الأقباط متحدون | بطاركة الدولة والدين في مصر
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٨:٣٤ | الاثنين ١٤ يونيو ٢٠١٠ | ٧ بؤونة ١٧٢٦ ش | العدد ٢٠٥٣ السنة الخامسة
الأرشيف
شريط الأخبار

بطاركة الدولة والدين في مصر

الاثنين ١٤ يونيو ٢٠١٠ - ٢٩: ١١ ص +02:00 EET
حجم الخط : - +
 

بقلم: نبيل شرف الدين
ربما كان المصريون وحدهم خلافاً لشعوب الأرض الذين يقولون "إللي نعرفه أحسن من اللي منعرفوش"، فمثل هذه الأدبيات الشعبية التي تتوارثها الأجيال، هي المخزون الحضاري الذي تكشف مدى رسوخ الثقافة النمطية في التعامل مع قضايا الحياة، والتوجس من كل جديد، مع أن المشكلات حين تتفاقم لدرجة كبيرة لا تجدي معها الحلول التقليدية، بل تقتضي إبداعاً في معالجتها، فلا يمكن مثلاً التصدي لقضايا مزمنة كالبطالة والانفجار السكاني ومأساة السير في شوارع القاهرة وغيرها بأساليب مألوفة أو بمنطق "ترقيع الثوب المهلهل"، فالمسألة حين تتشابك لهذه الدرجة من التعقيد، تفرض معالجة جذرية في "الفورمات"، تماماً مثل أجهزة الكمبيوتر حين تهاجمها الفيروسات وتعشش في أركانها.

هل هي مجرد مصادفة أن تشهد نهاية كل عهد "صدامات ما" بين بطاركة السياسة والدين في مصر، فقد حدث هذا الأمر مع الملك فاروق وجماعة الإخوان المسلمين، وتكرر مع عبدالناصر والجماعة ذاتها، ثم مع السادات، واللافت أيضاً أن بطريرك الكنيسة القبطية ومرشد الإخوان كانا طرفين في كل المواجهات.
هو نفسه البابا شنودة الثالث الذي بلغ اصطدامه بالبطرك السياسي (السادات) لدرجة غير مسبوقة في تاريخ علاقة الدولة الحديثة بالكنيسة، هو نفسه بالاسم لكن بالطبع جرت مياه غزيرة في النيل تغيرت معها الوجوه والنفوس والظروف، لكن ظل جوهر الصراع واحداً.

فبطاركة السياسة يرفعون راية سلطة الدولة وسيادة القانون، مع أنهم عاجزون عن تطبيق أبسط القوانين كقواعد المرور بصرامة، بينما يلوذ بطاركة الدين (الإسلامي والمسيحي) بالعقيدة، ويقع المصريون ضحايا حالة استقطاب حادة، فهم أبناء أقدم دولة مركزية في التاريخ البشري، وهم أيضاً أول من سعى إلى محاولة استكشاف الحقائق الكونية الكبرى وعلاقة الإنسان بخالقه، وبالتالي يقع المصريون في مأزق بين الانحياز للدولة والدين، خاصة وأن بطاركة الأرض والسماء يضغطون بأقصى أدوات التعبئة على شعب عاطفي بامتياز، تلعب المشاعر في حياته دوراً مهماً، حتى وإن زعم خلاف ذلك.

لكن البابا شنودة في نهاية عهد السادات ليس هو نفسه الآن، فلا يمكن أن نتجاهل ثلاثين عاماً مضت، كما أن الرؤساء السابقين لم يحكم أي منهم مصر ثلاثة عقود، بل كان أكبرهم سناً في عمر أبناء الرئيس مبارك، كما أن مرشد "المحظورة" ربما كان آخر رجال الحرس الحديدي للجماعة الذين تبددت أعوام طويلة من أعمارهم خلف القضبان، في ظل انتمائه لما يسمى جناح "القطبيين"، صقور التنظيم، نسبة للمُنظّر الإخواني الشهير سيد قطب.

وهكذا يتضح أننا في مصر الآن نعيش مشهداً سياسياً مثقلاً بالخبرات والمرارات ولا يغفر لجموده أن يكون عنوانه هو "الحكمة المفرطة"، فالكبار ينحازون دائماً إلى التقاليد، هذه هي سنّة الله في خلقه، وهو ما تستبعد معه الخيارات المبتكرة أو "الثورية"، وتصبح محاولات الخيال والتفكير جرائم تقف على تخوم الخيانة، لهذا يبقى الاستمساك بالنمطي و"المُجرّب" هو المنهج الذي يلقى قبولاً لدى هؤلاء البطاركة على اختلاف مشاربهم ومرجعياتهم.

بارك الله في عمر الرئيس والبابا والمرشد ونتمنى للجميع الصّحة والعمر المديد، نحن هنا فقط نحاول فهم طريقة تفكير هؤلاء الكبار، لأننا معنّيون بهذا الأمر ونجني حصاده أو ندفع فواتيره، والمثير في الأمر أن ما يُفترض بأنها أكثر المؤسسات بُعداً عن الشرعية، وأقصد جماعة الإخوان، هي الوحيدة التي خاضت عملية التغيير في أرفع مستوياتها رغم ما شابها من ملابسات وخلافات، لكن بالمقارنة مع حالتي الرئاسة والكنيسة لا تبدو النتيجة لصالح مؤسسات الشرعية السياسية والقبطية، فلا يوجد مخلوق في مصر أو حتى خارجها بوسعه التصدي للإجابة على سؤال عن الخلافة في هاتين المؤسستين بل ربما اعتبر البعض مجرد طرحه تجاوزاً لحدود اللياقة وإساءة للرموز، وغيرها من التهم الكفيلة بتعطيل غدد الخيال والتفكير ويؤثر المرء معها السلامة مكتفياً بالانسحاب لتبقى مثل هذه القضايا الجوهرية في حياة الأمم والشعوب في عُهدّة المجهول، ورهينة المصادفات، وربما ضحية لسطو المغامرين على مصالح البلاد والعباد.
والله المستعان
 




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :