محمود السعدني... كاتب ساخر وحياة مليئة بالمفارقات!
بقلم: مادلين نادر
"وقفت دائمًا إلى جانب ما هو حق وقاتلت دائمًا في صف العدل وخسرت أشياء كثيرة بسبب رعونتي وكسبت أشياء أخري بسبب وضوح موقفي وذقت كل أنواع الحياة وعشت أيامًا طويلة في هيلتون مدريد بأسبانيا ونمت أيامًا في حدائق القاهرة وأنفقت مائة جنيه في ليلة وقضيت عدة أيام أبحث عن قرش صاغ واحد، وقابلت عددًا كبيرًا من رؤساء الجمهوريات وصادقت عساكر بوليس وعمال بناء ومكوجية، نمت علي شاطئ بحيرة جنيف وفي فندق الصخرة في جبل طارق لكن لا يزال أجمل مكان أحن إليه هو قريتي في المنوفية". هكذا كان يعبر الكاتب الساخر الراحل محمود السعدني عن مشوار حياته في كتاباته.
فلقد عاش الكاتب الساخر محمود السعدني حياة مملوءة بالمفارقات والأحداث والأماكن والشخصيات أيضًا، وعبر عن كل هذه الخبرات في كتاباته.
وُلدَ محمود السعدني في 28 فبراير 1928 بمحافظة المنوفية، وحصل على الابتدائية من مدرسة الجيزة الابتدائية، ثم حصل على الثانوية من مدرسة المعهد العلمي الثانوية بالقاهرة.
وعمل في بداية حياته موظفًا في الحكومة بستة جنيهات وطرد من وظيفته وخرج قاصدًا الصحافة، وهو يظن أنها صاحبة جلالة، فعمل في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي، ويصف تلك الجرائد بأنها "كانت مأوى لعدد كبير من النصابين والأفاقين".
ويضيف: أن صدمته كانت كبيرة فليس هذا هو عالم الصحافة ذات الجلالة الذي يحلم به. ثم عمل السعدني في مجلة "الكشكول" التي أصدرها مأمون الشناوي وتتلمذ على يديه إلى أن أغلقت أبوابها، ثم عمل في عدد من الجرائد بالقطعة مثل جريدة "المصري" لسان حال حزب الوفد آنذاك، وعمل في دار الهلال، كما أصدر ورسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية سرعان ما أغلقت أبوابها بعد صراع مع الرقابة وشركات التوزيع.
كان السعدني من المؤيدين لثورة 23 يوليو فعمل بعدها في جريدة "الجمهورية" التي أصدرها مجلس قيادة الثورة، وعقب انتقال السادات إلى رئاسة البرلمان المصري صدر قرار بالاستغناء عن خدمات محمود السعدني، الذي لم يكن المفصول الوحيد، بل فصل معه بيرم التونسي وعبد الرحمن الخميسي وعشرات من الصحفيين الأكفاء، وقد أشار الكاتب في إحدى كتبه إلى أن فصله كان بسبب نكتة أطلقها على السادات.
وعقب قرار فصل السعدني من "الجمهورية" بأسابيع قليلة استدعاه إحسان عبد القدوس للعمل معه في مجلة "روز اليوسف" الأسبوعية كمدير للتحرير، ويصف السعدني الفترة التي قضاها بـ "روز اليوسف" بأنها كانت الأفضل في حياته، نظرًا لتوافر جو إبداع مثالي فلا توجد صراعات في الدار ويعود السبب في ذلك لكون أصحابها هم من يديرونها بأنفسهم فلم يجد فيها المشاكل المزمنة التي تعاني منها "الجمهورية".
وفى عام ١٩٦٧ كان رئيسًا لتحرير مجلة صباح الخير ورفع توزيعها إلى معدلات غير مسبوقة.
أصدر وترأس تحرير مجلة 23 يوليو في منفاه في لندن، عاد إلى مصر من منفاه الاختياري سنة 1982 بعد اغتيال السادات، كما شارك في الحياة السياسية بفاعلية في عهد الرئيس عبد الناصر وتم سجنه، واتهم بالاشتراك في محاولة انقلابية على الرئيس السادات وتمت إدانته وسجنه، في عام ١٩٧٩ عمل رئيسًا لتحرير مجلة ٢٣ يوليو من منفاه بلندن وحققت المجلة معدلات توزيع مرتفعة في العالم العربي. وربطته صلات قوية بعدد من الزعماء العرب مثل معمر القذافي والرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والرئيس مبارك.
