CET 09:55:21 - 08/06/2010

مساحة رأي

بقلم: إيليا عدلي
كنت جالسًا أشاهد أخبار فلسطين ولبنان على إحدى القنوات الإخبارية ولا أعلم إن كنتُ سرحت بخيالي أم غفوت حينما وجدت نفسي في أحد ميادين لبنان، حيث الجموع الغفيرة يكتظون بهذا الميدان، واستغربت عندما وجدت نفسي واقفًا تحت المقصورة التي يعلوها الرئيس الأمريكي واقفًا يعلن عن خروج إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية والجولان السورية، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية.. فاتسعت حدقتا عيني من هول المفاجأة الغريبة، وعندما نظرت أمامي مباشرة في الصف الأول من المقصورة سقطت على الأرض وفقدت الوعي.. وما أفقدني الوعي هو رؤيتي للمهاتما غاندي جالسًا أمامي مباشرة باسمًا متواضعًا بملابسه البسيطة وبجواره مارتن لوثر كنج بسواده اللامع ووجهه الحازم الآمل.

تمالكت شجاعتي وتقدمت خطوة وأصبحت على بعد بضع بوصات من أذن غاندي وسألته: ما الذي يحدث؟

فأنزل غاندي عينيه عن متابعة كلمة الرئيس الامريكي وقال لي: لقد نجحت بعد شهور عديدة من إعلان بلدي فلسطين دولة مستقلة.

قلت: فلسطين بلدك؟! إزاي؟!!

غاندي: نعم..أنا فلسطيني ونجحت في تحريرها بمعاونة حليفي اللبناني مارتن لوثر كنج.

قلت: هو كمان مارتن لوثر كنج لبناني؟؟! طب ده حصل إزاي..قصدي حررتوا بلادكو إزاي؟

غاندي: نحن نتبع سياسة المقاومة السلبية لتحرير بلادنا،
قلت ضاحكًا: هو الآلة العسكرية الإسرائيلية ينفع معاها هذا الخنوع؟!
غاندي باسمًا برقة: يا بني خد بالك من ألفاظك.. المقاومة السلبية ليست خنوعًا بل قمة الشجاعة .

قلت محرجًا: إزاي؟؟!!

غاندي: لقد تحملنا الظلم في شجاعة وقاومنا بفضح هذا الظلم وكشفه للعالم كله الذي رأى قتل الأطفال والتدمير، وأحرجنا هذه الآلة العسكرية الغاشمة ووضحنا مدى الاعتداء على مظاهراتنا السلمية بعد أن أقنعنا كل الفصائل بالتنازل عن السلاح طواعية لفضح المعتدي على فلسطين ولبنان.

قلت: وما نتيجة ما فعلتم؟

غاندي: النتيجة هي ما تسمعه وتراه الآن، فأمريكا والعالم كله نزع سلاح إسرائيل النووي بعد معاهدات السلام التي تمت معنا ومع لبنان وسوريا وإيران وبإجماع كل أعضاء مجلس الأمن، فلم يعد لإسرائيل حجة أمام العالم بسبب سياستنا السلمية وانتهاء الإرهاب في المنطقة.

ولم ينتهِ غاندي من آخر كلمة حتى جاء دوره في الحديث على المنصة، فالتفت لمارتن لوثر كنج- الذي كان يصفق بحرارة أثناء صعود حليفه غاندي على المنصة بخطوات حثيثة وكأنه لا يتحرك من الوهن والإجهاد- وقلت للوثر: مبروك تحرير كل أراضينا العربية والسلام في منطقتنا.. بس أنا مستغرب إزاي جاتلكو الجرأة باستخدام هذا الأسلوب الجديد في استرداد الحقوق؟

لوثر: ومن قال لك إنه اسلوب جديد؟! هذا الأسلوب اتبعته ومعي ملايين الأمريكان لنسترد حقوق السود الأمريكان من أهل وطني أمريكا.

قلت: نعم؟! إيه؟! هو حضرتك لبناني ولا أمريكي؟!
لوثر: أنا وغاندي نحمل جميع الجنسيات للدول المقاومة للاحتلال وللتمييز.
قلت: معلش عندي سؤال بايخ ..يعني.. هو مش حضرتك وغاندي تم اغتيالكم من زمان؟!!!
لوثر ضاحكًا:  يا بني.. أنا وغاندي لا نموت.

