بقلم: القس سامي بشارة جيد
إن بين الميلاد والموت حياة والمسيح غلب الموت لذا فهو حي ولنا إذا آمنّا باسمه حياة أبدية، إن رسالة القيامة توكد أنها ليست مجرد حدثاً تاريخياً جديداً فقط بل فعلاً فريداً وعملاً مجيداً أيضاً، وإن تفعيل الحياة يبدأ من الموت وليس من الحياة فكل كائن يبدأ بالميلاد أما الإنسان الجديد المولود للبر وقداسة الحياة فلا بد أن يبدأ من الموت مع المسيح ليعيش ليس لنفسه بل من أجل الذي مات من أجله وقام.
إن جدة الحياة لا بد وأن تبدأ بموت البذرة أي الدفن، ثم تنبت برعماً فنبتة فغرسة فشجرة ثم ثمرة، لذا فإنه يعد حقيقة منطقية ماثلة أن الموت بوابة الحياة فالترتيب المقصود في جنة عدن كان شجرة الحياة والموت ثم شجرة الحياة إلى الأبد، فنحن أمام تسلسل وتتابع يبدأ بالحياة ثم الموت ثم الحياة الأبدية وهكذا نرى الأمور وقد اتسمت واتسقت وتناسقت واستقامت والمهم والأكيد والأفيد أن نحرص على الموت لتوهب لنا الحياة، وهذا ما فعله يسوع إذ ركز نظره نحو أورشليم وثبت عينيه على الصليب إذ هو الوسيلة والغاية معاً لتحقيق الفداء مع المضي قدماً في عملية تقديم النموذج الذي يضمن أهليته لتولي هذه المهمة أمام الله وأمام الناس في انسجام وانتظام لم يسبق لهما مثيل في تأنق وتألق ليس له مثيل إذ أن موته النيابي هو ضامن وضمان إمكانية الحياة من جديد في الأرض الجديدة والسماء السعيدة.
إذاً يسوع قدم الصليب كحل للخطية والأب قدم القيامة كحل للموت إذ أن الموت مرادف للخطية والقيامة صوناً للحياة، والقيامة كفعل تثبت أن الضامن الوحيد لحدث الحياة الجديدة هو المسيح الأجدر والأقدر والمسيح وحده، إذ له عدم الموت وهو كحدث فريد في التاريخ يتضمن صيرورة عنصر الزمن إلى غاية ويعيد صياغة التاريخ بعد أن ركز كتبة التاريخ قبل الميلاد على ثقافة الموت على اعتبارها الحدث المهم تأتى القيامة لتكون الحدث الأهم بعد الميلاد، إذ هي جوهر الوجود وأصله وغايته والحدث الأكثر صعوبة والأبعد في التحقق إذ اهتمت الديانات السماوية وغير السماوية بالموت على أنه الاصل، ولكن يسوع وهذا ما تريده وتعلمه المسيحية أن القيامة هي الحدث الأكثر إثارة والأجدر بالإهتمام، فالبرغم من اهتمام المصري القديم بالتوحيد مع بقاء الموت هو الأساس لذلك بنى القبور على شكل أهرامات، واهتم الإسلام بثقافة الموت أي الجهاد فهي الأساس على اعتبار أن الموت في سبيل الله هوالحدث الأكثر إثارة والأكبر في المكافأة، ولكن يسوع يعطي الحياة على الأرض والحياة الأفضل على الأرض الموعودة والحياة الأفضل على الإطلاق عندما يأتي ثانية بمجده وملكوت أبيه ويأخذ أتباعه ومحبيه إذ يتمتعون بتمام الوعد ويتمتع هو بتمام الإنجاز إذ يملك إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية وهذا ما يجعل المسيح يتفوق ويصدق.
