بقلم: القس نصيف هارون
من حين لآخر يُطل علينا الأدباء والشعراء والمفكرون بإبداعاتهم الجميلة التي نحتاج إليها لتنشيط الذهن وإثارة العقل بتجديد الفكر، والإشكالية التي يقف أمامها الكثيرون تمكن في السؤال: هل للإبداع حدود يجب أن لا يتخطاها؟ وإذا كانت هناك حدود لاشك أن الإبداع سيتوقف لأنه يحتاج لمساحة للانطلاق.
والفكر المقيد المحدود لا يمكن أن ينتج الجديد، من الذي يحدد هذه أو تلك الحدود التي يجب مراعاة، هل الأدباء أنفسهم أم النظام الحاكم أم المؤسسة الدينية ورجال الدين...الخ؟
وهذه المشكلة نعاني منها نحن الشرقيون فقط لأننا نُنصب أنفسنا حماة على الدين والمقدسات ولا سيما الدين الإسلامي ونبي الإسلام طبعا لأنه عرضه أكثر من غيره للنقد والتي جعل المؤسسة الدينية الإسلامية تخاف أكثر من غيرها. فعندما تظهر رواية أو أي عمل فني يقترب من بعيد أو قريب إلى الدين والنبي تجد الأقلام تُسن والمقالات والإعلانات تملأ الدنيا.
فهل ننسى ما حدث عندما ظهرت الرسوم الكاريكاتيرية الدنمركية التي تسيء لنبي الإسلام؟ وما حدث من أعمال تخريب وحرق للسفارات الأجنبية ولا سيما الدنمركية في كثير من الدول العربية، وناهيك عن المقاطعات والنداء من الأزهر أو المساجد والكل راح يشجب و يدين.
وهذا السيناريو يتكرر كلما ظهر عمل إبداعي جديد مثل رواية "أعشاب البحر"، أو رواية رشدي سليمان "آيات شيطانية" أو مسلسل أو فيلم أو أي شكل من أشكال الإبداع الفني المختلفة...الخ.
وينادي المفكرون بأنه لابد من فصل الإبداع عن الدين؟ والغريب إننا لا نقرأ لأي مقال يكتب أو نسمع أي نداء يقدم عندما تتعرض الرواية إلى الدين المسيحي بل نجد ذات الأقلام تتبرع بالرد قائلة أين الإبداع الفكري وحرية الرأي؟ فالكيل بمكيالين والازدواجية هي سلاح هؤلاء والذي فقد مصداقيته.
وأرى أن يكون هناك حرية للإبداع بدون قيود مع وجود حرية للرد والنشر بذات القوة للطرف الآخر، فماذا حدث عندما ثارت الكنيسة على أكاذيب يوسف زيدان التي هاجم فيها العقائد المسيحية في روايته "عزازيل" والتي نال عليها جائزة بوكر العالمية والتي اسميها جائزة في إقرار وترسيخ التعصب والتحيز الديني من لجنة تحكيم مسلمة وعربية؟؟ تقولها صراحة للجميع نحن مع مَن يهاجم المسيحية لكننا لن نسمح بأي إبداع حتى لو حقيقي يهاجم الإسلام ونبي الإسلام؟
فاليوم طالعنا صحفية الأهرام بهذا الخبر الذي يؤكد ما قتلته من شجب وتكفير لرواية تركية تهاجم الذات الإلهية "محمد" ولست اعرف هل الذات الإلهية هي "محمد" نبي الإسلام؟
أدعو الجميع إلى وقفة صدق ولا سيما المثقفين إلى إعطاء مساحة من الحرية وعدم الإرهاب الفكري للذين يبدعون وعلينا أن نصحح أو نرد على الفكر بالفكر وليس بالسيف.
وإليكم نص الخبر في الأهرام 15/4/2009
أنقرة ـ من أسامة عبد العزيز:
((في الوقت الذي أبدت فيه تركيا اعتراضاً على ترشيح رئيس الوزراء الدنماركي أندرياس راسموسن لقيادة حلف الناتو, واتهمته بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات ضد الرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام, فاجأ الروائي التركي نديم جورسيل الأوساط الثقافية بتقديم رواية بعنوان بنات الله تهين الذات الإلهية والرسل وكل الأديان والكتب السماوية.
ووفقا للتقرير الذي نشرته صحيفة ميللييت التركية, فقد تحدث المؤلف عن نبي الله إبراهيم قائلا: هذا إبراهيم الصغير قد تخطي حدوده, وقال في مكان آخر: إن إبراهيم لم يتمكن من إنجاب أطفال شرعيين من زوجتيه! كما تجرأ في موضع آخر علي الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم, مشككا في دوافع زواجه من السيدة خديجة التي كانت تتمتع بثراء كبير. وتحدث عن أم المؤمنين عائشة, واصفاً إياها بألفاظ مهينة, كما تطاول علي القرآن الكريم. ودفعت الرواية أحد القراء إلي التقدم بطلب لرئاسة الشئون الدينية في شهر فبراير الماضي لمراجعة ما ورد بها, فتم تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الشئون الدينية البروفيسور حمزة أوكتان الذي أصدر تقريرا من صفحة واحدة انتقد فيه ما جاء في الرواية. واللافت للنظر أن اللجنة الدينية لم ترسل تقريرها إلا للقارئ الذي طالبها بضرورة توضيح موقفها من الرواية فقط. وتوقعت الصحيفة التركية أن تثير الرواية جدلا واسعا في الأوساط الثقافية التركية, وفي العالم الإسلامي)).