بقلم: د.سليم نجيب
أصدرت المحكمة الإدارية برئاسة المستشار محمد الحسيني حكمًا قضائيًا بإلزام الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالتصريح بالزواج الثاني لشخص بعدما طلق زوجته رغم أنه معروف - أو ربما غير معروف للبعض- بأن الكنيسة القبطية لا تجيز الطلاق إلا في حالتي الزنا أو تغيير الملة.
 
ربما يعرف أو لا يعرف سيادة المستشار أن الدين المسيحي يقول "لا طلاق إلا لعلة الزنا" ووفقا لما قاله السيد المسيح في إنجيلنا المقدس "من تزوج بمطلقة فإنه يزني".
 
يا سيادة المستشار كان من المفروض أن يحكم القضاء بما يتصل بالأمور المدنية ولكنه يجب ألا يحشر نفسه في الأمور المتعلقة بالدين لأن سيادته اعتمد في حكمه على لائحة 38 الخاصة بالأحوال الشخصية والتي رفضتها الكنيسة منذ صدورها عام 1938 واعترض عليها قداسة البابا مرارًا وتكرارًا وقدمت المذكرات العديدة لأولي الأمر لإلغاء تلك اللائحة وحتى يومنا هذا لا حياة لمن تنادي ولازالت حتى الآن الكنيسة القبطية تأمل سرعة صدور قانون الأحوال الشخصية لكافة الطوائف المسيحية ورغم ذلك لازال كله حبيس الأدراج.
 
حينما ألغيت المحاكم الشرعية والملية بالقانون رقم 462 لسنة 1955 (الذي بدأ في أول يناير 1956) ونقلت كافة اختصاصاتها إلى المحاكم الوطنية كان الغرض والقصد منه توحيد جهات القضاء في الأحوال الشخصية ووضع حد لتنازع الاختصاص وتعارض الأحكام بينها، وأبدى الأقباط آنذاك مخاوفهم من أن قضاياهم سوف ينظر فيها قضاة مسلمون (غالبيتهم من القضاء الشرعي الذي لم يختص أصلاً بالنظر في الأحوال الشخصية للمسيحيين).
 
وزارة العدل آنذاك وعدت أنها سوف تعمل على أن يكون في كل دائرة من دوائر الأحوال الشخصية قاض أو أكثر من القضاة الأقباط بالمحاكم الوطنية عند النظر في قضايا غير المسلمين. ولكن هذا الوعد لم يوف وانتهى الأمر إلى أن غالبية قضايا المسيحيين ينظر فيها قضاة ليس بينهم مسيحي واحد.
 
المفروض في القاضي أن يكون ملمًا بالتشريع الذي يطبقه، والقاضي القبطي أعلم من زميله المسلم بدقائق الأحوال الشخصية للمسيحيين، ففي وجوده ما يحول دون وقوع المحكمة في خطأ لعدم إلمام قضاتها بنص الشريعة المسيحية وروحها.. علاوة على ذلك في حالات التنازع بين الشريعة الإسلامية والشريعة المسيحية لا يوجد في المحكمة من يدرس القضية من زاوية الشريعة المسيحية مما يؤدي إلى اختلال الموازنة بين مختلف الاعتبارات اللازم وزنها لكي تنتهي المحكمة إلى حكم سليم في إحقاق الحق دون المساس بشريعة من الشرائع.
 
إليكم أمثلة من بعض الأحكام الجاهلة تجيز للمسيحي أن يتزوج باثنتين بل ثلاثة وأربعة (حكم محكمة استئناف القاهرة في 21 مارس 1978 في القضية رقم 104 لسنة 94 قضائية.. وثمة أمثلة أخرى كثيرة لأحكام لا ترضي المنطق ولا حرية العقيدة لا الذوق السليم (مثال أن تأخذ المحكمة بشهادة الشهود بأن رجلاً (أو امرأة) أسلم قبل وفاته ولو سرًا فتحرم ذريته من الأرث. مثال آخر المحكمة تحكم "المسلم شريف وغير المسلم خسيس".
 
