بقلم – جون ميخائيل
لم يكن الاعتلاء التاريخي للرئيس السيسى لمنبر الكاتدائيه المرقسيه الكبرى بالعباسية ليله عيد الميلاد المجيد هو الاول من نوعه في تاريخ مصر الحديث لاعتلاء مصري مسيحى كان أم مسلم لمنبر مسجد او كنيسة  فقد سبقه بنحو قرن من الزمان  شيوخ و قساوسة.

المبادره كانت قبطية بترحيب من شيوخ الأزهر الأفاضل، حيث اعتلى القمص سيرجيوس سيرجيوس  منبر الاسلام الأشهر في العالم ألا و هو منبر الجامع الأزهر الشريف إبان ثورة  ١٩١٩ الشعبية. القمص سيرجيوس  كان مقاوماً للأحتلال الانجليزى و أُبعد من السودان و ذلك لمقاومته الأحتلال هناك، إلا أنه وجد بالقاهرة رفقاءً للمقاومة من طراز فريد منهم مصطفي النحاس و مكرم عبيد و النقراشي و سينوت حنا و أحمد ماهر . القمص سيرجيوس أفحم الإنجليز عندما قال من الأزهر" لو كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم في مصر بحجة حماية  الأقباط فليمت المليون القبطي و يحيا المسلمون أحراراً " ليغلق امام أعداء الوطن سياسة فرق تسد.

و عندما نذكر القمص سيرجيوس لابد أن نذكر أيضا الشيخ الأياتى شيخ جامع العدوى رفيقه في الكفاح، حيث اعتقلا سوياً مرتين اثناء ثوره ١٩١٩ لما كانا لهما من دور مشترك للعمل ضد الاحتلال الانجليزي. يتضح جلياً أن روح الوطن كانت سائده و غالبة في  هذا  الوقت علي روح الدين، فعندما  حُكم علي الوفد المصرى بالأعدام كان ٤ أشخاص  من مجمل  ٧ أقباط, و عندما خُفف الحكم بنفى و اعتقال ٦ أشخاص  الى جزيرة سيشل كان بينهم قبطيين.

 لم نشاهد هذه المظاهر في ثورتى ٢٣ يوليو و التصحيح لأنهما كانتا ثورتان عسكرية و رئاسية علي التولى، و لكن عندما قامت ثوره ١١ فبراير ٢٠١١ الشعبية رأينا هذا المظهر بصوره عكسية فهذه المرة نجد الشيخ مظهر شاهين يعتلى منبر الكنيسة الانجلية بقصر الدوباره شكراً و عرفاناً بالجميل بعد أن تحولت ساحه الكنيسة الي مستشفى ميداني لإسعاف المصابين بغض النظر عن إنتمائاتهم. 

 و عندما نتحدث عن ملوك و رؤساء مصر و زيارتهم الي باباوات و أساقفة الكنيسة نجد أن أول زيارة يقوم بها  أحد أبناء الاسرة العلوية لأحد أحبار الكنيسة كانت بالفيوم، قام الخديو توفيق بزيارة الأنبا آبرام الكبير أسقف الفيوم المتنح عام ١٩١٤ بعد ان سمع عنه و زاع صيتهً و لُقب برجل العطاء، إثناء زيارته للمدينة. زار الملك فؤاد  البابا يؤانس التاسع عشر، كذلك  زار الملك فاروق الكاتدارئية المرقسية القديمة بالأزبكية عده مرات في حبريه البابا يؤانس  التاسع عشر و البابا مكاريوس الثالث. زار الملك فاروق  دير القديس الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر و كتب علي جدارة - بعد رؤيته للرهبان و نسكهم - عبارتة الرائعة " من قال لي أن العمر يدوم لى"

زار اللواء محمد نجيب  البابا يوساب الثاني فى الكاتدرائية المرقسية القديمة بالأزبكية صباح يوم الثامن من يناير  ١٩٥٣و فى مساء ذات اليوم أستقبل الآب البطريرك  اليوزباشى جمال عبد الناصر في القلاية البطريركية و كان  جالساً علي وسادته، حضر الرئيس محمد نجيب أخر  أحتفال قومي تقيمه الكنيسة بعيد النيروز عام١٩٥٣  .