قلت: طب ماتآخزنيش يعني هو إيه نتيجة سياسة المقاومة السلبية في تحرير سود أمريكا؟
لوثر: النتيجة تنبض بالحياة أمامك.. انظر لهذا الشخص الأسود على المنصة.. إنه أول رئيس أسود يحكم أمريكا.. وأنا مغبوط  لدرجة لا تتخيلها لأني حلمت بهذا منذ خمسة وثلاثين عامًا عندما ألقيت كلمة على مئات الآلاف من الأمريكان السود والبيض أمام تمثال إبراهام لنكولن وقلت "أنا عندي حلم" وها هو الحلم تحقق أمامك بعد أن فضحنا الظلم الواقع علينا من الأغلبية البيض في أمريكا.

قلت: بس الشعب الأمريكي كان لديه ضمير ورفض الظلم لما شافوه واقع عليكم والشعب الإنجليزي كذلك في بلد أخيك غاندي الهند، وأما إسرائيل قد لا يفيق ضميرهم وكان ممكن يخلوكم ملطشة.

لوثر: هذا لا يحدث في القرن الحادي والعشرين في ظل الإعلام والإنترنت وحقوق الإنسان ومجلس الأمن وضمير المنظمات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة.. وحجتهم الإرهاب توقف وحجتهم السلاح تركناه وحجتهم الكراهية.. سنتعايش مع الكل.. لا حجة للظالم أمام العالم كله ولا حجة للمظلوم بأن يدمر ويقتل الأبرياء بل يكون فاعلاً مطالبًا بحقه في الحصول على الاستقلال والسلام والحرية بالمقاومة السلمية.

وعندما أنهى مارتن لوثر كلامه تم مناداته للحديث على المنصة وفجأة سمعت صوت انفجار رهيب لأفتح عيني أجد نفسي جالسًا في حجرتي أمام التليفزيون ورأيت انفجارات على الشاشة، وأسمع مذيع الأخبار يقول: قام الجيش الإسرائيلي باجتياح غزة بقوات برية وجوية جرارة مدعومة من الأسطول الإسرائيلي البحري الذي دك الكثير من المباني في غزة مخلفًا أربعة آلاف قتيل من الرجال والنساء والأطفال غير آلاف الجرحى، وقد أذاع التليفزيون الإسرائيلي أن سبب هذا الاجتياح هو قيام حماس بإطلاق مائة صاروخ قسام عشوائيًا سقط خمسة منهم على حضانة أطفال اسرائيلية متسببًا في مقتل خمسة وأربعين طفلاً إسرائيليًا وجرح العشرات.

وقبل أن أفيق جيدًا من المناظر المريعة غيرت القناة لقناة إخبارية أخرى لأفاجأ بالمذيع يقول: اجتاحت القوات البرية الإسرائيلية جنوب لبنان ودمرت تسعين بالمائة من البنية التحتية لجنوب لبنان متسببة في قتل ثلاثة آلاف مدني لبناني من الرجال والنساء والأطفال، وأذاعت القناة العاشرة الإسرائيلية تصريحًا لوزير الدفاع الإسرائيلي الذي صرَّح بأن سبب الاجتياح قيام حزب الله بخطف جندي إسرائيلي من اللواء الثالث الإسرائيلي.

وقررت أن أغير هذه القنوات المريعة وشغلت قناة الأغاني ووجدت المطرب الوطني شعبان عبدالرحيم يغني "أنا بكره اسرائيل"، ثم أغنيته الخالدة "هبطل السجاير وأكون إنسان جديد" فأغلقت التليفزيون وحاولت أنام تاني أحلم بالمهاتما غاندي ومارتن لوثر كنج.

"I have a dream"  Martin Luther King

شارك بآرائك وتعليقاتك ومناقشاتك في جروبنا على الفيس بوك أنقر هنا
أعرف مزيد من الأخبار فور حدوثها واشترك معانا في تويتر أنقر هنا
  قيم الموضوع:          
 

تقييم الموضوع: الأصوات المشاركة فى التقييم: ٠ صوت عدد التعليقات: ٠ تعليق