1-     حكم محكمة استئناف الأسكندرية في 26 يناير 1961 اسئناف رقم 17 لسنة 16 ق.
2-     حكم محكمة الأسكندرية الابتدائة للأحوال الشخصية في 16 مارس 1958 قضية رقم 462 لسنة 1956.
3-     يجوز للمسيحي أن يتزوج اثنين بل ثلاثا وأربعًا، محكمة استئناف القاهرة في 21 مارس 1978 في القضية رقم 104 لسنة 94 قضائية.
 
كثيرًا ما يحدث أن يترك شخص دينه بهدف الانتفاع من الإمكانيات والحقوق التي تتيحها له ديانته الجديدة أو بسبب التخلص من الالتزام الذي تفرض عليه ديانته القديمة تجاه والديه وأسرته.

كل هذا هو السبب الذي من أجله طالبت المذكرة المقدمة في المؤتمر المنعقد في 17 ديسمبر 1976 بحضور قداسة البابا شنودة وكان يضم المجمع المقدس والمجلس الملي.
 
وطالبت المذكرة الحكومة المصرية صراحة بإصدار تطبيق قانون العقد على كافة آثار الزواج دون التفات إلى تغيير الديانة أو الطائفة وحتى يومنا هذا لم يصدر قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين.. فمتى ثم متى يصدر هذا القانون أفيدونا أفادكم الله؟
 
ألم يكن أولى لسيادة المستشار محمد الحسيني أن يسأل أهل المعرفة من الكنيسة القبطية قبل إصداره حكما مخالفًَا للدين المسيحي؟
 
رحم الله القضاء النزيه الشامخ أيام الزمن الجميل الذي أنجب لنا قضاة عظامًا مخلدين سنظل نترحم عليهم وعلى نزاهتهم أمثال عبد العزيز باشا فهمي، كامل باشا لطف الله، كامل باشا موسى، عبد الرزاق السنهوري .. إلخ إلخ.. أين القضاء المصري الآن في هذا الزمن الأغبر الأسود؟
 
يمكننا القول إن القضاء المصري اليوم أصبح في حال لم يكن موجودًا قبلاً وإن كنت أعتبر هذا الوضع عطبًا جزئيًا في جسم القضاء المصري.. ومع ذلك يصرح شيخ القضاء في مصر والعالم العربي المستشار يحي الرفاعي، النائب السابق لرئيس محكمة النقض بما هو واقع بغير رتوش حينما قال في بيان أصدره يوم 31 ديسمبر 2002 ونشر بجريدة "الشعب" الإلكترونية يوم 20 يناير 2003 ما يلي:
 
"انعدمت في نظر الناس قاطبة كافة ضمانات المساواة بين المواطنين أمام القانون والقضاء وانتهى إلى ضياع سمعة القضاء المصري في نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة في الأفواه.. يقولون إننا دولة مستقلة ذات سيادة وإن لدينا قضاءً مستقلاً ولدينا سيادة القانون ولدينا برلمانًا في حين أنه ليس لدينا شيء من ذلك كله ولا حتى الحياء".
 
أخيرًا وليس آخرًا نحن الأقباط في انتظار أن توافق الدولة رسميًا على مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي قدمته الكنيسة القبطية منذ عدة عقود: 1980، 1998، 2008 وكله حبيس الأدراج في مجلس الشعب.. كما نلفت الأنظار أيضًا إلى إصدار هذا القانون إلى جانب قانوني بناء دور العبادة الموحد وأحقية الكنيسة في قبول المرتدين من الإسلام الى المسيحية وبذلك سينتهي جزء كبير من مشاكل الأقباط في مصر.
  "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 29).

رئيس الهيئة القبطية الكندية
دكتوراه في القانون والعلوم السياسية