بقلم: جرجس بشرى
أتعجب كثيرًا وأندهش أكثر بسبب الإتهامات التي يُطلقها بعض الأشخاص المعروفين بعدائهم الشديد للكنيسة، ولقداسة البابا "شنودة" الثالث، عقب إحتجاج قداسته على أية مُمارسات ظالمة تُمارس ضد المسيحيين بـ"مصر" وتزدري عقيدتهم.
الغريب أن وصلت إتهامات هؤلاء المُغيبين للبابا، بإنه استطاع أن يجعل من الكنيسة دولة داخل الدولة، وإنه جعل من نفسه المُمثِل السياسي الوحيد للأقباط بعيدًا عن الدولة، ووصلت البجاحة بهؤلاء أن يَدّعوا على البابا بأنه سبب الفتنة في مصر ( تخيلوا )!
ومن يقرأ التصريحات الحنجورية الخبيثة لهؤلاء، يُدرك على الفور جهلهم التام بحقيقة ما يقولون، ويدرك أيضًا أنهم لا يفقهون شيئًا في السياسة التي يدَعون كذبًا أنهم ضليعين فيها، والأخطر من ذلك أن من يقرأ هذه الإتهامات الصادرة عنهم في حق الكنيسة والبابا "شنودة" يتأكد له على الفور ــ وبدون استنتاج ــ أنهم يريدون إثارة الفتنة الطائقية في "مصر"، وتمزيق النسيج الوطني تحت ستار المواطنة، والدفاع عن الدولة المدنية.
أية دولة مدنية ينادي بها هؤلاء؟ ودستور الدولة المصرية ينص في مادته الثانية على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؟!!"
وإن كانوا يتكلمون على الكنيسة بأنها أصبحت دولة داخل الدولة، فأين دولة الكنيسة هذه؟ وأين حكومتها؟ وأين حقوق رعاياها من المضطهدين؟!!
نقول لهؤلاء: لو كانت الكنيسة تفرض سلطتها وهيمنتها على الحكومة المصرية، فما هي انعكاسات هذه الهيمنة والجبروت على أوضاع الأقباط السياسية والإجتماعية؟!
يبدو أن هؤلاء المُدعين جاهلين حتى بالمعتي القانوني والأكاديمي لــ "الدولة"، ويرون أن هناك من يصدقهم من الجهلة والمغيبين والمُغرضين.
ألا يدري هؤلاء أن الحكومة المصرية نفسها بسياساتها التمييزية ضد الأقباط، هي التي أجبرت الأقباط على الإرتماء في أحضان الكنيسة؟
وهل وصل الجهل بهؤلاء ليطلبوا من الكنيسة أو الرئاسة الدينية أن تتغاضى عن الظلم، والإنتهاكات التي تُمارس ضد الأقباط وتزدري ديانتهم في غيبة من إعمال القانون؟!!
فالكنيسة من حقها أن تنتقد وتندد بالظلم، وكافة صنوف التمييز والإضطهاد التي لا تمارس على الأقباط فحسب، بل على أي إنسان على وجه الأرض، بغض النظر عن ديانته أو لغته أو جنسه أو جنسيته، ولا يعتبر هذا تدخلاً من الكنيسة في السياسة إطلاقًا.
أما الذين يدّعون بأن الكنيسة توجه الناس سياسيًاً لإنتخاب شخص معين، أو الإنتماء لحزب معين، فهذا ليس صحيحًا بدليل أن هناك أقباط في أحزاب كثيرة، كما أن قداسة البابا عندما يعلن عن تأييده لمرشح معين فهذا رأيه الشخصي، ويدخل في نطاق حرية الرأي والتعبير، وغير مُلزم للأقباط بالمرة، كما أن التغييب الرسمي للأقباط في السياسة جعل معظمهم يُحجم عن المشاركة السياسية في الإنتخابات.
المشكلة والطامة الكبرى أن بعض الكتاب الأقباط ركبوا الموجة؛ سعيًا وراء المكاسب الشخصية والشهرة، وأصبحوا يرددون ما يبثه هؤلاء الجهلة، ومثيروا الفتنة على مسامع الناس وأبصارهم من سموم. ويدّعون كذبًا أن الكنيسة قد أصبحت دولة داخل الدولة، متناسين جميعهم أن المؤسسة الدينية الإسلامية (الأزهر) هي الدولة الحقيقية التي تحكم مصر، والحكومة المصرية ما هي إلا ستارًا لهذه الدولة !