بقلم : مادلين نادر
حينما قرأت خبر استقالة "ديفيد لاوس"- وزير الدولة لشؤون الخزانة بـ"بريطانيا" من منصبه- وكان ذلك بسبب فساد مالى، شعرت أننا بحق متميزون فى مجتمعنا، فمهما حدث من فساد مالى وإدارى الإ ان أحدًا لا يتحرك من مكانه.
فبالرغم من أنه لم يمض سوى شهر على تشكيل الحكومة الإئتلافية فى بريطانيا، إلا ان ذلك لم يمنع من أن يقدم وزيرالدولة لشؤون الخزانة "ديفيد لاوس" استقالته من منصبه، فى أعقاب كشف صحيفة «دايلى تلجراف» البريطانية، تقاضيه أكثر من (٤٠ ) ألف جنيه إسترلينى من أموال الدولة؛ لسداد إيجار سكن شريكه المثلي، فى حين أن القواعد البرلمانية تمنع على النواب تأجير محل الإقامة من زوج أو أى مرافق.
و الشىء الجدير بالإهتمام والتقدير، هو أن "لاوس"، الذى كانت تعد مهمته الأساسية مراقبة خطط خفض الإنفاق، التى شرعت فيها الحكومة الجديدة، اعترف بمخالفة قواعد الإنفاق البرلمانى، ووعد بإعادة الأموال التى تقاضاها، وبالمثول أمام لجنة الأخلاق فى البرلمان، وقال أنه: لن يستطيع البقاء فى منصبه، إذ أنه كان من المفترض أن يشرف على خطط خفض الإنفاق، فى وقت جاءت فيه المبالغ التى أنفقها تتعارض مع صميم المهمة التى سيقوم بها...!!!
لكن بالتأكيد، إذا نظرنا إلى مجتمعنا، فسنجد هناك تضاد كبير بين ما حدث بـ"بريطانيا"، وما يحدث عندنا، فنحن لا نستمع فى يوم إلى خبر عن إستقالة أحد المسئولين من منصبه، لأنه تسبب فى ضرر بالمجتمع، أو أنه خالف أى قوانيين. بالرغم من أن هناك العديد من التقارير الدولية التى تؤكد جميعها، أن ترتيب "مصر" فى قائمة الدول المكافحة للفساد تراجع، وأن دفع المصريين رشاوى لإنهاء معاملاتهم أصبح أمر عاديًا، حيث ذكرت منظمة الشفافية الدولية فى دراسة لها صدرت فى نهاية شهر مارس الماضى بعنوان «نظام النزاهة الوطنى فى مصر 2009 " ، أن اللوائح غير كافية فى مجال مكافحة الفساد فى "مصر" بسبب تضارب المصالح، والتدخل السياسى فى عمل الهيئات المكلفة بمكافحة الفساد، وعدم تطبيق آليات مساءلة السلطة التنفيذية فى البرلمان، إضافة إلى عدم وجود قانون محدد لمحاسبة الوزراء..الخ .
و لم يكن هذا هو التقرير الأول، فلقد أصدرت منظمة الشفافية الدولية من قبل، تقريرها السنوى فى شهر أكتوبر من العام الماضى، والذى كشف عن تراجع ترتيب "مصر" عالميًا فى مجال محاربة الفساد للعام الثالث على التوالى، لتحتل المركز الـ( 115 ) من بين (180 ) دولة. وأوضح أن أكثر من 60% من المصريين الذين شملهم الإستطلاع قالوا أنه طُلب منهم- من خلال موظفين حكوميين ومقدمى الخدمات العامة- دفع رشاوى لإنهاء معاملاتهم.
إنها مجرد نماذج قليلة لما هو مثبت من خلال التقارير الدولية عن الأحوال المصرية، ولا يزال الفساد يجرى فى مجتمعنا دون أن يتوقف، ولم يستقيل أحد، فقط يتم إقالتهم، أو استبعادهم من مناصبهم.
لكن يبدو أن أحدًا لن يستقيل سوى الشعب، فهو الآن لا يملك شيئًا للدفاع عن حقوقه، بعيدًا عن الفساد الذى استشرى، سوى أن يستقيل بعيدًا عن الحياة، طالما أحدًا لم يستقيل من المسئولين، بسبب كشف فسادهم فى الصحف و القنوات التليفزيونية كل يوم.