الأسبوع الماضى نظمت إحدى شركات المياه الغازية مسابقة للأطفال من سن ١١ إلى سن ١٤، حسبما أعتقد، من المجيدين فى كرة القدم لإعداد فريق من الأشبال. وكرة القدم حلم كل طفل.. صدق من وصفها بالساحرة المستديرة.. فالأطفال وهم يَحبُون يركضون وراء أى كرة صغيرة، وتراهم يحبون يحبون بسرعة ويضحكون... ويكبرون فيبدأون مع أولى خطواتهم تعلم ركل الكرة أو الركض وراءها أينما كانت... ولم أفهم أبداً السر فى هذا العشق الذكورى لكرة القدم... إلا أننى أسلم به وأعرف يقيناً أنه فى الجينات... لذلك فعندما حكت لى صديقتى ما حدث لابنها تخيلت إحساسه وخيبة أمله... وأعود إلى ما حدث...
نظمت إحدى شركات المياه الغازية عبر إعلانات بثت على شاشات القنوات التليفزيونية الأرضية منها والفضائية للأطفال ودعتهم للتقدم للمسابقة فى أحد نوادى مصر العريقة فى مصر الجديدة... وكما هو متوقع تقدم الكثيرون... أمهات وآباء يجرون وراء أحلام أولادهم باللعب والشهرة... وللاشتراك لابد من مصاريف ملابس ماركات عالمية ولا مانع لو كانت تحمل على ظهرها أسماء لاعبين مشاهير... البعض منهم محلى مثل أبوتريكة أو متعب لو أهلاوى... وعمرو زكى أو ميدو لو كان زملكاوى...
أما إن كان من مشجعى الكرة العالمية... فلابد من اسم بيكهام أو رونى.. لو كان متابعاً للكرة الإنجليزية، وميسى أو رونالدو... لو كان من عشاق أمريكا الجنوبية... أما أحذية كرة القدم فحدث ولا حرج... ألوانها وموديلاتها والأهم أسعارها... يعنى الولد يسير وهو عبارة عن كنز متحرك... حذاؤه راتب موظف شهر وملابسه تكفى طعام عائلة أسبوعاً... ووقف الآباء والأمهات أمام بوابة النادى... فرفض الحراس إدخالهم... لا تعليمات لديهم وهو أمر مفهوم وطبيعى...
وعندما حاولوا الاتصال بأحد من الشركة على الرقم الذى اتصلوا به من قبل... كانت الردود من نوعية... لا معلومات لدينا... سوف نسأل المدير... وسوف نعاود الاتصال بكم... وبمضى الوقت وأمام إحباط الأطفال تحول غضب الأهالى إلى ثورة، وبدأوا يلقون بالطوب والزلط على السيارات الواقفة أمام النادى... صحيح الشركة حددت موعدا ومكاناً آخر للاختبار... ولكن ما حدث فى الموعد الأول لا أستطيع أن أنعته إلا بالاستهتار بأحلام الناس. لم تكلف الشركة نفسها عناء إخراج مسؤول من طرفها يعتذر للناس المتجمهرين يشرح لهم سبب عدم دخولهم للنادى أو حتى الرد على أسئلتهم.. تركوهم على رأى صاحبتى «يولعوا» أمام النادى هم وأولادهم..
المشكلة أيضاً فى نظرى فى نظرة الأولاد لأهلهم، فهم يعتقدون أن الأب والأم من نوعية سوبر مان وسوبر وومان، أى الرجل الخارق والمرأة الخارقة وأنهما قادران على حل أى مشكلة.. والأهل يعون هذا تماماً فعندما يحبط أولادهم يشعرون بالحاجة لإبراز أى قدرات خارقة أو عادية لديهم... قدراتهم على حل مشاكل الأولاد ورفع معنوياتهم.. مشكلة أخرى أن الأهل عادة يشعرون أن أولادهم قادرون على تحقيق أحلامهم.. أو بمعنى أدق تحقيق ما لم يستطيعوا هم تحقيقه فى الحياة فتجد كل أب يضفى على أولاده صفات ليست موجودة فيهم... فهو الأذكى والأنبه والأحق دوماً وأحياناً صفات شكلية فيقول ابنى طويل جدا وعندما تراه تجده عادياً أو حتى أقل من العادى...
ومن منطلق هذه العلاقة المعقدة نجد الاستهتار هنا مرفوضاً تماماً مثل رفض لرد الأهالى الهمجى.. وإن كنت لا أبرره ولكن أتفهمه... على طريقة رفضى لما فعله جمهور الزمالك عندما ظلمه التحكيم فى مباراته أمام اتحاد الشرطة... أرفضه ولكن أتفهمه... أدينه ولكن أتفهم دوافعه... وما يفاجئنى أكثر فى هذا الموضوع غير استهتار الشركة بمشاعر الناس وعدم احترام موعد أعطته لهم أو عدم الاعتذار أو... أو... يفاجئنى رد فعل الناس... الذين أحبطوا بسبب مسابقة كرة قدم فحركتهم...
أما كل ما يحدث على الساحة من غلاء ومن مشاكل اجتماعية ومن زحام مرورى ومن حقوق ضائعة... لم تحركهم... ربما تلككوا.. ربما وجدوها فرصة... أو ربما لم تعد الأمور الكبيرة كبيرة... ولا الهامة هامة... وضاق عالمنا وصغر لدرجة أنه أصبح يخص أقرب الأقربين فحسب... إن كان الوضع هكذا... فكل ما حدث مفهوم... والحل على رأى زميلى محمود سعد: اشرب العصير... أو هنا أفضل أن أقول: اشرب الحاجة الساقعة.
نقلا عن المصري اليوم |