بقلم : جرجس بشرى
يعتبر البابا بطرس السابع، البطريرك الــ ( 109 ) في عداد بطاركة الكرسي الإسكندري، وهو من البطاركة العظماء في تاريخ الكنيسة القبطية المشهود لهم بالروحانية والفضيلة.

ولد هذا القديس العظيم بقرية "الجاولي" بمركز "منفلوط" ، ومنذ صغره كان زاهداً للعالم، فقادته العناية الإلهية إلى دير القديس العظيم الأنبا أنطونيوس، فترهب فيه، وتفرّغ للعبادة والنسك والطهارة، وتزود بالعلوم الطقسية واللاهوتية، فرُسِمَ قساً على الدير، باسم "مرقوريوس" ، ولغيرته وطهارته وسيرته النقية، وصلت أخباره إلى البابا "مرقس الثامن" ، فاستدعاه إليه.

الأثيوبيون يطلبون مطراناً لهم:
وحدث بعد أن استدعاه البابا أن حضر جماعة من الأثيوبيين موفدين من قبل ملك أثيوبيا، يطلبون مطراناً لهم عوضًا عن نيافة الأنبا "يوساب" ،المطران السابق الذي تنيح (توفى).
 وكان هذا الوفد معه خطابات إلى الحاكم، وإلى البابا "مرقس الثامن"، الذى بحث عن رجل صالح وعالم فاضل، فلم ير أمامه إلا القمص "مرقوريوس" لهذه المهمة، فأختاره لمطرانية "أثيوبيا"، وقام برسامته مطرانًا، إلا أنه في وقت الرسامة لم يُقلده على أثيوبيا، بل جعله مطراناً على بيعة الله المقدسة، وسماه "ثاوفيلس" ورسم بدلاً منه الأنبا " مكاريوس الثاني " مطراناً لمملكة أثيوبيا عام 1808 م . وبعد رسامة الأنبا ثاوفيلس مطراناً عاما ً استبقاه البابا معه في القلاية البطريركية، يعاونه في تصريف أمور الكنيسة.

رسامته بطريركاً : 
 ولما تنيح "البابا مرقس الثامن" في 21 ديسمبر 1809 م ، أجمع الأساقفة مع أراخنة الشعب على أن يكون الأنبا "ثاوفيلس" خليفة للبابا، فرُسم بطريركًا في الكنيسة المرقسية بالأزبكية بالقاهرة، بعد ثلاثة أيام فقط من نياحة البابا "مرقس الثامن"، وكان ذلك يوم الأحد الموافق 24 ديسمبر سنة 1809 م ، الموافق 16 كيهك سنة 1526 للشهداء، ودعي اسمه "بطرس السابع"، واشتهر باسم "بطرس الجاولي".
 وفي عهده رفرف السلام على البلاد فنالت الكنيسة الراحة التامة والحرية الكاملة في العبادة، وتجددت الكنائس في الوجهين "القبلي والبحري".

رسامة أسقف للنوبة والسودان :
في عهد البابا "بطرس السابع" عاد إلى الكرسي الإسكندري "كرسي النوبة والسودان" بعد إنفصال دام لمدة ( 500 ) عام، ويرجع الفضل في عودة كرسي "النوبة" للحظيرة المرقسية إلى "محمد علي باشا الكبير"، حيث فتح "محمد علي" السودان، وامتلك أراضيه، وضمها إلى الأقطار المصرية، فعاد كثيرون من أهل "السودان" إلى الدين المسيحي،  كما استوطن "السودان" كثير من كتاب الدولة النصارى ورجال الجيش.

ثم بنى هؤلاء المسيحيون الكنائس، وطلبوا من البابا "بطرس السابع" أن يرسل لهم أسقفاً ليرعى الشعب المسيحي بهذه الأقطار، فرسم لهم أسقفاً زكّاه شعب "السودان" من بين الرهبان اسمه "داميانوس"، وتنيح هذا الاسقف في أيام البابا "بطرس"، فرسم لهم أسقفاً غيره، ومن ذلك الحين تجدد كرسي "النوبة" الذي هو كرسي "السودان".

