CET 08:51:42 - 24/05/2010

صحافة نت

العربية.نت

عشرات بل مئات من من أصحاب عربات الفول يستيقظون في الصباح الباكر لينتشروا في شوارع القاهرة لتقديم الفطور المعتاد للناس ألا وهو صحن "لفول المدمس"،حيث تنتشر في أرجاء المعمورة العربات الخشبية الملونة والتي تحمل إناء ضخما "قدرة" مليئا بالفول الناضج و كمية كبيرة من الخبز ، و زجاجات الطحينة والزيت والبصل الأخضر والليمون والمخللات والبيض المسلوق على العربة .

عربة فول مدمسولا يستغرب المعتاد على الخروج في شوارع القاهرة في الصباح رؤية عربة صغيرة غالبا ما يكون لونها أحمر ممزوج بأصفر أو أخضر ومكتوب عليها عبارة "سترك يارب" ويقف أمامها رجل منهمك في إضافة الليمون والزيت الحار وأحيانا البيض على الفول الذي يخرجه من القدرة الكبيرة الموضوعة على العربة.

وحول هذا الرجل يجتمع رجال من كل الأطياف ، منهم من يرتدي حلة أنيقة ويمسك بمفتاح سيارته الحديثة ومنهم من يحمل دفاتر الجامعة ومنهم من يضع بجواره المعول حتى ينتهي من تناول الفول ليذهب للبحث عن عمل ، تجمعهم جميعا عربة الفول أو كما يسميها المصريون "عربية الفول".

ويلجأ كثيرون إلى هذا "المشروع الصغير" كسبيل لكسب القوت في ظل ارتفاع معدلات البطالة ، كما أن أصحاب العربات عادة لا يستخرجون الأوراق الرسمية المطلوبة كالشهادة الصحية أو الملف الضريبي أو غير ذلك.

وأحيانا يكون هذا المشروع "باب السعد" لصاحبه الذي يبدأ بعربة فول صغيرة في حي شعبي ختى يمتلك مطعما في أرقى الأحياء.

ومع مرور الزمن يكون لكل عربة مكانها المعروف، حتى أن هناك من يقطع المسافات الطويلة للوصول إلى عربة تذوق فولها في يوم من الأيام واستحسنه.

ولا يقتصر عشق الفول على الفقراء فقط وإنما يشاركهم في هذا الميسورون . يقول مصطفى ، وهو صحفي مرموق :"لا يضاهي فول العربية أي فول نشتريه من أي من المطاعم الراقية التي تقدم الوجبات الشعبية".

اقبال يومي كبير على أطباق الفول المصريةويؤكد مصطفى أنه لا يخجل أبدا من وقوفه للأكل على عربة فول وهو يرتدي بدلته الأنيقة كما أنه لا يخشى أن يراه أحد من زملائه ، ويقول :"لماذا أخجل .. أحيانا أصعد إلى مكتبي ..أترك الحقيبة ثم أمر على زملائي وننزل جميعا لتناول الفول على العربة .. هذا أمر أشبه بالفولكلور ، ولا أرى سببا للإحراج في هذا".

ويوضح سامي ، وهو عامل بأحد المكاتب ، أن سعر الوجبة على عربة الفول يتراوح من جنيه ونصف في المنطقة الشعبية مثل باب الشعرية ، التي يقطنها ، إلى أربعة أو خمسة جنيهات في المناطق الراقية كجاردن سيتي ، حيث يعمل ، أما سعر الساندويتش فيبدأ من 50 قرشا إلى جنيه حسب المنطقة والإضافات.

ورغم أنه لا يوجد أي شيء يضمن نظافة الطعام المقدم ، يرى سامي :"الأمر كله في الأساس يعتمد على مدى قابلية المرء ، فليس سهلا على كثيرين أن يأكلوا في طبق رأوه بعيني رأسهم يغسل وسط العشرات من الأطباق في مجرد جردل من المياه".

