معطلات التكريس
بقلم/ماجد كامل
التكريس هو تدشين الشخص وتقديسه بأن يكون كله لله ؛بما فيه من روح ونفس وجسد وعقل ؛ وما له من وقت وجهد ؛ وهناك التكريس الكلي والتكريس الجزئي ؛ والتكريس دعوة الهية سماوية يشعر بها الشخص المدعو الي حياة التكريس ؛ ولقد ذكر الكتاب المقدس العديد والعديد من الشخصيات المكرسة الناجحة ؛ نذكر منهم إبراهيم وموسي النبي وإيليا وكل أنبياء العهد القديم ؛ وكذلك أيضا سادتي الآباء الرسل في العهد الجديد ؛ ولقد دعا الكتاب المقدس الي تكريس سبط لاوي للكهنوت وقال عنه أنهم نصيبه ؛ وهذا هو الأصل اللغوي لكلمة أكليروس ومنها جاءت كلمة أكليركي ؛ وهي كلمة يونانية معناها " نصيب الرب " ولقد قال ارميا النبي " نصيبي الرب قالت نفسي من أجل ذلك أرجوه " ( مراثي أرميا :- 3 : 24 ) ولقد رتبت الكنيسة درجة "الدياكون " أو الشماس الكامل ؛ وهي الدرجة التي يجب أن يرسم عليها الشخص المدعو الي حياة التكريس ؛ بحيث لا يسمح له بعدها أن يمارس أي عمل في العالم ؛ بل يتفرغ كلية للخدمة المدعو اليها ؛ ومجالات التكريس متعددة ؛ فهناك التكريس من أجل خدمة المذبح والقداسات ؛ بحيث يمارس صلوات جميع القداسات والعشيات والتساييح والتماجيد ؛ وهناك التكريس في المجال العلمي ؛بحيث يتفرغ لتأليف الكتب والترجمة ؛ ولقد قدمت كنيستنا القبطية في العصر الحديث نماذج رائعة عديدة لخدام مكرسين ؛ نذكر منهم باعث النهضة الكنسية المتنيح الارشيدياكون "حبيب جرجس "( 1876- 1951 ) وهناك أيضا المتنيح الأرشيداكون " اسكندر حنا " وكان يعظ في مدينة أسيوط ؛ ولقد تأثر به قداسة البابا المتنيح الانبا شنودة الثالث ( كما ذكر ذلك مرات عديدة في عظاته ) ؛ كذلك أيضا تأثر به شقيقه المتنيح القمص بطرس جيد ؛ لدرجة أن عظة واحدة منه دفعته أن يتخذ قرارا مصيريا هاما وهو تحويل مسار حياته لدراسة العلوم اللاهوتية في الكلية الأكليركية ؛ وهناك أيضا الأرشيذياكون " عياد عياد " وكان من أشهر وعاظ جيله ؛وهناك بالطبع ابينا الحبيب نيافة الحبر الجليل الأنبا موسي أسقفنا المحبوب – متعه الله بالصحة والعافية لسنين عديدة وأزمنة سالمة هادئة مديدة - فلقد بدأ حياته في الخدمة شماسا مكرسا في مدينة بني سويف مع نيافة الحبر الجليل المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف والبهنسا الراحل ( 1962- 2000 ) . ولقد سمعت من فم نيافته شخصيا ان الدافع الأول لحياة التكريس عنده كانت عظة سمعها من الأرشيدياكون "وهيب عطا الله جرجس " المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي فيما بعد" ( 1967- 2001 ) في بيت الشمامسة وكانت بعنوان " حاجة الكنيسة إلي خدام مكرسين " فشعر بالدعوة الإلهية من خلال هذه العظة ؛ وصار شمامسا مكرسا بعدها
والحقيقة انه يوجد معطلات كثيرة تمنع الإنسان المكرس من تكريس حياته بالكامل للسيد المسيح ؛ نذكر منها :-
1- عدم وضوح الرؤية عند الشخص :- فهو لا يعرف هل الدعوة الي حياة التكريس هي دعوة صادقة من الله ؛ أم هي خداع شيطاني ؟ ؛ أم هي اندفاع مؤقت يزول مع مرور الوقت
2-عدم الايمان الكافي :- فالانسان – كل إنسان - وراءه مسئوليات والتزامات – والانسان المكرس كرس قلبه وعقله ووقته بالكامل لله ؛ ولكن يوجد عنده شعور داخلي بالقلق "هل تستطيع الكنيسة أن توفر له كل احتياجاته المادية والمعنوية ؛ وإن استطاعت اليوم ؛ هل تستطيع غدا وبعد غد ؟! ؛ ام تتخلي عنه في منتصف الطريق . وهذا السبب يقودنا بالضرورة إلي السبب الثالث وهو .
3-ضعف القدرات المادية للكنيسة :- فالكنيسة لا تستطيع بمواردها الحالية ؛ أن تتكفل بحياة المكرس ؛ بحيث لا يحتاج ان يمد يديه الي الأخرين ؛ أو البحث عن عمل خارجي ؛ أو التخلي بالكامل عن حياة التكريس والعودة الي عمله الأصلي في العالم ؛ إن كان طبيبا أو مهندسا أو محاسبا أو محاميا ......... الخ .
4-عدم إيمان الكنيسة بضرورة وجود الخادم المكرس :- فقد تشعر بعض الكنائس بعدم إحتياج الخدمة في الوقت الحاضر لخادم مكرس ؛ ويكفي الخادم المتطوع من نفسه ؛ ولكن مشكلة الخادم المتطوع أنه غير مضمون ؛ فقد تشغله أمور خارجة عن ارداته عن الخدمة مثل العمل أو الزواج أو تغيير محل السكن أو شعوره بعدم الرغبة في استمراره في هذه الخدمة ..... الخ .
5-عدم الشعور بالراحة في المؤسسة الكنسية للشخص المدعو لحياة التكريس :- فقد يشعر بعض الكهنة أو قدامي الخدامي ؛ بعدم الارتياح للشخص المدعو الي حياة التكريس ؛ بسبب عدم الثقة في كفائته وأمانته ؛ أو وجود شخص آخر يشعر البعض بأنه أكثر كفاءة منه ؛ ويستطيع أن يؤدي مسئولية التكريس أفضل منه ؛ وهذا بالضرورة يقودنا إلي السبب التالي من معوقات التكريس وهو :
6-التحزبات والشقاقات : - فقد يختار فريق ما شخص ما لحياة التكريس ؛ بينما يختار فريق آخر شخص آخر يري أنه أفضل وأكفأ منه في الخدمة ؛ وهذه المشكلة بالذات كانت سببا في تعطيل رسامات آباء كهنة كثيرين نتيجة اختلاف الكهنة والخدام بين شخص وشخص آخر ؛ مما يضطر القيادة الكنسية إلي تأجيل الأمر وربما ألغائه .
7--الغرور والكبرياء والتعالي :- فقد يشعر الشخص المدعو لحياة التكريس ؛ أنه قد صار قامة روحية اعلي من زملائه وأخوته ؛ فيبدأ في التعالي عليهم ؛ وقد يعبر – ولو لا شعوريا- بهذا التعالي ؛ فيبدأ في السخرية من أخوته ؛ أو الغضب عليهم لأي سبب من الأسباب ؛ بدعوي أنه قد صار في وضع أفضل منهم روحيا ؛ فيبدأ في التعالي عليهم والتنديد بهم ؛ مما يجعل البعض ينفر منه ولو لا شعوريا .
8-السطحية في الخدمة :- فقد يوجد شخص لمجرد أنه حفظ التسبحة غيبا ؛ يشعر أنه قد صار واحدا من كبار المرتلين ؛ غير عالم أن الحفظ ليس الا المحطة الأولي ؛ وليس كل من حفظ التسبحة قد صار واحدا من كبار المرتلين ؛ أو إنسان آخر تعلم اللغة اليونانية ؛ وصار قادرا علي قراءة بضعة أسطر من الكتاب المقدس وكتابات الآباء بلغاتها الأصلية ؛ فيظن في نفسه أنه قد أصبح مؤهلا لترجمة الكتاب المقدس ترجمة جديدة ؛ او ترجمة كتب كاملة لآباء الكنيسة المعتبرين أعمدة ؛ ولكن معرفته باللغة اليوناية لن تسعفه في الحقيقة ؛ فإذا تكرس في هذه الخدمة أو تلك ؛ فأنه يضعفها أو لا قدر الله يسقطها . وهذا بدوره يقودنا الي السبب الأخير في معطلات التكريس وهو :-
9-ضعف وقصور مناهج إعداد الخدام : فإذا كان الأصل ضعيف ؛ فأن الثمر بالتالي يكون ضعيفا أيضا ؛ وأسباب ضعف مناهج الخدام كثيرة ومتعدةة منها ضعف القائمين عليها أنفسهم ؛ ومنها عدم رغبة الخدام في التعلم والاكتفاء بالقشور ؛ ومنها الرغبة في التسرع في تخريج دفعات جديدة لعجز في الخدمة ؛ أو التباهي بتخريج دفعات كثيرة مما يعني الشعور الكاذب بنجاح الخدمة .
وأخيرا ؛هذه هي بعض الأسباب التي من وجهة نظري قد تعوق أو تعطل حياة التكريس ؛ ونختتم المقالة بهذه العبارة الرائعة للسيد المسيح " الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون ؛ فأطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلي حصاده " ( لوقا 10 :- 2 ).
نشر بمجلة الكلمة عدد شهر سبتمبر 2014
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :