الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هي أغلي ما يملك القبطي علي الإطلاق، فالكنيسة بالنسبة لنا لست عقيدة فحسب بل هي الكيان الذي ضحي من اجله أجدادنا بدمائهم وأرواحهم، وهي التي حفظت قوميتنا وهويتنا المصرية وتاريخنا، والكنيسة هي البقية الباقية من وطن مغتصب، قد يقبل القبطي الاضطهاد والظلم والقهر والقتل ويظل القبطي محتفظا بهدوئه وسلامه ولكن عندما يقترب أحد من الكنيسة فالوضع يختلف، فيتخلي القبطي عن وداعته وصبره واحتماله ويشب للدفاع عن كنيسته، ولما لا وقد وهب أجدادهم حياتهم فداءً للكنيسة قبلهم وهم ليس أقل من أجدادهم في شئ.
قامت الدولة الحديثة علي مبدأ الفصل بين السلطات السلطة الدينية والسلطة المدنية، ثم تم الفصل بين السلطات المدنية التنفيذية والتشريعية والقضائية، ولكن نجد في وقتنا الحالي وتحديدا في مصر أن الأمر أصبح سمك لبن تمر هندي، فالنظام يصر علي إقحام الكنيسة في أمور سياسية، ثم يصر علي إقحام نفسه في الأمور الدينية من خلال سلطاته التنفيذية، وظل السلطة القضائية بعيدة عن ألاعيب النظام القذرة، ولكن مع حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة علي زواج المطلق مرة ثانية قد تخلت السلطة القضائية عن مواقفها الحيادية السابقة وأقحمت نفسها في سلطات دينية بحتة.
ويعتبر حكم المحكمة الإدارية هو أمر عقائدي بحت فكان يجب علي المحكمة عدم النظر فيه، وكان ينبغي علي المحكمة رفض الدعوي لعدم الاختصاص من أول جلسة، فماذا لو ذهب للمحكمة مسلم يريد الزواج من أمرآة خامسة علي أن يحتفظ بالأربعة الأخريات علي ذمته، وماذا لو ذهبت للمحكمة أمرأة تريد الزواج من رجل ثاني، متعللة مثلا أن الإسلام رفض جمع المرأة لأكثر من رجل لعدم اختلاط الأنساب واليوم لدينا تحليل الحامض النووي الذي يستطيع الفصل وإظهار نسب الطفل، ماذا سيكون رد المحكمة، لاشك ستحكم المحكمة بعدم الاختصاص ورفض الدعوة وتحويل الدعوة للمحاكم الشرعية التي سترفض الدعوة بدورها وربما تأمر بأخذ تدابير ضد صاحب الدعوي، وكان يجب علي المحكمة فعل نفس الشئ في هذه القضية. وماذا لو ذهب مثليين في بلاد تجيز الزواج المثلي وطلبا الزواج في المسجد أو في الكنيسة؟؟ هل سيوافق رجل الدين؟؟ وهل ستلزم المحكمة رجل الدين بعقد زواج المثلي؟؟ أم ستطلب المحكمة من هذا المثلي بالزواج في مكان أخر يجيز له هذا الزواج. ولما كان القانون المصري ينص علي انه تطبق الشريعية المسيحية علي المسيحيين وأن كان القانون قد أشترط ذلك ي حالة إتحاد الملة والطائفة فقط وكان المسيحيين يشكون من التضييق عليهم في مسألة إتحاد الطائفة والملة فإذا بالمحكمة الإدارية تعصف بالبقية الباقية لتلغي قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وتعصف به عصفا.
البعض يقول الكنيسة مؤسسة من مؤسسات الدولة ولابد أن تخضع لقانون الدولة؟؟ نعم هذا صحيح ولكن تخضع لها في الأمور المدنية وليس العقائدية، فمثلا الكنيسة بوصفها شخص اعتباري قد تذهب للمحكمة في نزاع علي عقار مع شخص حقيقي أو شخص اعتباري أخر لتفصل قوانين الدولة في هذا النزاع، ولكن في مسألة تخص العقيدة ينبغي أن يكون للكنيسة وحدها الفصل في هذه المسألة.
ودعنا نتساءل لماذا هؤلاء الذين قاموا بالطلاق خارج الكنيسة يريدون العودة للزواج ثانيا داخل الكنيسة؟؟ لماذا لا يتزوجون ثانيا بنفس الطريقة فما عليهم إلا الذهاب لأحد المحامين لكتابة عقد زواج ثم رفع دعوي صحة توقيع، ويمكنهم رفع دعوي صحة ونفاذ العقد وكما طلقوا في المحكمة عليهم أن يتزوجوا في المحكمة- وإللي شبكنا يخلصنا- أما محاولة لي زراع الكنيسة كطريق لأخذ "بركة الزواج"في الكنيسة، فلا أعتقد أنها طريقة سليمة لنوال البركة! وخصوصا أن الكنيسة لا تملك منعهم من الزواج في المحكمة كما لم تملك منعهم من الطلاق في المحكمة أيضا، وأنا مع حرية الفرد في أن يتزوج ثانيا وعاشرا إذا أراد، ولكن مع الكنيسة في تحافظ علي العقيدة التي تسلمتها من الآباء ومع الكنيسة في وضع قواعدها وقوانينها الداخلية. والغريب أن الكنيسة المصرية ممتدة في العالم كله ونسبة الطلاق في الغرب أكبر بكثير من الشرق، ولم تواجه الكنيسة موقف كهذا في الغرب ولا تستطيع محكمة غربية بإلزام الكنيسة بزواج المطلق بل ستقول له أذهب وتزوج بطريقة أخري وبمنتهي البساطة، البعض يقول أن الزواج المدني متوفر في الغرب وغير متوفر في الشرق، وهذا خطأ فما قلته من قبل يصلح لأن يكون بديلا للزواج المدني، فهل أصبحت الحريات الفردية تراعي في مصر أكثر من الغرب لا سمح الله؟؟
في النهاية ليس هناك خيارات أمام الكنيسة فأما أن تقبل قرار المحكمة و تهدم العقيدة الأرثوذكسية من أساسها، أو أن ترفض الكنيسة وتدخل في صراع مع الدولة الله وحده يعلم مداه وتحافظ علي العقيدة، وبدون شك ستختار الكنيسة الخيار الثاني ونحن مع الكنيسة وأهلا بحلقة جديدة من حلقات الصراع مع أبواب الجحيم وأهلا بعصر الاستشهاد وكما ضحي أجدادنا بأرواحهم لتبقي كنيستنا جاء الدور علينا لنضحي بأرواحنا فداءا لعقيدتنا وكنيستنا....
نقلا عن ايلاف |