وضع الرئيس عبد الناصر  حجر أساس الكاتدارئية المرقسية الكبري بالعباسية بمشاركه البابا كيرلس السادس في ٢٤ يوليو عام ١٩٦٥ , اليوم التالي لأحتفال الدولة بالذكري الثالثه عشر لقيام ثورة ١٩٥٢,  و عاد ايضا من جديد و أفتتحها في ٢٥يونيه ١٩٦٨ في أحتفال عالمى شهد إيضا عودة رفات  القديس مار مرقس.

استهل الرئيس السادات عصره بزيارته الكاتدرائية  المرقسية القديمة بالأزبكية لتقديم واجب العزاء في نياحة البابا كيرلس السادس في ٩مارس ١٩٧١ بعد ٦ أشهر من توليه منصب رئيس الجمهورية. ثم عاد وزار المقر البابوي  بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية مرتين, الاولى فى ديسمبر ١٩٧٢في سعيه لأحتواء حادث الخانكة, بعد أن زار مشيخه الأزهر في صباح نفس اليوم و صلي الظهر في المقر البابوي هو و الوفد المرافق له, و خرج السادات يقول أن البابا شنودة لم يتوقف لحظه طول الوقت عن تكرار" أنك قائدنا و زعيما و أبونا و راعينا". أما الثانية فكانت عام ١٩٧٧ وذلك لوضع حجر أساس مستشفي مار مرقس المشروع الذي لم يري النور بعد.

أختار الرئيس حسني مبارك أن يمتنع  عن هذه الزيارات مع طول فترة حكمه, ثم أتى المجلس العسكري و جاء إلى الكاتدرائية لتقديم واجب العزاء في وفاة اليابا شنوده الثالث, مع تلاحق الأحداث و كثره التقلبات فى  هذه المرحلة الفريدة من تاريخ الوطن فيما عُرف مجازة بالربيع العربى,  رفض رئيس مصر محمد مرسي حضور حفل تنصيب البابا تواضروس الثاني. و فاجأ الرئيس المؤقت عدلي منصور الأقباط بزيارته للكاتدرائية  كأول رئيس يقوم بتهنئة الأقباط بعيدهم فى ٥ يناير ٢٠١٤و يضع خلفه فى محك عملىّ سياسة من سيتبعٌ؟
      جاء ٦ يناير ٢٠١٥ ليسجل التاريخ مشهد أراه فريداً علامة نور فى تاريخ مصر الحاضر، أستقل الرئيس عبد الفتاح السيسى سيارته عقب عودته من يوم عمل طويل في الكويت الشقيق التي يسبقنا توقيتها  بساعتين و ذهب الي الكاتدرائية و أعتلى المنبر و ألقي كلمه ليوحد بها المصريين في مشهد أعاد في ذهني ما قرأته في التاريخ عن القمص سرجيوس و كيف وقف أمام أعداء الوطن. السيسي يواجه اليوم أعداء الوطن من داخل الكاتدرائية مثلما فعلها القمص سرجيوس منذ قرابة قرن من الزمان و لكن ما يخزن القلب ان أعداء الوطن اليوم هم من بني الوطن و ليسوا غرباء مثلما كان من قرن مضي.
  
سيدى الرئيس عبد الفتاح السيسى أودّ أن أذكركم  أن القمص سرجيوس و قف علي منبر الأزهر ليس مرة واحدة، بل كانت عدة مرات علي مدار ثلاثة أشهر عام ١٩١٩ ،و من هنا أدعوك أن تكون هذه هي المرة الأولى لعدة مرات قادمة لتعتلى بها منبر الحق أينما كان لأن من أعتلى منبر الحق فبالحقيقه يصير فاروقاً و الفاروق هو من يفرق بين الحق و الباطل.