بقلم : بولس رمزي
في مقالي السابق اعتقد الكثير من اعزائي القراء انني جئت بهذا المقال لاكون احد المسوقين لنظام الحكم في مصر وتناسي الكثيرون ان هذا الموضوع لايمكن اختزاله في مقالا واحدا او حتي مقالين فانه يحتاج الي سلسلة كتب وليس سلسلة مقالات ولكنني احاول جاهدا ان اكون محايدا ولا اجيد رؤية اي جوانب سلبيه قبل ان اري الجوانب الايجابيه وهذه عاده سيئه موجوده في مجتمعاتنا اننا دائما لانري سوي السلبيات وذلك ليس مقصورا علي سلبيات الحكومه فحسب بل علي المستوي الشخصي سواء كان ذلك مع زملاؤنا في الدراسه او العمل او جيراننا بل تعدي هذا السلوك كل هذا ووصل بين افراد الاسرة الواحده – لابد وان نتعلم كيف نري الجوانب المضيئه والايجابيه قي اعمال وتصرفات الاخرين حتي وان كان هذا الاخر هو من الد اعدائنا فيجب النظر الي ايجابياته والاشاده بها والتعلم منها .
وهذا لا يعني اغفال السلبيات ولكن يجب علينا ان نتعلم كيف نلقي الضوء عليها بشكلا هادئا ونتجنب لغة التشهير عند القاء الضوء عليها ولا نكتفي بالقاء الضوء عليها فقط بل يجب ان نجتهد في ابداء الرأي نحو اصلاح هذه السلبيات وتلافيها أيا كان رأيك متواضعا فلا تبخل به بل يجب ان تفصح به قد يكون هو الحل والمخرج الذي قد يؤدي الي القضاء علي هذه السلبيات .
اما فيما يختص بالجزء الاول من هذا المقال فانا لم ازيف او اقول اكاذيب بل كل ماجاء بها حقائق موثقه مصريا وعالميا من حيث انتقال الاقتصاد المصري من قبضة الدوله الي قبضة القطاع الخاص وكذلك مجهودات الدوله في بناء بنية تحتيه لا ينكرها سوي جاحد وكذلك اعادة بناء جيشا مصريا قويا افرادا وعتادا الجميع يحسبون له الف حساب من واقع البيانات المعلنه والدراسات العسكريه العالميه التي تصدر نشرات دوريه لتقييم جيوش العالم ومن بينها الجيش المصري ننتقل من خلال هذا المقال الي الآثار الناتجه عن هذا التحول علي المجتمع المصري ومنها الاثار الايجابيه وايضا يوجد الكثير من الاثار السلبيه .
ومن خلال هذا الجزء اتعرض الي الاعراض الايجابيه والسلبيه التي انعكست علي المجتمع المصري نتيجة لهذ التحول الشامل لنظام الحكم في مصر . دعنا عزيزي القارئ ان نقول الاشياء باسماؤها , ان مصر خلال الثلاثين عاما الماضيه تحولت من "النظام الاشتراكي اقصي اليسار الي النظام الرأسمالي اقصي اليمين " ومن الطبيعي ان ينتج علي هذا التحول الكثير من الآثار الايجابيه والسلبيه التي سوف نتعرض لها فيما يلي :
أولا الآثار ألايجابيه :
لقد ترتب علي هذا التحول العديد من الاثار الايجابيه الملموسه نوجزها في العديد من المستويات والاصعده نوضحها فيما يلي :
1-الصعيد السياسي :
أ-السياسه الداخليه:
علي الرغم من عدم رضاؤنا عن النظام السياسي في مصر لكننا اذا نظرنا الي واقعنا السياسي بنظره موضوعيه فاننا لابد وان نعترف ان مصر شهدت تغيرات ايجابيه علي الصعيد السياسي منذ مايقرب من ستون عاما لايمكن انكارها او اغفالها نوجزها فيما يلي :
-تحولت مصر من نظام الحزب الاوحد متمثلا في الاتحاد الاشتراكي الذي كان كل همه "التطبيل " بالنظام المصري الي التعدديه التي اسسها الرئيس الراحل انور السادات ولم يطيقها ويتحملها ففي عهده اغلقت الكثير من الصحف وكسرت الكثير من الاقلام وتم حبس وفصل الكثير من كبار الصحفيين والكتاب بسبب اراؤهم السياسيه التي اختلافهم مع اراء الرئيس الراجل انور السادات , اما الان فهناك العديد من الكتاب والصحفيون لايختلفون مع الرئيس مبارك في الرأي فحسب بل وصل بهم الامر الي انتقاد شخص سيادته ولم يكتفوا بذلك فقط بل وصلت تجاوزاتهم الي اسرة رئيس الجمهوريه ولم نسمع عن اي منهم قد تم اعتقاله أو فصله من عمله
-كانت جميع وسائل اعلام في السابق ملكا للدوله لم نسمع او نشاهد منها سوي التبخير لنظام الحكم ولم تكن متاحه لغير المطبلاتيه للنظام , اما في عهد مبارك تم اطلاق الاقمار الصناعيه المصريه "نايل سات" ويحسب لنظام مبارك انه لاول مره في تاريخ مصر تكون هناك العشرات من الفضائيات المصريه ذات الملكيه الخاصه التي اصبحت منابرا اعلاميه للمعارضه المصريه ينتقد من خلالها كل شئ ولايثتثني من ذلك اي مسئولا ايا كان منصبه
-في السابق لم يكن مسموحا بالتظاهر الا ماتنظمه الدوله من مظاهرات تاييد ولاننسي في مظاهرات عام 77 اعتقل السادات الالاف من الشباب المصري , اما الان هناك العديد من المظاهرات والوقفات الاحتجاجيه جميعها موجهه ضد نظام الحكم , ولم نسمع عن اعتقال احد هؤلاء المتظاهرين وان كان هناك تجاوزا فان الاعتقال يكون لبضعة ساعات وبعدها يتم الافراج
ب – سياسة مصر الخارجيه :
فبالرغم من اعترض الكثيرون علي دور مصر خارجيا الا وانني اري ان النظام السياسي المصري كان بارعا في سياسته الخارجيه ولايمكن ان ننكر لنظام مبارك انه لو حنكته في دراسة الفعل ورد الفعل وتحليله للمواقف السياسيه السليم لكانت استدرجت مصر في حروبا ونزاعات اقليميه تعيدنا الي الوراء مائة عاما كفي علينا مشاهدة المنطقه من حولنا لنري كيف كان نظام مبارك حكيما في ادارة شئون مصر الخارجيه :
1-العراق والحروب والانقسامات الداخليه بها
2-لبنان وسيطرة الميليشيات المسلحه عليها
3-سوريا وعزلتها الدوليه ومعاناتها الاقتصاديه الطاحنه
4-السودان واذمتها في الجنوب وفي اقليم دارفور
5-اليمن واذمتها مع الجنوبيين ومع الحوثيين
6-الجزائر وكيف بالرغم من مواردها العملاقه من الايرادات البتروليه وبالرغم من ذلك تعوم في بحور الصراعات العرقيه ولم ترقي الي اي استخدام لمواردها
7-الصومال والحروب الاهليه الطاحنه فيها
كل هذا يدعونا ان نفخر بسياسة مصر الخارجيه والعلاقات المتوازنه مع جميع دول المنطقه والمجتمع الدولي
2-الصعيد الاقتصادي :
ان التحول الاقتصادي من النظام الاشتراكي الذي كان بالمرصاد ضد الملكيه الخاصه وكان في حقبة الحكم الاشتراكي الثراء تهمه يعاقب عليه كل من يتم اكتشاف انه يمتلك شيئا من الثروه وكان الناس يخفون اموالهم في بيوتهم ولايمكن لاي فرد ان يكون لديه ارصده ماليه في البنوك خوفا من اكتشاف ثراؤه وتنكيل النظام به , اما الان في ظل النظام الرأسمالي فقد فتحت الدوله ابوابها امام تحويلات المصريين بالخارج وخروج المدخرات من "تحت البلاطه " لتصبح ارصده في البنوك المصريه التي ساهمت بشكلا ملحوظا في تمويل الاستثمار الصناعي في مصر الذي ساهم يشكلا ملحوظا في الحد من استيراد العديد من السلع متجاوزا الاسواق المحليه منطلقا نحو تصدير العديد من المنتجات الي خارج مصر ونتج عن هذا :
-تغير النمط الاستهلاكي بظهور سلع جديده في الاسواق المصريه الامر الذي ادي الي نقله نوعيه في السلع والخدمات المقدمه للمستهلك المصري الامر الذي ادي الي تطورا حضاريا في نوعية السلع والخدمات التي يقبل عليها المستهلك المصري ولا انسي واقعه ظريفه شاهدتها في احد برامج التوك شو " شاهد احد المتظاهرين امام مجلس الشعب الذي يشكو من ضعف راتبه الذي لا يتجاوز مائة جنيه وهو يشير بكلتا يديه عن حجم الظلم الذي يعاني منه بسبب ضئالة راتبه ممسكا بيديه جهازين تليفون محمول " فبالرغم من ان هذا مظهرا من مظاهر الترف في تطور النمط الاستهلاكي الا وانه لايمكن وصفه بانه احد المظاهر الايجابيه علي المستوي العالمي
ثانيا – السلبيات :
1 – علي الصعيد السياسي :
أ-صعيد السياسه الداخليه:
نتج عن التحول السياسي المصري ظهور الاصوات المعارضه التي لم يكن لها ان تجرؤ فيما مضي في مناهضة الحاكم الامر الذي معه ادي الي خلق اجيالا اقل ولاء لمصر :
-ظهور الجماعات الدينيه المتشدده التي قامت بالغاء الهويه المصريه وحولتها الي هويه دينيه فنجد جماعة الاخوان المسلمون التي لاتؤمن بحدودا للوطن فهي رؤيتها بان المسلم الفبيني اقرب واولي من المصري الغير مسلما
-سيطرة القوي الدينيه علي الشارع السياسي المصري ادي الي التوسع في تهميش الاقباط واستبعادهم في جميع المجالات واصبح الاختيار في المناصب العليا والجهات الحساسه يتم علي اساس الدين ارضاء لهذه القوي التي تسيطر علي الشارع المصري
-في المقابل ظهرت الجماعات القبطيه التي تري في انتماؤها للغرب وامريكا اهم من انتماؤها لمصر فنري في كلمة قداسة البابا في الاعياد ردود الافعال فنجد التصفيق للسفيره الامريكيه اقوي واعلي من التصفيق لرئيس الدوله
-ظهور العديد من الحركات السياسيه مثل كفايه و6 ابريل وجمعية مصر من اجل التغيير التي لم تقدم لمصر غير الفوضي ولم نري منها اي توصيات ايجابيه من شأنها التقدم بالمجتمع المصري
ب – صعيد السياسه الخارجيه :
-من اجل ان يكون لمصر دورا اقليميا ودوليا متوازنا الامر الذي ادي الي انحسار دور مصر العربي وتخلي مصر عن دورها الريادي في المنطقه الامر الذي معه ادي الي تعرض مصر الي حملات اعلاميه قويه ادت الي بث بذور الكراهيه بين الشعوب العربيه لكل ماهو مصري الامر الذي معه ادي بالتبعيه الي تعرض العماله المصريه في الدول العربيه والخليج للكثير من الاهانات مع وقوف الدوله عاجزه عن اتخاذ اجراءات حاذمه لحماية رعاياها في الدول العربيه خوفا من اي تصادم سياسي قد يؤدي الي قطع ارزاق العماله المصريه الوافده الي تلك الدول
-اغفال مصر لدورها الافريقي ادي الي دخول بعض القوي الاقليميه علي الخط ومحاولة بعض دول المصب لنهر النيل في تقليص حصة مصر في المياه
2– الصعيد الاقتصادي :
مما لاشك فيه ان هذه النقله في الاقتصاد المصري لم تتوقف عند تحويل الملكيه العامه الي ملكيه خاصه فحسب بل الامر تجاوز هذا الي ان الاقتصاد المصري برمته تحول تحولا جذريا من الاقتصاد الموجه الي اقتصاديا السوق ولتوضيح ذلك من خلال النقاط التاليه :
-من الملامح الرئيسيه لاقتصاد السوق هو تخلي الدوله عن سيطرتها علي الاسواق المحليه وفرض تسعيره جبريه علي السلع والخدمات وترك الاسعار لنظريات العرض والطلب وطبقا لابسط القواعد والنظريات الاقتصاديه فان مبدأ العرض والطلب يحكم اسعار السلع الكماليه اما فيما يختص بالسلع الضروريه فانه لايمكن ان يكون لنظرية العرض والطلب اي قيمة علي سبيل المثال : "اذا كان الفرد يحتاج الي ساندوتش فول كوجبة افطار وسعر هذا الساندوتش جنيها واحدا فاذا ارتفع السع الي ثلاثة جنيهات لن يؤثر هذا في الطلب فسوف يستمر الطلب كما هو دون تغييرونفس الشئ اذا انخفض سعر الساندوتش الي خمسون قرشا فلن يؤدي الي زيادة الطلب " وبهذا يعتبر اقتصاد السوق غير عادلا فيما يختص بالسلع الضروريه للانسان كالغذاء والدواء والمسكن والملبس " ولذلك لابد وان يكون هناك دورا للدوله من اجل التحكم في اسعار السلع الاساسيه وان لاتترك غول المتاجره في اقوات الشعب ان يتحكم في اسعارها وترك باقي مقومات الاقتصاد المصري لالية العرض والطلب فياقتصاد السوق
-ان هذا التحول الاقتصادي ادي بالفعل الي زيادة معدلات النمو في مصر الا ان هذه المعدلات غير ملموسه للمواطن المصري والسبب في ذلك يرجع الي ان العائد عن هذا النمو دخل الي جيوب الاثرياء ورجال الاعمال الامر الذي تسبب في ازدياد الاثرياء ثراء وازدياد الفقراء فقرا ومن اجل توزيعا عادلا للدخل القومي لابد وان يعاد النظر في قانون الضرائب العامه علي الدخل لتكون ضريبه تصاعديا يزداد معدلها كلما ازدادت الربحيه
-انخفاض الاجور والمرتبات للعاملين بالدوله قياسا بارتفاع اسعار السلع والخدمات ادي الي انتشار الرشوه وتفشي الفساد في المجتمع الي ان اصبح ظاهره عامه لا يثتثني منها احد فقد انقسم المجتمع المصري الي قسمين قسما راشيا وقسما اخرا مرتشيا والجميع فاسدون ومفسدون – ولابد من دراسة هذه الظاهره والعمل علي علاجها وهناك الكثير من الطرق لعلاجها والقضاء عليها
البقيه في المقاله القادمه
لقراءة الجزء الاول انقر هنا