بقلم: جرجس بشرى
لقد كان الحكم الصادر مؤخرًا عن المحكمة الإدارية العليا، بإلزام قداسة البابا "شنودة الثالث " بالزواج الثاني للمُطلقين، بمثابة مادة دسمة للمتربصين، ليس بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية وقداسة البابا "شنودة" فحسب، بل بجميع أقباط مصر!
وكان مُبرِر هؤلاء في الهجوم على هذا الثلاثي ــ الكنيسة والبابا والأقباط ـ هو رفض قداسة البابا حكم المحكمة؛ لمُخالفته تعاليم الكتاب المقدس ونصوص الإنجيل. ومنهم من اتهم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بأنها تخالف أحكام القضاء وتطعن في هيبته.
كما اتهم بعضهم الكنيسة وقداسة البابا بإنهم مصدر الفتنة الطائفية في "مصر"، والأغرب إن هناك من قالوا أن الكنيسة برفضها لحكم المحكمة، قد رسبت رسوبًا عظيمًا في أول أختبار للمواطنة والدولة المدنية، وأن الأقباط في "مصر" قد صاروا أقلية فوق القانون!!
ومع أنني كتبت مقالتين صحفيتين على خلفية القرار الصادر من المحكمة بإلزام الكنيسة ــ وقداسة البابا "شنودة الثالث" تحديدًا ــ بالزواج الثاني للمُطلقين، الإ أن الضرورة قد دعتني لكتابة هذا المقال لأرد على هؤلاء المُدّعون، والمتسترون في ثياب الدولة المدنية التي ينادون بها، مع أنهم لا يعرفونها من الأساس! بل ولا يؤمنون بها عملياً!
وأقول لهؤلاء: هل كنتم تريدون من قداسة البابا والكنيسة والأقباط، أن يخالفوا تعاليم كتابهم المقدس ونصوص الإنجيل؛ حتى لا يكونوا ضد الدولة المدنية؟! وهل إجبار الكنيسة على تنفيذ حكم ضد تعاليم الإنجيل يُعد إختبارًا تختبر به المحاكم المصرية هل الأقباط مع أو ضد الدولة المدنية؟!! وهل كان مطلوبًا من البابا والأقباط أن يغضوا البصر عن إهانة عقيدتهم؛ حتى لا يكونوا مثيرو فتنة؟!
أما قول المهاجمين للكنيسة، على خلفية رفضها الحكم الصادر عن المحكمة مؤخرًا، بإن الأقباط قد صاروا أقلية فوق القانون، فهذا يعتبر نوعًا من الإفتراء على الأقباط، وقول يفتقر إلى البرهان والدليل.
فالواقع الحياتي الملموس يشهد على تغييب القانون، وتنحيته جانبًا في الحوادث المتكررة التي تحدث ضد الأقباط، حيث تفرض عليهم جلسات صلح عرفية لكي يفلت الجناة من العقاب، وإن حدث أن سلك أحد الأقباط المُعتدى عليهم في حوادث عنف طائفية مسلكًا قانونيًا، يتم تزييف إجراءات التحقيق ومنظومة العدالة، بل وفي كثير من الأحيان يتم تلفيق تهم باطلة للمجني عليهم من الأقباط؛ ليتنازلوا عن القضية ويتصالحوا، وفي كلتا الحالتين يفلت الجناة من العقاب!
هل يتذكر أحدكم مذبحة "الكشح"، وشهيد "الباجور"، وقتيل قرية "دفش" القبطي بـ"سمالوط"، و.. .. )؟
والذي أريد أن أقوله لمن هاجموا البابا والكنيسة والأقباط لرفضهم الحكم، إن الدولة المدنية لا تتعارض أبدًا مع احترام الأديان، وإن المواطنة الحقة، والدولة المدنية الحقيقية، هي التي لا تتهجم ولا تزدري عقائد الآخرين أيًا كانت ديانتهم، وهي التي تًقر الحقوق بالتساوي لجميع المواطنين المصريين على أرضها.
فالواقع يؤكد أن الدولة بهذا الحكم، أضافت فشلاً جديدًا إلى سلسلة الفشل المتعاقبة التي منيت بها في تحقيق المطالب العادلة والمشروعة للأقباط، فالنصوص القضائية ليست أكثر قداسة من النص الديني؛ لأنها غير موحى بها من الله. ففي المسائل المتعلقة بالشأن الديني البحت لأبد من الإحتكام إلى النصوص الدينية وليس التعارض معها أو الدعوة أو الإجبار على مخالفتها .