إذاً يسوع في القيامة وجّه الضوء وسلّطه على القيامة وليس على الموت، إذ أبطل الموت وأنار لنا الحياة والخلود (2تى 1: 10)، فهو كما أنار الحياة عملياً بتقديم نموذج عملي للإنسان الجديد وأهله ليسكن روح الله القدوس فيه للأبد بنفس القدر أنار الخلود بقيامته المجيدة ناقضاً أوجاع الموت ومظهراً الإمكانية لكل من يقبله رباً ومخلصاً وفادياً بإعطاءه أدوات التحول والتغيير بالكلمة الحية المحيية والعلاقة المباشرة والشخصية بدون وسيط أو شفيع عداه، إذ يوجد وسيط واحد وشفيع واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح وبشركة الجسد الواحد وسكنى الروح القدس المحيي بمجرد قبول الفرد سلطان وسيادة وإنسانية وألوهية البار ابن الله الحي الذي كان ميتاً والمُقام من الأموات وهذا ما يجعل المسيح يتألق ويتأنق ويقتدى ويحتذى به.
إن لنا نحن المسيحيين الكثير والكثير في أروع الأحداث وأعظمها على مدار التاريخ إبداعاً وجلل، ولكن أجمل وأكمل ما لنا في القيامة أن لنا يسوع الحي وأن لنا إذا آمنّا حياة باسمه، ويمكن ذكر ما يلي على أنه عربون الميراث الذي تفعّل وتكمّل وتقرّر وتدبّر بقيامة المسيح من الموت:
1- المحبة لا تموت:
لقد ركز الناموس على أن تحب الرب إلهك من قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك وأن تحب قريبك كنفسك (تثنية 6:5) (مرقس 12:30) تصريحاً إذ تحب نفسك ضميناً، وأكد يسوع نفسه على هذه الحقيقة الجوهرية والضرورية عندما سأله شاب باحث عن الحياة الأبدية ومتطلع إلى الميراث الأبدي.. ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟ وأكد يسوع لهذا الشاب ولتلاميذه أن الوصية القديمة الجديدة أن يحبوا الرب الإله وبعضهم بعضاً كما أحبهم هو إذ أنه كمال المحبة والمحبة رباط الكمال.
وأكد فيلسوف المسيحية والشخصية الثانية بعد المسيح في إصحاح كامل يسمى بإصحاح المحبة في كورنثوس الأولى والإصحاح الثالث عشر إذ عاش شاول متطلبات الناموس وفرائضه وطقوسه ووجد نفسه مجدفاً ومضطهداً ومفترياً، ولكن عندما تقابل مع جمال الحب ورأى كمال المحبة في طريق دمشق أدرك أن المحبة لا تموت وأن فنى الجسد على افتراض أن يسوع بالنسبة له مائت وحدث التأثير العجيب في كلمات عتاب رقيق "شاول شاول لماذا تضطهدني صعب عليك أن ترفس مناخس"، ولحظتها أدرك أن المحبة فعل وحركة وتواصل مع شخص وهذا الشخص هو يسوع المسيا المخلص والمغير والفاعل في الأفراد وفي الحياة اليومية وفي التاريخ، لذا درس المحبة من جديد وفي بعد جديد لم يألفه ولم يعرفه ولم يجده لا في التراث اليهودي كله مع غناه ولا في الفلسفة اليونانية مع عمقها، ولكنها هي التي وجدته عندما قابله يسوع وعندما أدار جهاز الإستقبال المشوش في عقله ليعدله ويبدله وليجدده ويعده ليرى الرب السيد المُقام وليدرك أن عليه أن يموت مع المسيح ومن أجله لكي يحيا في البر الذي بالإيمان البر الذي يبرر الفاجر ويطهر ما عجز الناموس أن يطهره ويغسل ما يفشل في تنظيفه الماء وفشلت الذبائح في أن تمحو آثاره.
