بقلم : الهاجري
ان مأساة المتنصرين في مصر لهي أكبر دليل على انهيار المجتمع المصري انهيارا ً داخليا ً لا يستثنى منه طرف من الأطراف مسيحيا ً كان أم مسلما ً ... فالمسلم الذي يقضي عمره باحثا ً عن الحق ويجد ضالته في المسيح يسوع له كل المجد ويتحرك بهذا الإيمان بكل نهم مسائلا ً الكتاب المقدس كل يوم عن سبب خلاصه ودلائل هذا الإيمان يصطدم بواقع مرير مقيت يتلخص في عدة أمورأذكر منها أمرين فقط : -
1- الدولة الثيوقراطية :
إن الدولة المصرية التي انهارت مدنيتها بعد قيام الثورة اللامباركة عام 1952 وتحللت شيئا ً فشيئا ً من قيود العلمانية أو بمعنى أصح قامت بأسلمة العلمانية بالنص السحري الرهيب " الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع " لا تعطي المواطنين التكافؤ في فرص الحرية الدينية ... فهي تعطي للمسيحي من المغريات والحريات للتحول من المسيحية للإسلام مجبرة إياه في أحيان كثيرة على البقاء في تلك الدائرة التي دخلها لو رغب في العودة إلى دينه بعد اكتشاف الخدعة أو زوال السبب الذي دعاه لتغيير دينه " زوجة - إغراء مادي - كفالة - أسلمة القاصرات " ، وكذلك لو أسلم رب أسرة فإن مصير الأولاد غير البالغين يكون حتما ً الإجبار على تغيير ديانتهم بالأحكام القضائية التي تنفرد بها مصرنا عن سائر دول العالم .
تلك الدولة التي تمنع هذا الحق عن المسلم الذي يريد اختيار المسيحية والنماذج على هذا كثيرة وأكثر من أن تحصى .. وقد أورد الدكتور ميلاد حنا في كتابه الأعمدة السبعة للشخصية المصرية أسماء بعض المتنصرين الذين تم اعتقالهم لشهور طويلة نتيجة اعترافهم بالسيد المسيح .
وقد كانت ريهام عبد العزيز بنت مدينة طنطا آخر تلك الأمثلة ، ومحمد حجازي ، وسبقهما في عام 1994 ابن مدينتها " م . و " الذي تم اعتقاله من مباحث أمن الدولة في فترات " 1995 ، 1996 ، 1997 ، 2000 ، 2004 ، 2009 " ، والذي ما زال يكابد هو وعائلته الأمرين ولا يستطيع الخروج من مصر أو العيش فيها .
هذه المأساة في هذا النظام الذي يتم إعلان عكسه كل يوم بأن الدولة المصرية تقوم على حرية العقيدة والعبادة لكل مواطن تضع الموازين في حالة رجحان كامل في الجانب المسلم ، وتعلن إشهار السيف والقيد لكل من حاول ويحاول الانتقال إلى حظيرة الكنيسة .
2 - الكنيسة : -
إن الكنيسة القابعة بين نوم وخوف تكرز في صمت ، وأحيانا ً يرتفع صوتها بتلك الكرازة ، ولكن إذا دقت الساعة وأزفت الآزفة فإن الحال يصبح غير الحال ، وتخرج التصريحات من قلب الكنيسة وأساقفتها بأنه " لا مجال للتبشير في مصر " ، و " نحن ضد الفتنة الطائفية " ... فكأن تبشير المسلم بدينه هو سبيل صحيح ووسيلة لتوحيد مصر " تحت ديانة واحدة طبعا " ، أما اعتراف المسيحي بمسيحيته ودفاعه عنها ودعوة الغير لمعرفة رب المجد يسوع فهذا سبيل الضلال وطريق الفتنة والغواية .
ولا مراء أن الكنيسة تمارس دورا ً كبيرا ً في العناية بالمتنصر ، ولكن هذا الدور ينمحي ويتلاشى مع أول خبطة أمنية ، وأول تكشيرة عن الأنياب باستدعاء أحد ممثلي الكنيسة أو السجن " مثلما تم مع الاب الكاهن الذي قام بتزويج ريهام عبد العزيز " .
إن الهروب من خدمة المتنصر والتعهد له بالرعاية والمطالبة للسلطات بحرية التبشير هو شبيه بمثال الغني الغبي الذي رأى ما عنده كاف لبقائه غنيا ً طوال حياته فضاع ما يملك .. إذ أنه من المعروف بداهة أن ما ليس يزيد ينقص ونسيت الكنيسة أن هذا المتنصر ربما يكون ابن عم أو ابن خال بحكم القرابة مرت عليه سنون وتمت أسلمته بطريقة من الطرق وضاع في غياهب الزمان .
إن سيدنا له كل المجد ضرب المثل بوجوب الكرازة لغير المسيحيين بمثل الخروف الضال الذي ترك لأجله التسعة والتسعين وذهب يبحث عنه صاحبه . فالتسعة والتسعون في أمان في داخل الكنيسة أما هذا الذي يقبع وحيدا ً بين فكي إبليس المفترس سوف يضيع لا محالة ما لم يتم إنقاذه .
فهل نفيق ونطالب بتغيير الدستور الذي يجثم على تلك الصدور ويمنع الكثيريين ممن يرغبون في الانضمام للجسد الواحد ؟ أم أننا سوف نظل في محلنا لا نسير ؟
هل تتحول الكنيسة من كنيسة إقليمية منغلقة إلى كنيسة كارزة باسم الرب ومساعدة لأولئك الذين فتحوا أعينهم لمجد يسوع المسيح ؟ أم تنتظر الكنيسة نبأ موتهم وبعدها تسبق أسماءهم بلقب " الشهيد المتنصر فلان ؟
لعل وعسى .