بقلم : سامي ابراهيم
كيف نجعل حياتنا أفضل؟ كيف نجعل علاقاتنا أفضل؟ كيف نجعل المعطيات التي تشكل محيطنا الحيوي ملائمة لأعمالنا؟ وملائمة لنمط حياتنا بشكل أكثر فاعلية؟؟ هل الضغوطات التي نتعرض لها سواء الاجتماعية، أوالدراسية، أوالمالية، هل جميعها بسبب مؤثرات خارجية؟ أم أن جزءًا من هذه الضغوطات هو من صنعنا نحن؟ من صنع نفسيتنا وطريقة تفكيرنا؟!
هذه الأسئلة وغيرها تتراود دائمًا في عقولنا، لا بل جميعها مترابط وله صلات ببعضها، بالطبع حياتنا هي نتاج تفكيرنا، والطرق التي نسلكها في مضمار الحياة هي طرق من اختيارنا. صحيح أن المؤثرات الخارجية لها دور كبير في بناء نظام تفكيرنا، لكن جزءًا كبيرًا من هذه العوائق، والتي نشعر بأنها تنغص عيشنا؛ هي سبب ذاتي، وهي بسبب المنهج الذي نتبعه في حل المشاكل التي تعترضنا، بالطبع نظام تفكيرنا الذي نتبعه هو نتاج تربيتنا، هو نتاج الأسرة، والشارع، والمدرسة، والعمل، لكننا نستطيع تطويره، ونحن قادرون على تحطيم جميع القيود التي تعيق عملية تطويرنا الذاتية، وإعادة برمجتنا من جديد، بما يحقق سعادة وراحة دائمة.
لنبدأ بالأمور البسيطة، والتي نشعر بأن ليس لها أهمية، والتي تسبب لنا آلامًا قد تكون طفيفة، ولكن لها خلفيات كبيرة، مثلاً كنت في حفلة أو رحلة مع عدد من الأصدقاء والمحبين، وكانت تلك الرحلة أو الحفلة ستكون مثالية لولا وجود شخص معين فيها. لنحلل هذه الفكرة، هل يستطيع إنسان أن ينغص علينا حفلة أو رحلة؟ بالطبع لا، لكن تفكيرنا بالأشياء السلبية التي أحدثها ذلك الشخص أو المتعلقة به، هي التي راودتنا وسببت لنا ألمًا أو معاناة أو ضيق، في موقف يفترض أن نكون به مسرورين. الحل بسيط جدًا، ويكمن في ذواتنا، فالقدرة على احتواء الموقف، وتدبير طريقة إخراج تضمن لنا سعادة شخصية، وتضمن راحة في ذلك الموقف يكمن في تغيير طريقة تفكيرنا، ويكمن في تغيير تعاملنا مع تلك الظروف. إذن السعادة هي نتاجنا نحن، فمن غيري يستطيع أن يسعد نفسي.
تخيل لو أنك على شاطئ البحر، وأنك مستمتع بالشمس الدافئة والمياه الزرقاء الصافية الجميلة، وفجأة خطر في بالك موقف مزعج، مثلا شبهت إحدى الفتيات التي رأيتها على ذلك الشاطئ، بفتاةٍ سببت لك ألمًا عاطفيًا أو جُرحًا معينا، وعدتَ بالوراء إلى جميع الذكريات الأليمة التي عشتها مع تلك الفتاة، تخيل أن تشبيهك لتلك الفتاة التي سببت ألما لك، قد جعلك تعيش في مواقف كئيبة، وذكريات أليمة. أليس هذا التشبيه من صنعك أنت؟ أليس استرجاع الذكريات الأليمة هو شيء ذاتي من عقلك أنت؟ أليس عيش تلك المواقف المزعجة التي استرجعتها وأنت على شاطئ البحر الجميل هي من صنع نظام تفكيرك؟ بالتأكيد عملية تغيير الفكر ليست بتلك البساطة، لكنها باليقين ليست مستحيلة.
فلو أننا تجاوزنا تلك المحنة وذلك الألم بشكل عقلاني، لما أدى رؤيتنا لتلك الفتاة كل هذا الألم . فالذكريات الأليمة لا تحاربها و لا تكبتها، فالألم على حب ضائع، أو خيانة، أو جرح عميق في نفسك، يترك بك ألمًا. إن هذا الألم يعودُ، يحبس أنفاسك من الضيق. الحل أن تتركها تنساب لأنك إذا قمعتها؛ فإنها ستتراكم، وستبقى كالجمر تحت الرماد، وستبقى محصورة ومستعدة للانفجار في أي فرصة تسنح لها. فلو لم تتحاشاها منذ البداية، وتركت لها المجال لتعبر، وسمحت لها بالخروج دون أن تقاومها؛ فإنها سوف تمر. ولما كانت الآن مستعدة لتنغص عليك تلك الرحلة أو الحفلة إذن. أي أنك لو تركتها تمر في وقتها، لكنت اعتبرتها تجربة إضافية خضتها في هذه الحياة وتعلمت منها الكثير. واعلم جيدًا أن الجرح القديم سوف يتضاءل، ويتضاءل معه احتمال عودته. وأنت الذي تستطيع تحديد لحظة اندماله، هكذا يكون النضج الحقيقي، وهكذا يكون احتوائك للموقف بشكل عقلاني مفيد. وهكذا تستطيع تطوير علاقاتك وتوسيعها، وتجعلها علاقات ناجحة.
إذن اجعل حياتك أفضل، هذا عمل أنت نفسك قادر عليه، لا بل لا يستطيع أي شخص في العالم أن يجعل حياتك أفضل، لأن هذا العمل هو شيء نابع من الذات، فأنت الذي تفكر، وأنت الذي تحب وتسافر، وتخطىء وتتعلم، وتبني وتهدم، وأنت الذي تعيش وتعرف جيدا أن أحدًا لن يموت بدلاً عنك، فبالتأكيد تستطيع أن تجعل حياتك أفضل، بالطريقة التي تحقق فيها انسجامًا متكاملاً مع قدراتك وطاقاتك.
إذن كل شيء هو من صنع ذاتك، وأي تحسين لظروفك المحيطة هو من نتاجك، وأي تجاوز لأي محنة هو بسبب نضجك وفاعليتك الحقيقية في احتواء الأزمات والمحن التي تتعرض لها.
فالحياة بالنهاية أنت الذي تعيشها، وبالتالي أنت المسؤول عن تعاستها وشقائها، ونحن المسئولون عن رغادتها. أفلا نسعى لتحسينها انطلاقًا من ذاتنا؟