** مواقف في حياته:
عقب وفاة عبد الناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسئولين المحسوبين على التيار الناصري مثل شعراوي جمعه وسامي شرف ومحمود فوزي وغيرهم. انتهى الصراع باستقالة هؤلاء المسئولين واعتقال السادات لهم وتقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب وكان اسم محمود السعدني من ضمن أسماء المشاركين في هذا الانقلاب وتمت محاكمته أمام "محكمة الثورة" وأدين وسجن.
بعد قرابة العامين في السجن أفرج عن السعدني ولكن صدر قرار جمهوري بفصله من صباح الخير ومنعه من الكتابة بل ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات. بعد فترة قصيرة من المعاناة قرر السعدني مغادرة مصر متوجهًا إلى بيروت حيث استطاع الكتابة بصعوبة في جريدة السفير وبأجر يقل عن راتب صحفي مبتدأ، والسبب في صعوبة حصوله على فرصة عمل هو خوف أصحاب الدور الصحفية البيروتية من غضب السادات. قبل اندلاع الحرب الأهلية غادر السعدني إلى ليبيا للقاء القذافي والذي عرض عليه إنشاء جريدة أو مجلة له في بيروت إلا أن السعدني رفض ذلك خوفًا من اغتياله.
أهم مؤلفاته:
لقد أثرت كتب السعدني المكتبة العربية ومن أبرز أعماله: "مذكرات السعدني"، "الولد الشقي"، "مسافر على الرصيف"، "الصعلوك في بلاد الإفريكى"، "الموكوس في بلد الفلوس"، "رحلات ابن عطوطه"، "أمريكا يا ويكا"، "عزبة بنايوتى"، "قهوة كتكوت"، "الظرفاء"، "المضحكون"، "مصر من تاني"، "الولد الشقي في السجن"، "حمار من الشرق"، "بلاد تشيل وبلاد تحط"، "الطريق إلى زمش" وهي اختصار للتعبير العامي المصري "زي ما أنت شايف" بمعنى "كما ترى"، أيضًا كتاب "ألحان السماء" عن عدد من قارئي القرآن ومنهم الشيخان محمد رفعت ومصطفى إسماعيل. بالإضافة إلى مسرحيات عديدة مثل: "عزبة بنايوتي"، "النصابين"، ومسلسلات إذاعية مثل "الشيخ لعبوط"، "بنت مدارس" وغيرها من الأعمال.
كما كتب مجموعة قصصية واحدة عنوانها "خوخة السعدان"، قال جمال الغيطاني عن كتاب السعدني "حمار من الشرق": يقدم الساخر العظيم محمود السعدني فيه أعنف هجائية ساخرة لأوضاعنا في العالم العربي المعاصر، إنه كتاب فريد وثيقة أدبية تضاف إلى فن السخرية والهجاء العربي كتبها فيلسوف أديب وشاعر وحكواتى ومتكلم عظيم، إنه كتاب يضحكك إلى حد البكاء".
** من أقواله في كتاباته :
■ «نمت على شاطئ بحيرة جنيف.. وفى المزة في طنجة.. وفى الأكسليسور فى روما.. ولكن لا يزال أجمل مكان أحن إليه هو قريتي في المنوفية».
■ «كانت فكرتي أن الصحافة صاحبة جلالة وأن لها بلاطًا.. ونجمًا صحفيًا يكتب في الشانزليزيه.. ولكن أدركت أن البلاط هو الواجهة وفى القفا مزابل ذات رائحة عفنة».
**وفاته:
توفى الكاتب الساخر محمود السعدني يوم الثلاثاء الموافق 4 مايو 2010 عن عمر يناهز 82 عامًا وبعد صراع طويل مع المرض جعله يعتزل الكتابة والعمل الصحفي منذ عام 2006.
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :