بقلم: ماهر جرجس الجاولي
ترامت إلى مسامع الملك العظيم الميهمن على كل المسكونة أنباء عن وقوع شعبه فى الكورة البعيدة تحت نير سلطان شرير يُقال له إبليس، حيث ادّعى هذا الشرير كذباً أنه ملك هذا العالم وراح يتفاخر بقدرته الفائقة وتاريخه الطويل في اسقاط الأبرار والأخيار في براثنه الشريرة، فهو الذى أضل -فى بداية الخليقة- الجد الأكبر آدم وإمرأته حواء فاستحقوا عقاباً لهم الطرد من الجنة التى كانوا يتنعمون فيها ليسكنوا أرض التعب والشقاء ويورثوا أبنائهم خطيئة آبائهم الأولين، فأمسوا يرزحون تحت عبودية ملك الظلمة الشرير الذي كان أشبه بأسد زأر راح يلتمس ابتلاع ضحاياه الواحد تلو الآخر.
وعزّ على الملك العظيم أن يرى رعاياه يتساقطون في هاوية الظلمة السحيقة، فأرسل بعض رسله المقربين لهداية شعبه وإقصائهم عن أفعالهم الشريرة التي أوقعتهم تحت نير عبودية ملك الظلمة، إلا أن الشعب الأعوج الهالك في جهله أعرض عن رسل الملك العظيم وصم آذانه عن كلام التوبة والهداية، مما دعى الملك العظيم المتحنن أن يرسل ابنه وحيده كي يخلص شعبه من جبروت ملك الظلمة لأن لذته في بني آدم.
ونزل الأمير المفدي من عليائه وارتضى طواعية أن يختلط بعامة الشعب وجال فى البلاد يصنع خيراً ويشفي المرضى ويطلق سراح المأسورين المتسلط عليهم إبليس الشرير، وبعد حين حانت اللحظة الفاصلة التي جاء لأجلها الأمير لحظة الفداء والخلاص كي يدفع عن شعبه أجرة خطاياهم حتى يعودوا ثانية إلى حضن الملك الآب، ولم يعي الشعب الجاهل لقساوة قلبه معنى التضحية والفداء الذي ألمح إليها الأمير في أكثر من مناسبة عندما كان يخاطبهم بكل حب وطول أناة، وهاج عليه قادة الشعب واقتادوه إلى خارج البلاد وصلبوه على ربوة عالية وأسلم روحه نيابة عن شعبه كى يدفع ثمن خطاياهم.
وبعد حين قصير عاد الشعب الجاهل إلى رشده وأدركوا أنهم صلبوا الأمير المفدي غير أنهم صاروا فرحين إذ أنهم الآن آملين في العودة إلى حضن الآب الآمين ليعاينوا وجه الابن المنير.