ومن هنا بدأت علاقة المحبة بيسوع وصار بولس هو الإناء المختار والتلميذ الثاني عشر غير المُختار من التلاميذ ومن الكنيسة، وما زال هذا الإختبار يحدث في بقاع الأرض يومياً وبالآلاف، أمام محبة يسوع التي لا يمكن أن تموت أو تذبل أو تتراجع لا يجد الإنسان نفسه إلا أسيراً مأسوراً ومأخوذاً ومنجذباً تجاه المحبة المغيرة للحياة.
إن مقابلة الرب المقام والممجد لشرف وامتياز وخبرة روحية لا يصفها إلا الذي عاشها وتعايش معها وعاش بها، إذ يقول لم أعزم أن أعرف أحداً بينكم إلا يسوع وحده وإياه مصلوباً فإن الحياة هي المسيح والموت لى ربح قد حسبت كل الأشياء نفاية لأربح المسيح وأوجد فيه لكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين (كو15:20)، وعندما نقرأ كلمات بولس لا نرى إلا المحبة وقد مشت على قدمين ولا نسمع إلا عن المحبة التي بلا جناحين، وأعتقد أن المحبة خبرة مسيحية عميقة جداً فنهر المحبة ينبع من عند الصليب وإن القيامة بحر دائم الجريان يروي ويغذي هذه المحبة.
إن ما تقدمه القيامة أن محبة المسيح لا تغمرنا فقط بل أن فيضها وفضلها يوصلنا إلى أعتاب الأبدية، وإن ما ينتظرنا حقيقي بل واقعي وأيضا أكيد.
إن المسيحية هي المحبة وإن المحبة هي يسوع وإن يسوع هو أن لي إذا آمنت باسمه حياة فالمحبة لا ولن تموت، إن السماء على الأرض فالسماء هي يسوع ويسوع المحب الأعظم في داخلي.
2- الحق لا يدفن:
الحق أحد ثلاثية أثقل الناموس بالإضافة إلى الرحمة والإيمان، وقد قدم السيد المسيح نقده اللاذع إلى الكتبة والفريسيين إذ ركزوا جل اهتمامهم بصغائر الأمور من عشور النعناع والشبث وحفظ السبت الحرفي، إلا أن يسوع في منطقه امتطى صهوة الحق وفي تصرفه اكتسى ثوب العدل وفي يومياته تعامل مع الفئات المختلفة المهمشة والمطحونة برحمة وود وتقبل وارتدى قبعة الإجادة ليدافع عن الخطاة والمنبوذين والفقراء المعدومين، وانتقد الإيمان النظري المظهري إذ عمل وعلم ووعظ وقدم النموذج والقدوة والمثل فصار بحق حقيقة تمشي على الأرض وواقع يمكن أن يُعاش ومثال يجب أن يُحتذى به، وفي كل ذلك أعلن حقيقة الآب، وحقيقة الصلاة أي الصلة الحميمة مع الله، وحقيقة الألم والمعاناة إذ هو العبد المتألم، والتنازل والإتضاع إذ أخلى نفسه آخذاً صورة عبد وإذ وجد في الهيئة كإنسان أطاع حتى الموت موت الصليب.
الحق هو الله والله هو الحق كما أن الله هوالمسيح المتجسد فهل يموت الله حاشا، إذاً فان المسيح الإله الحق من الإله الحق لا يمكن أن يُمسك من الموت، والحق لا يضيع طالما كان وراءه مُطالب والسماء تكالب بأحقية السيد المسيح بالقيامة لأنه عاش الحق وعمل الحق وعلم الحق تماماً كما تنبأ بني قورح عن يسوع "الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما، الحق من الأرض ينبت والبر من السماء يطلع" (مزمور 85 : 10-11).
وفي القيامة تحقق أيضاً تصريح السيد المسيح عن نفسه عندما قال"أنا هو الطريق والحق والحياة ليس أحد يأتى إلى الآب إلا بي" (يوحنا 14 : 6).
