بقلم: كمال غبريال
التخدير هو بداية وانتهاء حرفة جماعة الإخوان المسلمين المحظورة الأثيرة، تستخدمه القيادات للتعامل مع كافة الفئات والنوعيات التي تتعامل معها، وصولاً لتحقيق أهدافها في الثروة أولاً والسلطة ثانياً. . فالخطاب الرجعي الفج، الذي يقهر الإنسان والإنسانية، ويحول البشر إلى آلات خرساء، تنفذ في خنوع ما يأمرها به المفوضون من قبل الإله، والممسكون في نفس الوقت بالسيف مسلطاً على الرقاب. . هذا الخطاب لا يمكن أن يستسيغه إنسان، إذا كان في حالته الطبيعية التي خُلق عليها، والتي يُعمل فيها عقله في كل ما يسمع ويفعل.
فقط صنف المخدر الذي يتضمنه خطاب الجماعة هو الذي يختلف من حالة إلى أخرى، حسب نوعية الزبون وموقفه ووضعه الاقتصادي وقناعاته الفكرية، ولنا أن نستعرض تلك الأنواع المختلفة من المخدرات، والتي تشبه أنواعاً مختلفة من الحبال، يربط كل منها برقبة الضحية، لتؤدي جميعها إلى ذات النهاية، وهي الدخول في حظائر الإخوان أو زنازينهم:
النوع الأول من المخدر هو حديث التقوى الدينية، وهو التوجه الرائج في شعوب الشرق، وبالطبع في مقدمتها الشعب المصري العريق في التدين، وفي الإيمان بالآخرة وجنات الخلد. . الخدعة الكبرى هنا هي تصوير خطاب الإخوان السياسي الملتحف بالدين، على أنه الدين ذاته، وأن كل ما عداه تفريط في الدين أو خروج عليه أو منه!!. . يبتلع هذا الطعم أو المخدر الطبقة الوسطى، التي حملت لواء هذه العصابة منذ بدايتها، وانتشرت بين أفرادها، الذين بطبيعة أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية يحتاجون إلى مساندة من رؤى يعتنقونها، تشعرهم بالانتماء إلى فكرة أو كيان أكبر، يملأ الفراغ الذي يستشعرونه في فردية المدن الصناعية الناشئة والمتضخمة والعشوائية.
النوع الثاني من المخدر هو أعمال الخير والعون الاقتصادي الذي يقدمونه للفقراء، والذي يؤدي إلى إدراج هؤلاء بالجملة في جيش الإخوان، ليكونوا الخزانة الجماهيرية العامرة، والمرتبطة بتشيكلات الجماعة بأواصر يستحيل فصلها، إلا عن طريق استبدال المصلحة الاقتصادية التي يجدها هؤلاء لدى الجماعة، بمصالح شرعية ووطنية، تفي لهذه الطبقة باحتياجاتها المادية. . هذا بالطبع غير متيسر حالياً لحكومتنا الرشيدة، كما يبدو هدفاً بعيد المنال في ظل ضعف إنتاجية الفرد المصري، وتدني نصيبه من الدخل القومي. . يلعب المخدر الاقتصادي إذن دوراً أساسياً لسحب الفقراء إلى حضن الإخوان، ليأتي بعد ذلك الدور الثانوي للنوع الأول من المخدر، وهو الخطاب التقوي، ليجعل من الإخوان في نظر هؤلاء ملائكة سماوية، أرسلتهم العناية الإلهية لانتشالهم من العوز والتسول أو التضور جوعاً، ولترد لهم كرامتهم التي انتهكتها وابتذلتها الحاجة. . هنا أيضاً نرصد أن الهامش من الطبقة الفقيرة الذي كان يتجه لتوفير مقومات حياته إلى الأعمال غير الشرعية، مثل البلطجة أو العمل في معية تجار المخدرات أو حتى النخاسة، قد وجد حضناً دافئاً يتكسب عن طريقه، ويوفر له كرامة ترتقي به من حضيض التقييم المجتمعي، إلى قمة في التكريم لم يكن ليحلم بها، ليشكل هؤلاء قاعدة قوية لقوة الإخوان المسلمين الشبابية الضاربة.
النوع الثالث من المخدر يُعْطَي للصفوة من المثقفين والمفكرين والإعلاميين من غير المنتمين أو حتى المتعاطفين مع فكر الجماعة، بل وأيضاً لأشد المعارضين لها ولنواياها للمجتمع المصري. . فهؤلاء الذين لا ينخدعون بخطاب الجماعة التقوي، ولا يندرجون ضمن الفئات التي تشملها رعايتها الاقتصادية، تقدم لهم الجماعة نفسها كمنادية بالحرية والديموقراطية، رغم أن صميم خطاب الجماعة وليس فقط هوامشه وحواشيه، مضاد إلى حد العداء لهذه القيم. . ربما كان الإخوان في دعوتهم هذه صادقين لحظياً، بمعنى أنهم يريدون الحرية وآليات الديموقراطية الآن فقط، ليصلوا إلى كراسي الحكم، ليستبدلوها بعد ذلك بآليات أخرى، يعمل فيها السيف في الرقاب، أي هم يؤمنون بالفعل بالديموقراطية، لكنها ديموقراطية المرة الواحدة، وهذا ما حدث بالفعل في غزة، ومن قبله حدث في إيران الخوميني، الذي علق المشانق للجميع فور صعوده على أكتافهم.