وقام البابا بطرس السابع الملقب بــ "الجاولي" برسامة خمسة وعشرين أسقفاً على أبروشيات القطر المصري والنوبة، كما رسم مطرانين لـ " أثيوبيا " ؛ الأول هو " الأنبا كيرلس الرابع عام 1820م ، والثاني عام 1833 م .
 وكان من أشهر أساقفته الطوباويين " أنبا سرابامون" مطران "المنوفية" الشهير بـ "أبو طرحة"، الذي منحه الله موهبة شفاء الأمراض وشفاء الأرواح النجسة، ويذكر التاريخ أنه أخرج روحاً نجسة من الأميرة "زهرة" هانم، كريمة "محمد علي باشا الكبير" والي مصر، ولم يرغب في شئ من هدايا الوالى مكتفيًا بطلب بعض المؤونة والكسوة لرهبان الأديرة، وإرجاع الموظفين إلى الدواوين، كما كانوا في سالف الزمان، فأعجب به الوالي وأجاب طلبه".

الله يستجيب لصلوات البابا بطرس السابع ويفيض النيل:
يؤكد التاريخ الكنسي أن الله قد أجرى معجزات وعجائب كثيرة على يد البابا "بطرس السابع"، وأشهر هذه المعجزات "حادثة وفاء النيل"، فقد حدث أن نهر النيل لم يَفِ مقداره المعتاد لإرواء البلاد في إحدى السنين، فخاف الناس من وطأة الغلاء وشدة الجوع، إذ أجدبت الأرض، وأستعانوا بالباشا طالبين منه أن يأمر برفع الأدعية والصلوات إلى الله تعالى ليبارك مياه النيل، ويزيدها فيضاناً حتى تروي الأرض فتأتي بالثمار الطيبة ولا تقع المجاعة على الناس.

 فاستدعى البابا "بطرس السابع" رجال الإكليروس وجماعة الأساقفة، وخرج بهم إلى شاطئ النهر، واحتفل بتقديم سر الشكر،  وبعد اتمام الصلاة غسل البابا أواني الخدمة المقدسة من ماء النهر، وطرح الماء مع قربانة البركة في النهر، فعجت أمواجه واضطرب ماؤه وفاض، فأسرع تلاميذ البابا إلى رفع أدوات الإحتفال خشية الغرق، فعظمت منزلة البطريرك لدى الباشا فقربه إليه وكرّم رجال أمته.

البابا الوطني :
ومن الحوادث التاريخية التي تؤكد على وطنية البابا "بطرس السابع" أن إمبراطور "روسيا" أوفد إليه أحد أفراد عائلته، ليعرض عليه وضع الكنيسة القبطية تحت حماية القيصر، فرفض البابا "بطرس" العرض بلباقة قائلاً أنه يفضل أن يكون حامي الكنيسة هو راعيها الحقيقي الملك الذي لا يموت" أي المسيح"، فأعجب الأمير بقوة إيمان البابا، وقدّم له كل إكرام وخضوع وتزود من بركته وانصرف  من حضرته.

نياحة القديس البطريرك:
لما أتم البابا "بطرس السابع" رسالته، وأكمل سعيه الصالح، تنيح بسلام في الخامس من أبريل عام 1852 م ، وصلّوا عليه بإحتفال عظيم أشترك فيه رؤساء الطوائف المسيحية بالكنيسة المرقسية بالأزبكية، ودفن بها بجانب البابا "مرقس" سلفه، ومعهما الأنبا "صرابامون"، أسقف المنوفية، في الجهة الشرقية القبلية من الكاتدرائية الكبرى بالأزبكية، وأقام البابا "بطرس السابع" على الكرسي البطريركي( 42) سنة، و( 3 ) شهور،و ( 12 ) يوم.