إن رسالة كل من يعرف الحق هي رسالة التحرير كما قال المحرر الأعظم "تعرفون الحق والحق يحرركم" (يوحنا 8: 32)، ولاهوت التحرير يأتى في سياق الظلم الذي يقع على إنسان هذا الزمان إذ يعاني الإنسان ظلم الحكومات الفاسدة المستبدة، ويعاني ظلم الإنسان لأخيه الإنسان إذ الرشوة والغش وانعدام الضمير واحتكارالسوق، ويعاني الإنسان ظلم نفسه إذ يستسلم للفقر والخرافة ويقبع تحت وطأة الظلام والجفاف الروحي ويرزح تحت نير الخطية ويرفض رسالة النور بالقيامة من قبر الخطية والتحرر من ظلمة الشر إلى نورالمسيح العجيب، ويعاني الإنسان من سجن إبليس الشيطان والحية القديمة الذي يكبله بالمكايد والشكايات والجهل ورفض حق الله وعدله بيسوع المسيح.
لقد استسلم لعازر أخو مريم ومرثا لسلطان الموت عندما مكث أربعة أيام حتى انتن كما صرحت مرثا بأمل خائب، ولكن عندما جاء يسوع تجددت فسحة الأمل وفتح باب الرجاء واتسعت كوة فكر مريم في البعث عند اليوم الأخير إلى التصريح المليء بالأمل البائت "لوكنت ههنا لم يمت اخى!" (يوحنا 11: 32)، وكان جواب الحق يسوع ابن الحق "إن آمنت ترين مجد الله" ع 40، ولما صرخ يسوع هلم خارجاً في وجه حجر قبر اليأس والعدم والهزيمة بكلمات الحياة وسلطان القوة ولاهوت الرجاء خرج الميت من جحر الموت وظلمة الفناء "فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب" (يوحنا 11 : 44 ).
فكيف يمسك من الموت من له هذا السلطان على الميت والموت؟ وكيف يبقى في القبر من يخر القبر أمامه ساجداً خاشعاً جاثياً مطيعاً؟ وكيف يُدفن من أقام ابن أرملة نايين؟ ومن أقام ابنة يايروس؟ كيف يُدفن الحق وقد أعلنه الله بالملائكة لمريم؟ وكيف يُدفن الحق وقد أعلنه يسوع للتلاميذ في العلية؟ وكيف يُدفن الحق وقد جاء من أجل توما؟ وكيف يُدفن الحق وقبره ما زال فارغاً حتى اليوم؟ عندما تبحث النفس عن الحق بصدق وعندما يريد الإنسان أن يعيش في النور فإنه يجد المسيح المُقام.
3- الحي لا يُقبر:
لقد شيد الفراعنة الأهرامات كقبور لحفظ الأجساد إيماناً في البعث والخلود ويقيناً بعودة الروح مرة ثانية وقد تفنن المصرى القديم في تزيين ونحت هذه المقابر وجعلها في أبهى صورة وأحلى رونق بعيداً عن أعين اللصوص لأنها كانت مليئة بالجواهر والحلي، ولكن ما يميز قبر السيد المسيح البسيط الذي تعاطف لدفنه فيه يوسف الرامي أنه بلا جسد وبلا حنوط ولكنه ذا كفن أثبت العلم الحديث أنه كفن السيد المسيح وعليه آثار الجروح التي قدمها من أجل خطاياي وخطايا العالم أجمع.
ما يميز أهرامات الجيزة أنها معجزة معمارية ضخمة، وما يميز قبر المسيح في القدس أنه فارغ فكيف يُقبر الحى؟ وكيف يظل المسيح حبيس الجدران وقد حرر الملايين من قبور الخطية وأطلق الماسورين في الحرية وعتق المكبلين في سجون العبودية؟.