وتقول هند، وهي موظفة بإحدى المصالح الحكومية:"أحب فول العربة التي تقف أمام المصلحة إلا أني أشعر بالإحراج من الوقوف وسط الرجال والشراء من على العربة ، ولذا أجمع المال من زميلاتي ونطلب من عم خليل (العامل) الذهاب وشراء الفول لنا".

أما موسى، وهو عامل بناء في القاهرة ويترك أسرته في محافظة قنا بصعيد مصر فيقول، "لا غنى عن الفول في الإفطار لأن الفول يظل في المعدة فترة ولا يتم هضمه سريعا"، ويضيف ضاحكا "الفول مسمار البطن.. أشعر بأنه يظل مكانه في بطني لمدة ساعتين على الأقل قبل أن تبدأ عملية الهضم ولهذا لا أشعر بالجوع سريعا رغم المجهود الذي أقوم به".

عربية فولولا يوجد شيء علمي يفسر ارتباط المصريين بطبق الفول ، إلا أن الدكتور مصطفى نوفل عالم التغذية المصري الشهير الراحل دافع عن الفول حيث قال :"يعتقد البعض خطأ أن تناول الفول يؤثر سلبا على الحالة العقلية للإنسان ، ويصيبه بنوع من الخمول والعكس صحيح. فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن المخ يقوم بإرسال عدد كبير من المواد الكيميائية الحيوية للجسم ، بعد تناوله ، وهي ما يسمى بالموصلات العصبية ، وهي تساعد على ظهور مشاعر السعادة والنشاط ، لأن الجسم يحصل على تغذية متكاملة تضمن له كل ما يحتاجه ، الأمر الذي ينعكس أيضا على مزاجه الذي يتحسن".

وعادة ما لا يكتفي صاحب عربة الفول بـ"مائدة الطعام" التي توفرها عربته وإنما يقوم بإعداد مائدة إضافية بجوار العربة تكون في الأساس عبارة عن براميل أو أقفاص من جريد النخل يضع عليها لوحا طويلا من الخشب ليرص عليه الطعام ، كما أن الفول لا يكون هو فقط اللاعب الرئيسي على العربة ولكن لابد من وجود البصل الأخضر والمخللات "لتحفيز شهية" الزبائن.

وفي حال زيادة عدد رواد العربة عن سعتها وسعة "المائدة" الملحقة بها ، قد يمتد الأمر إلى السيارات المتوقفة قرب العربة ، فنجد بعض الزبائن يضعون أوراق جرائد على السيارات المجاورة ويضعون فوقها الطعام ، ويغوصون في المذاق الرائع بغض النظر عما قد يسببه هذا لمالك السيارة من مضايقة.

وهناك على الجانب الآخر ، من يرون أن مثل هذا المنظر سلوك غير حضاري تماما، وكان من الطريف أن قرأنا قبل أسابيع في الصحف خبرا عن أستاذة جامعية تطالب برفع دعوى طلاق ضد زوجها الأستاذ الجامعي لأنه يتناول الفول المدمس على عربة بالقرب من المنزل مما يسبب لها "إحراجاً شديداً ويسئ إلى سمعتها وسمعة أسرتها".

ورغم تأكيد الزوج أنه "يتناول الفول كمواطن وليس كأستاذ جامعي" إلا أن الزوجة أصرت على طلب الطلاق فتمت إحالة الأمر إلى القضاء.

وعادة ما يبحث صاحب عربة الفول عن أماكن التجمعات ليكون من الأسهل عليه بيع ما لديه من طعام، وغالبا ما يكون هذا قرب الشركات أو محطات الحافلات أو الجامعات.

ورغم أن عشق المصريين للفول ربما يكون سببا في سخرية قلة قليلة من غير المصريين ، إلا أن المصريين أنفسهم لا يلقون لهذا بالا ، وهو ما يؤكدون عليه وبدا واضحا من الفيلم الكوميدي "فول الصين العظيم" الذي حصل خلاله المنافس المصري على الجائزة الأولى في مسابقة للطهي بفضل إعداد طبق من الفول.

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ١ تعليق

خيارات

فهرس القسم
اطبع الصفحة
ارسل لصديق
اضف للمفضلة

جديد الموقع