مخدر المناداة بالحرية والديموقراطية من قبل الإخوان يجعل الليبراليين والعلمانيين في حرج وحيرة من أمرهم. . وبغض النظر النوازع الانتهازية لدى البعض من العلمانيين، والتي تصور لهم إمكانية استغلال جماهيرية الإخوان في تعضيد مطالبهم العلمانية في الحرية، فإنه من الصعب على من يؤمن بالليبرالية أن يتخذ موقفاً استئصالياً من فصيل مصري يرفع نفس الرايات التي يرفعها، لأنه في هذه الحالة سيبدو أمام نفسه قبل أن يبدو أمام الآخرين، وكأنه يخون ذاته ويتناقض مع ما يعلن الإيمان به من رؤى. . هنا وإن لم ينتبه العلمانيون والليبراليون، يعمل المخدر ستاراً من ضباب، يحجب الرؤية لأبعد من مواطئ الأقدام، فلا ينتبهوا الى أنه بعد خطوة واحدة، وبعيد تحقيق الانتصار المأمول على قوى الاستبداد والهيمنة، سيجدون الوجه الحقيقي لجماعات الإسلام السياسي ينتظرهم، وسيجدون السيفين المرسومين على شعار الجماعة، قد استحالا إلى سيوف حقيقية تعمل بهمة في الرقاب!!
نأتي إلى النوع الرابع والأحدث من المخدرات الإخوانية، وهو الذي بدأ تصنيعه للأقباط خصيصاً، بعد أن ظهر للجماعة أنها أصبحت فزاعة لهم وللمجتمع العالمي، الذي ينظر إليهم كجلادين قادمين للأقباط. . ورغم إن إدراك الجماعة لهذه الوضعية كان من الممكن أن يؤدي إلى تطوير لخطابها، ينقلها من جماعة عنصرية متعصبة، إلى مصاف الجماعات الوطنية المخلصة لقضية المواطنة، إلا أن هذا لم ولن يحدث لسبب جوهري، هو أن مثل هذا التطور المأمول إن حدث، سوف ينسف خطاب الجماعة من الأساس، ولن يكون مجرد تطوير له. . فالعمود الفقري لخطاب التأسلم السياسي قائم على الانتماء الديني المهيمن، ليكون كل مختلف في الدين هو "آخر كافر"، ينبغي أن يخضع صاغراً لهيمنة "الذين آمنوا"، وأن ينتظر منهم القدر المتاح من التسامح، والقدر المحدود من عدالتهم النسبية، والتي لا يمكن بأي حال أن ترقى لمستوى المساواة التامة وفي جميع المجالات مع "الذين آمنوا"!!
هنا ومع انتعاش أمل الإخوان هذه الأيام في قبول الشارع السياسي المصري لهم، بعد نجاحهم في التسلل إلى مسيرة البرادعي، وبدء موسم مغازلتهم من قبل مختلف الأحزاب مع حلول مواسم الانتخابات، بدأنا نسمع منهم ما لو حقن مخدرة للأقباط، تتمثل في مجرد تصريحات، وليس تغييرات حقيقية في تنظيرات الإخوان، تتحدث عن إيمانهم بالمساواة بين جميع المصريين، وعن عدم اعتراضهم على تولي الأقباط لأي مناصب في الدولة، باستثناء رئاسة الجمهورية. . الأمر يبدو طريفاً، لأنه يظهر وكأن الخلاف بين الأقباط والجماعة قد تضاءل بحيث يصبح هو حرمان الأقباط من الوصول إلى منصب رئاسة الجمهورية، وهنا أتذكر النكتة الشهيرة التي نعرفها جميعاً، والتي تقول باستحالة وصول كل من المسلمين والمسيحيين لرئاسة الجمهورية!!
هي أربعة أنواع إذن من المخدرات، تقدمها الجماعة للمجتمع المصري، وستظل تقدمها إلى أن تتمكن من أعناق الذبائح، بعدها لن نجد منها غير السيوف المثقفة، تتطيح بالرقاب. . ليس هذا مجرد اتهام نظري قد يكون جائراً ومتجنياً، لكنه الواقع الذي نراه منهم على بعد خطوة واحدة في غزة البائسة!!
مصر- الإسكندرية
kghobrial@yahoo.com