وأيضاً يُعد تاج محل تحفة فنية رائعة في الهند وهو دليل على الوفاء لأقدس علاقة إنسانية يجمع الرجل بالمرأة بالزواج إذ شيده المحب الهندي لزوجته المتوفية والتي رغب أن يخلد ذكراها فشيد لها هذا القبر الغاية في الروعة، ولكن ما يعكر صفو هذا الإعجاز الفني وما يهدد تلك المشاعر الإنسانية النبيلة هو ما بداخل هذا القبر البديع من عظام ومن بقايا بعيدة كل البعد عن جمال الحبيبة المتوفاة ويبقى مجرد تذكار أو مزار أو في أحسن الأحوال رمزاً للوفاء، ولكن ليس الحال هكذا مع يسوع فعندما أتت المريمات حاملات الحنوط باكيات في صباح الأحد وجدن الحجر قد دُحرج والقبر فارغ والميت ليس بموجود وإذا ملاك من السماء يبشرهن بما قد قاله لهن المعلم الصادق الصالح أنه ينبغي أن يتألم ويموت ويقوم في اليوم الثالث كما في كتب العهد القديم، وكانت دهشة المخلوق السماوي وتساءله لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟ ليس هو ههنا لكنه قام كما قال للجميع (لوقا 24 : 1-12).
إن الأهرامات باقية منذ آلالاف السنين، وتاج محل ما يزال محل إعجاز وإعجاب الكثيرين، ولكن قبر يسوع مفتوح للجميع ليروا ويؤمنوا أنه حي وأن الحي لا يسكن القبور وأنه هزم الموت بالموت، فأين شوكتك يا موت وأين غلبتك ياهاوية؟.
إننا لكي نرى يسوع لا يجب أن نفكر بزيارة القبر فهو ليس بموجود في قبر ولكنه حي، فبعدما ظل أربعين يوماً يظهر للتلاميذ وللناس صعد إلى السماء وجلس عن يمين العظمة في الأعالي، فمكانه ليس قبر مستعار لكن عرش من نور وسلطانه ليس أرضي لكنه سماوي، إذ هم حي في كل حين يشفع فينا، وهو حي يتمتع بوعود الآب الذي أحبه وأطاع وصاياه وحقق كل ما وعده به "لأنك لن تترك نفسي في الهاوية، لن تدع تقيك يرى فساداً" (مزمور 16 : 10).
4- الموت لايهزم الحياة:
5- الحياة لا تهزم:
أين أوباؤك يا موت وأين شوكتك يا هاوية (هوشع 13 :14 ).
لقد كان ذلك ما يدور ببال لاهوت العهد العتيق عهد الناموس وما يجول بخاطر لاهوتي الأمد السحيق إذ يصرخ نبي الله هوشع اين أوباؤك = مفردها وباء, وهو المرض الخطير سريع الإنتشار بحسب معجم الكلمات الصعبة، فالخطية هى أخطر مرض يصيب روح الإنسان وتبعده عن مصدر الحياة ومنبع النور فيموت روحياً وينفصل عن الله معطي الوجود حياة ويقبع في دياجير الظلام ويتوه في دهاليز الضياع.
وعندما أخطأ آدم مات روحياً وتحمل تبعات عصيانه شخصياً وانتشر حكم الموت على نسله، فنحن لا نُعاقب على خطية آدم فقط بل على خطايانا نحن أيضاً إذ أخطأ الجميع وليس من يفعل صلاحاً ليس ولا واحد إذ أعوزنا مجد الله "لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس واثمهم"(رومية 1: 1)، وأيضاً "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم, وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس, إذ اخطأ الجميع" (رومية 5: 12 )، ولكن ليس كالخطية هكذا أيضا الهبة، لانه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون, فالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح, قد ازدادت للكثيرين!(رومية 5: 15 ).
ويصرّح الرسول بولس فيلسوف المسيحية "مع المسيح صُلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ... لأنه إن كان بالناموس بر, فالمسيح إذاً مات بلا سبب"(غلاطية 2: 20-21)، يفسر بولس أيضاً ويشرح في نور العهد الجديد عهد النعمة ويقرر ما عمله السيد المسيح وما رآه وشاهده وسمعه بولس شخصياً من السيد المسيح الحي المُمجد شخصياً في طريق دمشق.
فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة "ابتلع الموت إلى غلبة" أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية وقوة الخطية هي الناموس ولكن شكراً لله الذي يعطينا الغلبة برينا يسوع المسيح (كورنثوس الأولى 15: 54 – 57)، لقد أدرك شاول الطرسوسي أن المسيح المُقام هو وحده الذي ليس للموت سلطان عليه، صحيح أن كثيرين قاموا من الموت ولكن ماتوا ثانية، وصحيح أن هناك من لم يذوقوا الموت حتى الآن ولكنهم حتماً سيذوقون، ولكن يوجد شخص واحد مات وقام وهو حي إلى أبد الآبدين وهذا ما قرره وكرره بولس الصغير وهذا معنى اسمه الجديد ليتناسب مع طبيعته الجديدة وشخضيته وإرساليته وعلمه وثقافته مقارنة مع من دعاه وأفرزه واختاره شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح آدم الأخير "فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً: أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب وبعد ذلك ظهر لصفا تم لإثنى عشر وبعد ذلك دفعة واحدة لأكثر من خمسمائة أخ... وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين وآخر الكل - كأنه للسقط ظهر- لي أنا لأني أصغر الرسل" (1كو 15 :3- 7).
إن من يؤمنون بقيامة السيد المسيح لهم في حياتهم غلبة على موت الخطية ويغلبون ثقافة الحياة على ثقافة الموت ويعيشون للحياة ويرحبون بالموت إذ ليس بعد موت بل انتقال حيث يكونون مع المسيح لأن ذاك أفضل جداً، وإن من ينكرون قيامة المسيح من أتباع شيعة الصدوقيين الذين تغلبهم سطوة الموت في حياتهم وثقافة العدم في أفكارهم وهم ليسوا سعداء فحقاً قال السيد المسيح لتوما الديكارتي الشكاك طوبى للذين آمنوا ولم يروا.
إن من يركبون قطار الحياة يرون الحياة جميلة وجديرة بأن تُعاش، وإن من يلفون أوساطهم بأحزمة الموت يائسون بائسون لا يحتملون الحياة بل يتجرعون مر الأيام وقهر الزمن ولوعة الفشل ودمعة الإحباط قدراً ليس باليسير، ولكن يسوع انتصر وأعطانا أن نسير في موكب نصرته وفي ركب غلبته إذ قام ناقضاً أوجاع الموت ومجرداً السلاطين والرياسات مشهراً إياهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب، ونحن به أعظم من منتصرين، فالموت لا يهزم أبداً الحياة إلا في عقول وقلوب من هزمتهم الخطية وهزتهم سطوة الشر وعنفوان الشهوة وقهرتم ثفافة الموت.
فالحياة أقوى وأنقى وأبقى وأرقى بالمسيح وللمسيح ومع المسيح، والموت في سبيل الحياة مع المسيح ربح.
لقد هزم السيد المسيح الموت والخطية والشيطان في حياته بالنقاط وهزم هذا الثلاثي المميت على الصليب بالضربة القاضية، إذ أباد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس...
وهذا ما لنا في قيامة المسيح هنا والآن وبالتأكيد ليس كل ما لنا إذ ما نرجوه ونتوقعه وننتظره عند مجيئه ثانية أروع وأبدع وأيضاً أمجد وأسعد.
إن تحية الصباح المعتادة صباح الخير وجوابها المعتاد صباح النور، فلتكن التحية الغير معتادة ليس في عيد القيامة فقط بل في كل أدراك أن بقيامة المسيح صار لي حياة أفضل هنا وحياة أبدية في ملكوت السموات "المسيح قام" نعم "بالحقيقة قام".