمد بن طولون.
وكانت القناة التي شيّدها المهندس القبطي محل إعجاب ودهشة الجميع؛ إلا أنه لسوء الحظ بينما كان ابن طولون يتفرج عليها عثر حصانه بكومة تراب أهمل العمال في نقلها فغضب على الفرغاني وألقاه في السجن؛ كما تؤكد المصادر التاريخية على أن ابن طولون قد فكر بعد ذلك في بناء جامع يكون أعظم ما بني في مصر من الجوامع، بحيث يقيمه على 300 عمود من الرخام، فقيل له إن مثل هذا العدد من الأعمدة لا يمكن الحصول عليه إلا إذا هدمت كنائس ومعابد النصارى.سعيد ابن كاتب الفرغاني.. المهندس القبطي المُبدع!

وحدث يومًا وكان بن طولون يسمع القرآن وعلم بعدم جواز استعمال أدوات مسروقة في بناء الجوامع فشق ثيابه وصاح قائلاً: "أنه يستحيل عليّ تشييد الجامع بدون نهب مواده من الكنائس، فإني ما سمعت من يوم وجودي أن جامعًا بُنيَ دون أخذ أعمدته من كنائس المسيحيين.
وحيث أنه لا يمكنني إلا مخالفة هذا الأمر فسوف أخالفه واستغفر ربي عن هذا الذنب إن لم يكن بناء الجامع كافياً للغفران"!
وحدث في هذه الأثناء أن المهندس القبطي سعيد بن كاتب الفرغاني قد علم وهو في سجنه عن رغبة الخليفة ابن طولون في بناء الجامع، فكتب الفرغاني إليه وهو في سجنه يقول له أنه قادر على إتمام بناء الجامع بغير احتياج لأكثر من عمودين يجعلها في القبلة، فلما قرأ ابن طولون رسالة المهندس القبطي تذكره وأمر بإطلاقه من السجن واستحضره أمامه وعهد إليه في بناء الجامع بالكيفية التي رسمها، فشيد سعيد بن كاتب الفرغاني الجامع دون أن يُسلب له ولا عامودًا واحدًا من الكنائس.
بل كان يوجد في الكنائس قديمًا حوض ماء للاغتسال في يوم خميس العهد فكان المسلمون ينقلون هذه الأحواض إلى المساجد لتكون لهم "ميضة " للوضوء!
فقام المهندس القبطي بصناعة ميضة جميلة لجامع بن طولون، وقرر ابن طولون وقتها مكافأة المهندس القبطي فقرر له راتبًا يتقاضاه طوال حياته كما خلع عليه خلعة فاخرة، غير أنه فيما بعد ألزم المهندس القبطي باعتناق الإسلام فرفض فأمر بقطع رأسه.

وقد حاول البعض نسبة بناء جامع ابن طولون إلى مهندس شيعي من العراق إلا أن هذا القول لا تسنده الأدلة والوثائق التاريخية، حيث جاء بالموقع الاليكتروني لمنتدى المهندسين العرب وتحت عنوان "مسجد ابن طولون لا تأتي عليه النار ولا تهدمه الفيضانات": أن مسجد ابن طولون شاهد حقيقي ومؤكد على فن وحضارة إنسانية مرتفعة شهدها هذا المكان، وبحسب الموقع الإليكتروني الذي أشرنا إليه قال هشام خطاب وهو مقيم مشاعر بمسجد بن طولون، طلب أحمد بن طولون من احد المهندسين الذي يرجح أن يكون عراقيًا أن يبني مسجدًا لا تأتي عليه النيران أو تهدمه الفيضانات فإن احترقت مصر لم يحترق وإن غرقت لم يغرق.
فحقق المهندس رغبة بن طولون وبنى هذا المسجد العظيم من الطوب الأحمر ورفعه على أساسين من نفس النوع ولم يدخل في بنائه أعمدة الرخام سوى عمودي القبلة لأن الرخام لا صبر له على النار.

وتشير اللوحة التذكارية بالجامع أنه فرغ من بنائه سنة 878 م وقد استغرق بناؤه عامين، ومن المؤكد أن نسب بناء الجامع إلى مهندس عراقي ما هو تزوير للتاريخ وتحريفًا له لأن الوثائق التاريخية تؤكد على عبقرية المهندس القبطي في بناء هذا الجامع باستخدام نظرية الحوائط الحاملة التي لم تكن معروفة من قبل.
ويشير منتدى المهندسين العرب في موقعه على شبكة الانترنت نقلاً عن المؤرخ الإسلامي المقريزي أن أحمد ابن طولون أخذ المهندس سعيد بن كاتب الفرغاني إلى أعلى  الجامع وعرض عليه الإسلام فأبى القبطي الغيور.
فما كان من أحمد بن طولون إلا أن ألقاه من فوق القصر ومات شهيدًا.

وقد أشار المؤرخ عبد العزيز جمال الدين في كتابه "المسيحية في مصر" أن المهندس القبطي سعيد بن كاتب الفرغاني هو الذي تولى في عهد بن طولون بناء مقياس النيل ونفذ جامع بن طولون بتقديمه فكرة معمارية جديدة في التصميم لم تكن موجودة.

المراجع:
•تاريخ الكنيسة القبطية القس منسى يوحنا.
•منتدى المهندسين العرب.
•صحيفة المصري اليوم.