بقلم: مجدي ملاك
في الخامس عشر من الشهر الماضي تبنت بعض الدول في المجلس الدولي لحقوق الإنسان وثيقة أطلقوا عليها "وثيقة محاربة إهانة الأديان"، وهي وثيقة لم يوقع عليها سوى دول محدودة أغلبها من الدول العربية مثل مصر والسعودية وقطر وماليزيا وأندونسيا وبدعم من كل الصين وروسيا، ومضمون وهدف الوثيقة حسبما ترى تلك الدول هو محاربة إهانة الأديان من حيث الشكل فقط، وجاء ذلك خاصة بعد الرسوم الدنماركية التي أساءت لرسول الإسلام كما يعتقد البعض، والغريب أن تلك الوثيقة صادرة من دول هي لا تحترم حرية الكلمة وترى في تكميم الأفواه وسيلة من أجل مزيد من إجهاض حرية الكلمة التي يسعى إليها المجتمع الحر، وهنا يجب أن نسجل أنه لا يوجد أدنى شك في رغبتنا جميعاً في أن تُحترم الأديان بشكل عام، ولكن الإحترام الذي نريده هو احترام الممارسة والتعبير الحر عن كل معتقد بصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه، ولكن ما تريده تلك الدول هو في الحقيقة ليس وثيقة لعدم إهانة الأديان بل وثيقة لتكميم الأفواه، كجزء من استراتيجية تلك الدول في تكريس سلطاتها الديكتاتورية، فهي تعتبر اللعب على الوتر الديني هو أحد عوامل الحفاظ على سلطاته من أجل حشد ذلك القطيع في الوقت الذي يريد باعتباره المدافع عنه والمخلص له.
والغريب في تلك الدول أنها تعتقد أن عدم إهانة الأديان أمر هام وضروري ولكن وبكل أسف فهي لا ترى من الأديان سوى الدين الذي تنتمي معظم تلك الدول له وهو الدين الإسلامي، ومن ثم فغيره من الأديان مباح، ويمكن المساومة عليه بشكل أو بآخر، فالمؤكد أنه لولا أزمة الرسوم الكارتونية في الدنمارك التي ظهرت بشكل كبير لما سعت تلك الدول لإصدار تلك الوثيقة، كما أن تلك الدعوة لا تستقيم مع دول أغلبها ديكتاتوري ومضهد لكثير من الأقليات الدينية داخل دولهم، ولنأخذ مثال مصر التي قادت صدور تلك الوثيقة، فهي في تلك الوثيقة تريد تقنين وضع دولي للأديان، إذاً فليحدثنا المسئولين عن مصر عن كم الكتب التي تهين المسيحية واليهودية، فليحدثنا المسئولين المصريين عن الموجود في الكتب والمناهج الدراسية عن الأديان الأخرى، فليحدثنا المسئولين المصريين عن احترام حق الاعتقاد وحرية الإنتقال بين الأديان التي تتمتع بها مصر، وللأسف لن يستطيع مسئول داخل مصر أن يتحدث عن كل تلك الأمور التي يعتبر النظام مشارك أساسي فيها، وإلا لماذا لم يصدر لنا وثيقة مثل تلك الوثيقة تحرك وتجرم التعرض للديانة المسيحية التي يُسب تابعيها كل يوم جمعة من على منابر الجوامع؟.
إن الإنتقائية في استخراج الوثائق الدولية هي عادة عربية، كجزء من الإزدواجية التي يعيش فيها العالم العربي بشكل عام، فهو يريد أن يمنع ما يمسه في كل العالم، في حين لا يكترث بما يفعله هو بالعالم من بث للكراهية، وحض على القتل من خلال مناهج أقل ما يمكن أن نطلق عليها هي مناهج ضد العالم بما فيها من افتقاد للروح الإنسانية التي تدّعيها تلك الدول في الوقت الحالي، والنظرية التي يمكن استخلاصها من تلك الوثيقة التي أطلق عليها "وثيقة شريرة" أن الدول الديكتاتورية تعمل بكافة قدرتها من أجل الحفاظ على ديكتاتوريتها من خلال الأديان، فلا استطاعت مجتمعاتهم أن تكون مجتمعات متدينة بحق، ولا استطاعت أن تتحلى بروح النقد والقدرة على كشف مغالطات تخلطها الدولة من أجل التروج لديكتاتوريتها لا من أجل الترويج لمبادئ عالمية.
على دول ومنظمات المجتمع المدني أن ترفض تلك الوثيقة بما تحويه، لأن المطلوب ليس احترام الأديان بل دفن أي قدرة على الإبداع والنقد، فلا يجب أن يُمنع أي إنسان من حق التعبير حتى لو كان ذلك ينتقد سلوكيات أتباع دين معين، فلا يجب أن تفرض علينا تلك الدول أن نبني تابوهات من صنعهم، ليكون المطلوب منا هو تصديقها والتعامل معها على أساس أنها أمر واقع، حرية الإبداع لا يجب أن يكون لها حدود، ولا يجب أن تفرض علينا دول في مقدمة الدول التي تنتهك حقوق الإنسان، لتصبح فجأة مدافعة عن حقوق الأديان، أم أن الأديان التي يرغبون في الدفاع عنها تحرض على انتهاك حق وكرامة الإنسان؟؟.
الكشف عن الوجه القبيح لتلك الدول في كتم الحريات هو واجب من أجل إحراجها أمام المجتمع الدولي، فكيف لمنتهك حريات أساسية أن يطالب بالدفاع عن مقدسات، ولكن الأخطر من الكشف عن ذلك الوجه هو انسياق المجلس الدولي لحقوق الإنسان وراء تلك الدعوة التي تُعتبر بحق دعوة مشبوهة لغرض مشبوه، ومن ثم فالمطالبات بإعادة تشكيل ذلك المجلس أصبح أمر ضروري خاصة أن هناك دول أعضاء فيه هي الأكثر انتهاكاً لحريات أساسية في المجتمع الدولي.